برغم ما احاط عقد اجتماع المجلس المركزي بمقر المقاطعه بمدينه رام الله من ظروف سياسية ... وتحديات متزايده ... وتعقيدات بالمشهد الداخلي والاقليمي والدولي ... الا ان الرئيس محمود عباس كان حاضرا ومخاطبا وقويا... ما بعد الافتتاح الذي قام به السيد سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ... الرئيس كان حاضرا متيقظا واعيا ... قادرا على مخاطبة الحضور كما مخاطبة شعبه وامته والعالم بأسره .
خطاب الرئيس أعادنا الي ذاكرة تاريخية يعرفها البعض ... ويجهلها البعض الاخر ... ليس من باب السرد التاريخي والتنظير السياسي ... بل كان يستهدف الي ايصالنا الى ما نحن عليه .... وما نواجهه .. والذي لم يأتي مجرد صدفة ... او ضربة عابرة ... او سياسة جديدة ... بل ان ما وصلنا اليه قد جاء من عمق سياسة مبرمجة مخططة ... لها توقيتها ... كما لها زمانها ومكانها ... وحتى محطتها الحالية ... والقادم اخطر .
حاول الرئيس عباس ان يجيب على الكثير من التساؤلات التي تتواجد بذهن الكثيرين ... حتى انه كان يحاول الاجابة على الاتهامات والتشويهات والمفردات المستخدمه حول التفريط والتنازل ... والتي حاول من خلال سرده التاريخي والسياسي ... وما جرى من أحداث وشهود أحياء واموات ان يبرز الحقيقه والقائلة بمجملها ... انه من الدورة التاسعه عشر للمجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر بالعام 1988 ... وما تم الاعلان بوثيقة الاستقلال ... وما تم الاستناد عليه بالشق القانوني وفق القرار 181 ... وبالشق السياسي وفق القرار 242 والذي ينص على الانسحاب من الاراضي العربية الذي تم احتلالها بالخامس من حزيران 67 ... وعدم جواز الاستيلاء على ارض الغير بالقوة .... وعدم قانونية أي اجراءات تتخذ على الارض المحتلة .... ليؤكد الرئيس عباس ان اعلان الدولة بالعام 88 بحدودها السياسية وبعاصمتها السياسية القدس وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194 ... كلها بمجملها ودون انقاص .... لا زال العمل جاريا عليها ... ولا زالت تشكل الموقف الثابت والاساسي للسياسة الفلسطينية وللموقف الرسمي للقيادة .
الرئيس عباس عاد بنا الي تاريخ طويل ... يصعب علينا سرده ... لكنه حاول ان يؤكد على الكثير من النقاط ... وان يوضح الكثير من الحقائق ... كما حاول ان يأتي بالعديد من الامثلة والاحداث بشهودها الحاضرة .
سرد تاريخي ... ربما أطال من وقت الخطاب ... لكنه عمق الفكرة ... واوصل الرسالة ... واكد النتيجة النهائية ... بأننا هنا باقون ... فنحن الكنعانيون الاوائل ... ولن نخطئ مرة اخرى ... ولن نغادر ... ولن نهجر او نهاجر ارضنا ... ولن نتنازل عن حقوقنا الثابتة .
الرئيس عباس أراد ان يوصل رسالة واضحة مباشرة للادارة الامريكية .... بأن لا صفقة قرن ... ولا صفعة قرن ... ولكننا سنردها بطريقتنا .. وبسياستنا ... بحقوقنا وقانونية قضيتنا وعدالتها ... مؤكدا على عدم امكانية تجاوز حقوقنا ... وعدم امكانية نجاح مأربهم .. واهدافهم ... وان امريكا قد اخرجت نفسها من دور الوسيط والراعي للتسوية السياسية .... لتكون بموقع المعادي للسلام وحل القضية ... وعليها ان ترحل طالما فقدت توازنها ... وعدالة موقفها وحاولت تجاوز حقوقنا وثوابتنا .
الرئيس عباس وبهذا الموقف الصريح والشجاع وكأنه يقول لن نخسر أكثر مما خسرنا ... ولن يستطيع أحد ان يفرض او يملي علينا ارادته ... كما اراد ان يقول افعلوا ما شئتم ... وخططوا كما تريدون ... وحتى تأمروا مع من تريدون ان تتأمروا ... لكننا لن نقبل بأقل من الحد الادنى والمعلن حول دولة فلسطين بعاصمتها القدس بحدود الرابع من حزيران 67 وحل عادل لقضية اللاجئين .
