لم تشارك حماس والجهاد الإسلامي والقيادة العامة وآخرين في اجتماعات المجلس المركزي في دورته الثامنة والعشرين في رام الله وأيا كانت المبررات التي ساقها الغائبين عن الحضور فان الحضور كان ضرورة ووجودهم كان أكثر ضرورة, ذلك ان وجودهم كان من المفترض ان يشكل رافعة حقيقية لرؤى أكثر عمقا ولقرارات إما أن يتفق عليها الجميع ويلتف من حولها أو وذلك اضعف الإيمان أن نسمع من الحضور مكامن الخلل فيما جرى.
بكل الأحوال انعقد المجلس المركزي بغياب من غاب مخطئا كان أم مصيبا إلا أن خطاب الرئيس في الافتتاح ساهم في تفجير ما تبقى من مصالحة ولو شكلية فقد يكون أنه كان محقا في تساؤله مثلا عن أي مكان أفضل من رام الله لنتخذ قرارات ولكنه عاد وشن هجوما لا مبرر له على الإطلاق سوى إعادتنا الى المربع الاول مما دفع بحماس لرد القول بقول اكثر إيلاما, ودفعها للتعليق على البيان الختامي بالقول لنرى كيف سينفذون هذه القرارات بدل ان تسعى للمشاركة بتنفيذها إذا رأت فيها ايجابية تستحق التنفيذ كما يبدو من ردها.
هذا هو حالنا إدارة مربكة ومرتبكة لكل شؤوننا وقرارات لحظية شفهية لا علاقة لها بالتنفيذ ولا بآلياته ولا احد يرى في نفسه مسئولا عن تنفيذ قراراه فحتى على صعيد الوحدة الوطنية ومنذ بدء الانقسام والمجالس المركزية المتتالية تتحدث عن الوحدة وأهميتها وضرورتها وتصف الانقسام بأبشع الأوصاف لكن الحال يبقى على حاله ولا شيء يتغير بل على العكس من ذلك كلما اعتقدنا أننا خطونا الى الأمام عدنا من جديد الى حالنا المأساوي اكثر انقساما وإيغالا بالفرقة والبعد.
كان درس التاريخ الشامل الذي قدمه الرئيس سيكون ضروريا لو ان المجلس قرر تجديد الدماء باستبدال من هم في أواخر العمر بمن هم اقل عمرا فمن غير المعقول أن يكون الأصغر سنا بين الحضور قد تجاوز السبعين وبالتالي فمن المفترض أنهم جميعا يعرفون كل كلمة قالها الرئيس في سرده التاريخي لقضيتنا لساعتين من الزمن دلت على عافيته وصحته الجيدة ولكنها كشفت علل من ناموا بانتظار نهاية الخطاب.
مرة أخرى كرر المجلس دعوته للانضمام الى الهيئات والمنظمات الدولية وكان الأمر سيحتاج سنوات وسنوات لننتهي من هذه المهمة.
كرر المجلس حديثه عن الوحدة الوطنية وضرورة تحقيقها ونسي ان افتتاح الدورة شطب المصالحة من أساسها فمن غير المعقول ان نكتب خلاف ما ننطق
أعاد المجلس تأكيده على قرارات سابقة كقرار وقف التنسيق الأمني وإنهاء التبعية الاقتصادية وبدل الإعلان عن التنفيذ جاء تكليف اللجنة التنفيذية تسويفا جديدا, وعلى نفس القاعدة كان تكليف اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بإسرائيل أي انه لم يعلق الاعتراف بل كلف اللجنة وهي سلطة اقل من سلطة المجلس المركزي بفعل ذلك ولا احد يدري متى وكيف سيكون هذا التعليق ان تم أصلا مع انه كان بالإمكان ان يعلن ذلك صراحة فالقرار لا يحتاج لأية آليات لتنفيذه سوى إعلانه فلا علاقة متكافئة بيننا وبين الاحتلال ولا سفارات لنغلقها ولا سفراء لنستدعيهم فالأمر لا يحتاج لأكثر من إعلان وكفى.
