ربما درجت العادة ان يستقبل العالم العام الجديد بالمزيد من الطقوس التي لا تخلو من آثام ومعاصي والتي يرفضها شرعنا الخنيف وعاداتنا العربية الاصيلة وتراهم ينفقون في سبيل ذلك مبالغ طائلة.
لكن في غزة كانت طريقة استقبال العام الجديد جديدة وفريدة وجديرة بالاحترام . فغزة ورغم ان الحصار قد احكم حلقاته على كل تفاصيل الحياة بهدف خنفها وزرع الشوك في دربها حتى تتورم قدميها فترفع الراية البيضاء مستسلمة وتخلو الدنيا ممن يقول (لن نعترف بإسرائيل )الا انها استقبلت عامها الجديد بالمزيد من المفاجآت التي اثلجت صدور قوم مؤمنين واغاظت الكفار فحزنوا على ما بذلوه من جهود وما انفقوه من اموال كي يدمروا غزة بمن فيها وبما فيها.
لكن اهل غزة اصحاب الارادة والمبادئ قالوا كلمتهم وافتتحوا العام الجديد بحدثين مهمين لكل حدث دلالات وابعاد.
الاول. حملة صلاة الفجر التي شملت كافة مساجد القطاع حيث اجتهد الشباب في تحفيز أنفسهم وغيرهم عبر وسائل دعوية عديدة. وبفضل الله اقتربت المساجد في صلاة الفحر كما صلاة الجمعة.
ان صلاة الفجر هي التي تصنع جيل التحرير وكما ذكر المؤرخون بان صلاح الدين الايوبي كان يختار جنده من رواد صلاة الفجر باعتبار ان من ينتصر على نفسه سينتصر حتما على عدوه. وكان اذا وهو يسير بين خيام الجنود متفقدا لهم يسمع صوت يتلو القران يقول من هنآ ياتي النصر واذا عرفهم نيام قال من هنا تأتي الهزيمة.
ان هذه الحملة قد لاقت استحسانا كبيرا عند الناس الصادقين. بينما الصهاينة نظروا لها على انها تطور خطير وتوثر سلبيا على بقائهم واستذكروا مقولة لاحد زعمائهم بانه اذا رأيتم المسلمين في صلاة الفجر كما صلاة الجمعة فاعلموا ان زوالكم قد اقترب. اما المنافقون والذين في قلوبهم مرض قالوا بانهم لن يسمحوا بنقل هذه الافكار الى الشطر الثاني من الوطن معللين ذلك بان هذا الامر فيه ازعاج للناس النائمين. خاصة الاطفال والمرضى.
الحدث الثاني. حملة سامح تؤجر
رب فكرة او كلمة بسيطة لا تلقي لها بالا تفتح ابواب الخير للجميع وتكون عاملا محفزا لهم للتنافس والتسابق نحو الخير.
سامح تؤجر هي من بنات افكار اهل غزة بدأها تاجر من محافظة النصيرات وعبر اعلانه على مواقع التواصل الاجتماعي بان قد سامح كل الزبائن في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها.
ولان بذرة الخير متأصلة في نفوس شعبنا فقد سارع اصحاب اليسرة الى اعلان مواقفهم لأحدهم سامح سكان العمارة التي يمتلكها من أجرة الشقق السكنية والاطباء تطوعا لعلاج المرضى بالمجان في عياداتهم الخاصة والمحامون استعدوا لإجراء بعض المعاملات القانونية بالمجان وبعض المحلات التجارية تبرعوا بسلال غذائية للأسر المعدومة و المزارعون جهزوا بعض مما جاد الله به عليهم من خضار وفاكهة لتوزيعها على الفقراء.
سامح تؤجر رائعة وبحب ان تستمر وتصبح فلسفة حياة حتى يعلم الجميع ممن يحاصر غزة بأن اهل غزة لن يستسلموا لمواقعهم المر وانهم مستمرون في التعاون والتعاضد حتى تزول سحابة الحصار.
لكن ورغم جمال الحملة فلي ملاحظة ان من تبرع وعفى زبائنه من الديون قد ساوى بين الزبون المعدوم والزبون صاحب الدخل . فجميل لو سامح الزبون صاحب الدخل بنصف ماعليه واخذ النصف الاخر وتبرع به لعائلة فقيرة أخرى.
حملة صلاة الفجر وسامح تؤجر هي باكورة اعمال وافكار ابناء غزة والقادم اجمل بإذن الله. وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش هو اسلوب غزة في اعلان جدارتها بالحياة.
مصطفى أبو السعود