إذا قلتُ أنّ الشّعب "داخ"، يعني أنه داخ منذُ زمن، وهذا منافٍ للحقيقة، ولمحطاتٍ قام فيها الشعبُ في المراحل المختلفة منذُ جذور النكبة إلى مسيرته من أجل الحرية والكرامة والتحرير، ولكنّ هذا هو الشعب "الدايخ"، وأقصد الحالَ والزمان، فبكبر حجم وضخامة القضية الفسلطينية وأهمّيتها وأهمية جغرافيتها ومقدساتها وانسانيتها تم الاستهداف، فهو شعبٌ سلّطت عليه كلّ أدوات وأنواع وجهات التخريب برامج منها طويلة الأمد ومنها قصيرة الأمد ومنها متوسطة الامد، شعبٌ وقع تحت إستهداف أجهزة دولية وإقليمية ومحليّة لكي تتحقق يوما مقولة غولدامائير: "الكبار يموتون والصغار ينسون".. ولكن كيف يمكن للصّغار أن ينسوا إذا لم يتمّ إشغالُ العقلِ الفلسطيني والجيل الفلسطيني بسطحيّاتِ ومسطّحات الأمور والظواهر والتاريخ والسلوك الإجتماعي المتحلّل من أبجديات الأزمة وأعني هنا أبجديّات أزمة النّكبة.. ما قبلها وما بعدها.
والأزمةُ كلّ الازمة أن لا يعرف الشعبُ أين يتّجه وأين يقفُ من عدّة أبوابٍ تأكل ماضيه وتغتصبُ حاضره، وإن خَرجَت عهد التّميمي عسى أن توقظ النّائمون والتّائهون وتستدرجَ الحنين لمسوّقي التسويةِ ومروّجيها، ومنهم المرتعشين والمتذبذبين والمنظّرين والمفصّلين لأبواب وعتباتِ الإنتظار، علّها تأتي بواحدةٍ تُغنيهم وتحفظ ما بقي من دماءٍ في وجوههم.
والأزمةُ كلّ الأزمة جسدها أحمد جرّار في عناقه مع الارض والسماء فهرول الجميع لتبني عناقه ..! واختلفوا وتباروا فيما بينهم أيّهم يثبت أنّه تابعٌ له.. سُخفُ الواقع وحقيقةُ الأشياء والأزمة.. إنّ الشّعب الفلسطيني يبحثُ عن بريق أملٍ ولو تجسّد ذلك في عملية فردية ضدّ الإحتلال ...!!، والحقّ أنّ ما فعلهُ أحمد جرّار ومن كان قبله يدلّ على أنّ مستوى اليقظة عنده وعندهم أعلى وأكبر لفهم الواقع الذي يجب أن تُحسم تفاصيله ومكوناته.
قد تكون الحقيقةُ قاسيةَ عندما يفقد الشعب الأمل، وأن يتوه الشّعبُ بين عدّة خطابات بين الإرتعاش والتبجّح، وكلٌّ يُخضع مفهوم الأزمة لرؤيته، وبين ما هو شرعيٌ وغير شرعي والمحصّل تركيع الشعب.. قد نفهم أن المكونات المجتمعية تتنافس سياسيا ولا تتصارع ولا تنقسم ودور المؤسسة يرعى الجميع، لقد أصبنا بمرضٍ فتّاك وضاع الشّعبُ بمكوّنه الثّقافي والإجتماعي والإقتصادي والمعيشي بين الإنتماء والولاء وكلٌّ يُشهرُ سيفهُ كي يردّ الضّربة لسابقتها ودخلنا في ارتفاع مضطرد للجريمة والإنتحار والنّصب والطّلاق وغيره من مُصنّفات التمزّق والإنقسام في المنزل والحارة والشارع والقرية والمدينة، وهناك من هو مخدّر ونصفُ مُخّدر ومُخدّر بالكامل حتى الوصول إلى حالة الهلوسة وفقدِ الجميع الثّقة فيما يَرونه ولا يرونه، وحالات الفزع السّيكولوجي والتي تدفعُ لمزيدٍ من الشّلل والعزوف الوطنيّ والمشاركة المجتمعيّة، وهذا يؤدّي لنجاحِ كلّ المخطّطات التي تستهدف وطنيّتنا ووجُودنا وحقوقنا ومقدّساتِنا وسهولةَ السيطرة.
مرحلةُ منتصف الأزمات ومنتصف الطّريق بين المصالحة واللّامصالحة وهي الأخطر، وعندما تغيبُ أُسسُ الشّرعية للنّظام السّياسي والمكوّن المؤسّساتي والكُلّ يُمسكُ بملفّات ضدّ الكل والكلّ ينتظر الهُجوم على الكل أيضا، وعمليّة حشدِ فئويّ وجُغرافيّ في أحشاء البرنامج والمصطلحات الوطنيّة المعلّقة بامتداداتٍ إقليميّة ودوليّة والإمساكُ بخُيوط اللُّعبة في المربّعات الدّاخلية الوطنية وآخرها ما يسمّى يصفقة القرن في تحييد أو إغلاق أيّ خيارات بالرجوع للشعب وكأنهم أوصياءٌ للأبد، ولَمقولةٌ يجب أن يعادُ ترتيبها "الممثل الشرعي والوحيد" تُحتّم الإلتزام والإصغاء لفشلٍ ثم فشل، مستجلبين ومستحضرين عواطف الشّعب التاريخية حول منظمة التحرير.
تلك المناخات السابقة صالحة لتمرير ما يريدون في حالة سقوط الوطنية الفلسطينية والحالة الشعبية والمكون المجتمعي للشعب الفلسطيني، ويعملون على مزيدٍ من الإنشقاقات والتنوّع في تنفيذ المخطّطات بين الحصار والتجويع والفقر، وبين التهويد وإنهاء قضية الّلاجئين تحت ذريعة أن هناك سلطةٌ وهناك مسمّى دولةٌ من المفروض أن تتكفل بشعبها.. شيءٌ من الوهم، بل الوهم كلّه أن تتصوّر لك سلطة ولا سلطة أو دولة ولا دولة، دولةٌ تفتقر أن تضع اللبنات الاولى لحماية مواطنيها.
أمريكا أعطت لنفسها الحّق في إنهاء قضية اللاجئين، وأعطت لنفسها الحقّ في منحِ القدس للإحتلال، أيقع الحق على ترامب وامريكا؟، أم على من؟.. الشّعبُ "الدّايخ" وإن إستيقظ في نوبة منتفضةٍ فإنه يقعُ تحت أدوات السّلطة والتسلّط، ولأنّ المقاومةَ يجب أن تكون سلميّة!.. فينام الشعبُ مرّة أخرى لأن المقاومة سلميّة، ولذلك يفضّل الشّعب أن يقاوم الذّل بالنّوم حينَ لا يكونُ له لا حول ولا قوة ..؟؟
المرتعشون عمداً وإصراراً حياتهم ومكاسبهم في زمن الخوف، ولذلك لن يغيّروا منهجيّتهم وإن زينوها بما يُرضي فاقدي الوعي.. من كثرة الضربات.
إنها الكتابةُ يا سادة في زمن الخوف ودفع الثمن!
سميح خلف