ربط المجلس تعليق الاعتراف بإسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطين في حدود 1967م وإلغاء قرار ضم القدس ووقف الاستيطان ولم يربط ذلك مثلا لكي يكون هناك دولة أصلا بالانسحاب التام من أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة فلا يكفي إعلان إسرائيلي ولا يكفي وقف الاستيطان بعد ان التهم الغالبية العظمى من أراضي الدولة المنشودة.
باختصار شديد فان سائر القرارات التي صدرت في البيان الختامي تركت كل الأبواب مشرعة ولم تضع حدودا واضحة لهذه القرارات ولا آليات للتنفيذ وقد كان حضور من غابوا ضروريا فعدم المشاركة لا تعفي الغائبين من مسئولياتهم وعلى العكس من ذلك فان غيابهم سهل ظهور البيان بهذا الشكل وقد تكون الردود على البيان بالنقد حينا لا مبرر لها ما دام الغائبين تركوا الأمر ليصل الى هنا كما لا يجوز لهم أيضا التعامل مع هذه القرارات بانتظار قدرة من أصدرها على تنفيذها ما داموا مقتنعين ان ذلك لن يحدث كما تظهر ذلك تصريحاتهم بل على العكس من ذلك فكما كان على الرئيس ان لا يقطع شعرة معاوية بات على الغائبين ان يعملوا على الأرض لتطوير قرارت المجلس وإعطائها سيقان لتمشي عليها لعلها تصبح حقيقة واقعة على الأرض بدل حالة الندب والتشكيك.
خرجنا من اجتماعات المجلس المركزي منقسمين اكثر مما كنا عليه قبل انعقاده بينما جبهة الأعداء وحلفاءهم اكثر تماسكا بالفعل بديلا للقول ومع أن الرئيس كان واضحا كل الوضوح في رفضه لصفعة القرن كما اسماها وإعلانه عن عدم قبول أمريكا كوسيط وحسمه أمر رفض أية صفقات أيا كانت إلا ان المجلس تجاهل أية خطوات عملية حقيقية تجري على الأرض لتنفيذ صفعة القرن تلك بعد ان عدلت كنيست الاحتلال قانون ضم القدس بمنعها اي تفاوض على القدس وشرعت بتجهيز مشاريع قوانين لبسط سيادة الاحتلال على الضفة الغربية, وهذا يعني ان الانفكاك من الوسيط الأمريكي ورفض مشاريعه لفظا لا يكفي لمنع تطبيقها على الأرض ان لم نجد برنامجا عمليا مقاوما لمشاريعهم وننفض يدنا من كل مشروع الدولتين الميت أصلا ونضع المقاومة كفعل حي على الأرض أيا كانت أشكالها لا مجرد النطق بتسميات لمقاومة حتى لم يجري تفسيرها أو وضع خطوط واليات فعل لها لتصبح حية ملموسة في مواجهة جرائم الاحتلال بالضم والتهويد وإلغاء القضية الوطنية الفلسطينية على الأرض وحشرها في زاوي صغيرة مخنوقة اسمها قطاع غزة كتنفيذ اخرق لحل الدولتين بإمبراطورية في غزة وكانتونات حكم ذاتي معزولة في الضفة الغربية.
كان على المجلس المركزي وطنيا ان يفتح أحضانه لغزة بلا قيود أو شروط وان يبدأ بضخ دماء جديدة في هيئات المنظمة على طريق وحدة الجميع بها بلا استثناء وعلى قاعدة القرارات والاتفاقيات العديدة السابقة وفورا, وكان عليه ان يقدم ردا عمليا على قرار ترامب ومن بعده الكنيست بشأن القدس بان يكلف الرئيس بالعمل فورا وبدون إبطاء على نقل مقره الى القدس ويكلف الجهات المختصة كوزارة المالية باستئجار مقر للرئاسة لحين التمكن من بناء مقر ومنح الرئيس الحق التام باختيار السبل المناسبة السرية والعلنية للوصول إلى مقره في القدس وإعلان استقلال دولة فلسطين منه دون انتظار هيئات وجهات دولية نعلم جيدا حجم سيطرة أمريكا وإسرائيل عليها, فمثل هذا القرار كان سيكفي بديلا لكل ديباجة الكلام التي أتى بها البيان الختامي.
بقلم/ عدنان الصباح