موقف ثابت وراسخ ولا يقبل التعديل او التغيير على الاطلاق فمن لديه الحل ... فليأتي به ... ومن ليس لديه حل ... فالحل قادم من خلال مسار دولي يستند الى شرعيه دولية وقرارات اممية في ظل مقاومة شعبيه سلمية مستمرة ومتواصله لن تجعل من المحتل والمستوطن على ارضنا أدنى راحة ممكنة ... بل تكلفة باهظه.
(لا) لامريكا ... و(لا) لاسرائيل ... و (لا) للتفريط والتنازل ... و (لا) للحلول الجزئية والمؤقتة ... و ()لا للحلول التي لا توفر السيادة الكاملة والحرية التامة ... و(لا) لكل من يناصر المحتل ... ومن يحاول ممارسة الضغوط او من له مصالح خاصة يريد ان يسوقها على حساب مصالحنا وقضيتنا .
الرئيس عباس لم يجامل امريكا ... ولم يجامل حكومة نتنياهو ... حتى انه لم يجامل أحد .... حتى وان لم يذكرهم بالاسم لانه قد وصل الى قناعه راسخة ... ان هناك من يفهمون المرونة السياسية بطريقه مغايره للواقع ... ومن يفهمون التمسك بالحد الادنى للتسوية السياسية ومفهوم حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعيه الدولية بأنه الخيار الاوحد والذي لا خيار بديل عنه .... وهنا فالجميع يكون قد اخطأ التقدير والحساب .
الرئيس عباس وبخطابه التاريخي أراد ان يؤكد ... ويعيد تكرار الثوابت الوطنية وخيار التسوية السياسية ... مع تغير واضح بالمسار السياسي والعودة للامم المتحده وللمجتمع الدولي .. وازاحة امريكا عن الطريق ... وعدم انفرادها وتفردها بعملية التسوية .. وحتى يكون واضحا وجليا ان امريكا لم تعد موضع ثقة بالنسبة لنا كما لم تعد قدرا وخيارا وحيدا علينا ... والمناخ الدولي والامن والسلم العالمي ... والمصالح الدولية تفرض شروطها ... ومعادلاتها التي فرضت على امريكا الانسحاب ... كما ستفرض على اسرائيل الالتزام بشروط التسوية ومتطلباتها .
أمريكا وادارة ترامب ... واسرائيل وحكومة نتنياهو يخسرون على مدار اللحظة امكانية تحقيق تسوية سياسية وسلام داخل المنطقة ... ويتحملون نتيجة افعالهم وسياساتهم .... والنتائج الكارثية المحتملة نتيجة حالة الفراغ وعدم الاستقرار ... خاصة في ظل انتشار جماعات الارهاب .... صحيح انها لا تمس أمن اسرائيل ... ولا تعاديها ... ولا تزعزع استقراراها وصحيح ايضا انها لا تمس امريكا التي تنقلهم بطائراتها من منطقة الى اخرى ... الا ان التاريخ قد يعود بنا الى تنظيم القاعده في افغانستان وما قامت عليه امريكا ... وما جرى بعد ذلك من أحداث 11 سبتمبر ... والذي قلب السحر على الساحر .
الرئيس عباس يؤكد على الموقف الفلسطيني ضد الارهاب والارهابيين ... كما ويؤكد على الفشل الذريع الذي يحاول فيه البعض الصاق صفة الارهاب بنا في ظل حقائق الامور ان الارهاب بمجموعاته التكفيرية وبأغلبيته الاجنبية ومن جنسيات متعددة ... ومن منابع ومنطلقات فكرية مختلفة قد أكد للجميع بأن لا علاقة لنا بهذا الارهاب الاسود من قريب او بعيد .
الرئيس عباس يؤكد اننا امام الشرعيه الدولية وقراراتها وامام المسار السياسي الجديد الاممي والذي يخرج عن عباءة الولايات المتحده وانحيازها التام لدولة الاحتلال . يعتبر أحد الخيارات السياسية الذي سيعتمد عليها استنادا للشرعيه الدولية ومبادرة السلام العربية والتي تحدث حولها بصراحة ان بدايتها حل القضية الفلسطينية ... وبعدها ليكون التطبيع لمن يريد ... والعلاقات الاقتصادية لمن يريد ... لكننا ننظر الي مبادرة السلام العربية من منظور حل القضية الفلسطينية واقامة دولة فلسطين بعاصمتها القدس والحل العادل لقضية اللاجئين .
