ما وراء خطاب محمود عباس بشأن القدس

بقلم: عبد السلام فايز

انطلقت الجلسة الأولى للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته الثامنة و العشرين مساء الأحد 24 كانون الثاني يناير ، لمناقشة الرد على القرارات الأمريكية ، و التي كان آخرها إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ، و عزمه نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس ..

لم تكن كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في هذه الجلسة ليّنة ، و لم يكن فيها محاباة لأيّ طرف ، بل سرعان ما هاجمَ القيادة الأمريكية المتمثّلة بالرئيس دونالد ترمب ، على خلفية تفريطها بمدينة القدس من خلال تغريدة تويتر ، و انحيازها التام للإسرائيليين على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة ، منوّهاً إلى أنّ صفقة العصر ليست صفقة ، بل هي صفعة و سيتمّ ردّها ..

اللافت للانتباه هو مقاطعة حركة حماس و الجهاد الإسلامي لهذه الجلسة ، بسبب مكانيّة الحدث ، حيث أنّ المكان لم يكن بالمستوى المطلوب كما قالت حركة حماس ، و لا يمكن في مثل هذه الأمكنة اتخاذ قرارات مصيرية طالما أنّها واقعة تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي ، و طالما أنّ أمناء سرّ الأقاليم في حركة فتح قاطعوا الجلسة أيضاً بسبب توجيه دعوة للقنصل الأمريكي لحضور أعمالها ، الأمر الذي استمدت منه حركة حماس شرعيّةً لقرارها في المقاطعة ..

تصعيدٌ في الخطاب ، تعمّده الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بعد أنْ عابَ على حركة حماس و حركة الجهاد الإسلامي رفضهما المشاركة في هذه الجلسة التي ستناقش أهم قضية دينية و سياسية ، ألا و هي قضية القدس .

بعض المتابعين للشأن الفلسطيني قالوا بأنّ الظرف الفلسطيني لا يحتمل عودة النزاع الفتحاوي الحمساوي إلى الواجهة من جديد و ليس هناك وقت يسمح بعودة مثل تلك المهاترات ، و لابد لجميع الأطراف من تغليب لغة المصلحة الفلسطينية العامة على مصلحة الفصائل ، فهناك ملفات مهمة بحاجة إلى حلّ ، و إن لم تكن بحاجة إلى حل عاجل فهي على الأقل بحاجة إلى طاولة مستديرة يجلس عليها ممثلون من كافة الفصائل الفلسطينية الفاعلة ..

كان من الضروري حضور الجميع للخروج بصيغة موحّدة تكفل حق الرد على تهويد القدس ، و تعمّق أطر المصالحة الفلسطينية التي رأى فيها أبناء فلسطين بصيص النور ، خاصةً سكّان قطاع غزة الذين دفعوا القسط الأكبر من فاتورة الانقسام الفلسطيني ، فكانت جلسة الأحد جلسة مهمة ، ربّما تكون حركتا حماس و الجهاد الإسلامي قد أضاعتاها ، و أعادتا من خلالها بواعث و ذكريات الانقسام المشؤوم ، و مع ذلك فيرى متابعون فلسطينيون أنّ الفرصة ماتزال سانحة أمام حماس و الجهاد الإسلامي و جميع المقاطعين ، لاستغلال بعض الجوانب الإيحابية في خطاب محمود عباس ، و محاولة استثمار إلغائه لاتفاقية أوسلو ، و تمسّكه بملف اللاجئين و المصالحة الفلسطينية ، و إعلان دولة فلسطين بأنها تحت الاحتلال الإسرائيلي ، و أنّ القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين ، شاء من شاء و أبى من أبى ، لذلك على جميع الفصائل أن تبحث عن ضالّة الشعب الفلسطيني أينما وُجدت ، بعيداً عن النوازع و الآثام الشخصية التي لاتصبّ في مصلحة المواطن الفلسطيني سواء كان في الداخل و الخارج ، لأنّ الانقسام لم يكن حكراً على الداخل فقط ، بل امتدت سيئاته لتمسّ حتى الفلسطينيين المقيمين في الشتات ، لاسيّما أنّ بوادر عودته بدأت تلوح في الأفق بعد تغيّب حماس و الجهاد الإسلامي عن جلسة الأحد ، إذ بدأ طلائع التراشق الكلامي تبعث روائحها الكريهة ، و ربما يتصاعد الموقف و يحتدم الخلاف إن لم يتداركه العقلاء من كافة الفصائل ، و قد قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود اسماعيل  ، إنّ حركة حماس تسعى الى أن تكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية ، و ذلك ، خاصةً بعد رفضها المشاركة في أعمال المجلس المركزي للمنظمة في ظل تكالب القوى الاستعمارية واسرائيل على حقوقنا الوطنية المشروعة..

و رفض اسماعيل ذرائع حماس بعدم المشاركة في اجتماع المجلس المركزي قائلاً إنّه لا يعقل أن تأخذ موقفاً مُسبقاً ،  مطالباً جميع الفصائل بإدانة رفض الحركتين المشاركة في الاجتماع .

هذا التصريح الناقد ربما يفتح المضمار أمام التسابق في الردّ ، و إعطاء المجال أمام شيطان الانقسام للبزوغ من جديد ، في ظرفٍ عصيب لا ترجح كفّته لصالح القضية الفلسطينية ..

و لم يكتفِ محمود عباس بانتقاد الدور الأمريكي و الغياب الفصائلي ، بل تطرق أيضاً إلى الضغوط التي يتعرّض لها من قبل بعض الدول العربية للقبول بأبوديس عاصمة لفلسطين نيابةً عن مدينة القدس ، و للقبول بما تسمّى صفقة القرن ، و لم يُسَمِّ أبو مازن دولاً بعينها ، لكنّ الإشارة واضحة بأنه يقصد دور المملكة العربية السعودية التي حاولت في الآونة الأخيرة الضغط على محمود عباس للقبول بما يرتئيه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب و القبول بالعاصمة الجديدة ، و عدم إنعاش ملف اللاجئين بين الفينة و الأخرى ، و القبول بتوطين اللاجئين في البلدان التي يعيشون فيها مقابل دفع تعويضات ماليّة لهم  ، الأمر الذي رفضه أبومازن ، لتخيّره المملكة العربية السعودية أو ربما تحذّره بأنه عليه القبول بذلك كي لا يجد نفسه مضطراً للاستقالة ..

إذاً ربما تكون صحوة من الرئيس محمود عباس لابد من استثمارها حتى لو كانت متأخرة ، أو كانت لمآرب أخرى ، لأنّ البدائل تبقى غير متوفرة دائماً أمام الفلسطينيين الذين تُباع قضيّتهم بأرخص الأثمان ، لذا لابد من البحث عن أيّ بارقة أمل للخروج برؤية فلسطينية موحّدة تليق بحجم مدينة القدس ، و حجم فلسطين .. كل فلسطين ..

بقلم/ عبد السلام فايز