فحوى الخطاب ... اننا لسنا بضعفاء ... ونمتلك من عوامل القوة الكثير .. ربما لا يراها البعض ... لكنها مؤثرة وفاعلة في لحظة حدوثها وابرازها ... والوقائع شاهدة ... والتاريخ قادر على الحديث واستعادة ذاكرته حول أمن وسلام المنطقة .... فلقد كان نهجنا الكفاح المسلح ولسنوات طويلة واليوم نقول المقاومة الشعبية السلمية والتي ستركع اسرائيل ... وستسقط المشروع الصهيوني كما المشروع الامريكي .... بامكان امريكا واسرائيل ان تقتل وتدمر وان تحرق الاخضر واليابس .... لكن التاريخ لن يتحدث عن ان شعب بأكمله قد تم قتله وانهاء وجوده فالحروب العالمية الاولى والثانية وما تم في اوروبا واليابان لم يقضي على تلك الشعوب ... بل جعل منها شعوبا متحضرة وقوية وقادرة على صناعة حاضرها ومستقبلها .
الرئيس عباس وكأنه يقول لامريكا واسرائيل لا تعتمدوا على أحد .. ولا تستندوا الى قوتكم ... ولكن اعتمدوا واستندوا على مفهوم السلام المتوازن والذي تقبل به الاجيال ويحقق لها طموحاتها بالحرية والاستقلال والسيادة والذي يعيد لها قدسها واماكنها المقدسة .
جاء الخطاب ليؤكد على أن التنازل غير وارد ... وان التمسك بالحقوق والثوابت يشكل الاساس والواقع داخل الغرف المغلقة وفي الفضاء الخارجي ... وان ما يقال بالسر ... كما يقال بالعلن ... وليس هناك خافيا على شعبنا وامتنا ... لاننا صادقون مع انفسنا .
كما أكد الرئيس عباس اضافة الي شطب ما كان يدبر من صفقة القرن او صفعة القرن .... ومن ربيع امريكي فشل قبل سنوات ... وتجري محاولة استعادة نشاطه لتخريب ما يمكن تخريبه ... واجراء تحالفات وتقسيم دول والتي ستكون بنتيجتها فاشلة .
القرار الوطني الفلسطيني المستقل وعدم القبول بالتدخل بالشؤون الداخلية للدول ... كما رفض التدخل بشؤوننا الداخلية موقف ثابت لا يتغير و غير مسموح بالعبث بمصالحنا ومواقفنا ... وان الورقة الفلسطينية ملك شعبنا ... ولا أحد يستطيع ان يتلاعب بها .
الرئيس عباس بما يتسم به من مرونة سياسية وخطاب مباشر ... وحوار مفتوح ... واستماع جيد ... الا انه يتسم بالصلابة والقوة والعناد والتمسك بالحقوق والحقائق والثوابت ... ولا يقبل باغراءات التنازل ... ولا بكل الملايين والمليارات ... التي يمكن ان تقدم رغم اننا فقراء ... وشعبنا بحاجة الي متطلبات الحياة الكريمة .... الا ان كرامة الوطن والشعب والحقوق والثوابت أغلى بكثير من الذهب والمال واضاعة الاوطان .
الرئيس عباس اراد ان يقول بصريح العبارة ... واحيانا بالتلميح ومحاولة ارجاع الذاكرة من خلال عصف ذهني لمن يستمعون اليه ان امريكا بادارتها الجديدة تضحك على نفسها ... وانها تغرر باسرائيل وتضر بمصالحها والعكس صحيح ... وان حاجتهم للتسوية ... باكثر من حاجتنا لها .. فاسرائيل بداخلها عوامل تفجيرها وانهاء وجودها بديموغرافيتها ... وان امريكا بسياستها وتطاولها وتجاوزها .... قد عزلت نفسها وخربت على ما كانت تحاول تسويقه من شعارات وقيم ومبادئ حول الحرية والديموقراطية ولم تعد بسياستها موضع صدق .
نحن في فلسطين ليس أمامنا خيارات كثيرة ... لكننا امام خيار واحد وحيد ... اما السلام العادل والشامل والذي يحقق لنا مشروعنا الوطني التحرري بدولة فلسطين وعاصمتها القدس ... واما سندخل بمواجهة مفتوحة لا يعلم الا الله مداها ومخاطرها ونتائجها .
والنقطة الثانية أننا في فلسطين ليس امامنا من خيار الا وحدتنا الوطنية وانهاء انقسامنا الاسود واتمام المصالحة كخيار وحيد وأوحد .
النقطة الثالثة أننا جميعا شركاء الوطن واننا اعضاء بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد .
النقطة الرابع هان اوسلو قد ماتت ولم تعد قائمة ... وان الاعتراف لم يعد قائما واخذته الرياح ... وان الامن لنا قبل ان يكون لكم وللحديث بقية .
بقلم/ وفيق زنداح