التّعريف السّياسي لغزة في ظلّ المُتغيّر الإقليمي والدّولي

بقلم: سميح خلف

قد يصعُب الآن  تعريف المَشروع الوَطني الذي حمَلته منظّمة التّحرير مُنذُ أربعة عقودٍ وترجمته من خلال المجلس الوطني عام 88م، أو إعلان الإستقلال ومن المؤكّد أنّ خِطاب نائب الرّئيس الأمريكي  "بنس" قد أضاف اليومَ في الكنيست الإسرائيلي، ولما أقرّه ترامب في 6/ 12 بنقل السّفارة إلى القدس، والمفهوم السّياسي  قد أصاب المشروع الوطني الفلسطيني في مقتل  في حين تتكرر أطروحات الجغرافيا السياسية للمنطقة برمّتها  سواءً في فلسطين المحتلّة ولتشمل الأردن وسوريا ومصر، وهذا ما أكّدته الدّراسات الصّادرة  عن معهد هرتسيليا للأمن القومي الإسرائيلي،  فالتّبادلية لا تقتصر على ما تمّ طرحُه أثناء مُباحثات ومفاوضات صائب عُريقات وأولمرت بل تجاوزت ذلك بتسويات في تبادلية الأراضي لأكثر من دولة  تخص الجولان ووادي عربة وسيناء ومزارع شِبعا، تلك الأطروحات التي تناولها مستشار الأمن القومي الاسرائيلي السّابق "غيورا ايلاند" في مشروعه للتّسويات بخصوص القضية الفلسطينية والصّراع في يوليو عام 2015م. قد تكون تلك التّسويات في المنطقة  لتبدأ مع الفلسطينيين في صفقة تُسمى صفقة القرن والتي ستتبعها تسويات إقليمية أخرى تفتحُ مجالاً لتسويات إستراتيجية  عُمقها الأمن والإقتصاد والمشاريع الإستراتيجية العملاقة بين كلاً من مصر والأردن والعراق والسعودية  وسوريا.

وأمام ما تفكّر فيه العقلية الأمريكية والإسرائيلية، والتطوّر الديموغرافي في المنطقة مستقبلًا، ماذا سيحقّق الفلسطينيون  من مكاسب  أو رصيد في وطن مستقل مُترابط جغرافياً على ما تبقّى من أرضهم التّاريخية في الضفة أو غزة، قد يصعب الإجابةُ على هذا السّؤال في ظل تطوّرات الواقع الذاتي للفلسطينيين والإقليمي أيضاً والدولي، بالإضافة للعراقيل الذاتيّة في طريق المصالحة  والوحدة السياسيّة  والمؤسساتية بين كلاً من الضفّة وغزّة  فإن المؤثّر الإقليمي والدولي الأكثر ضغطًا في إتّجاه  إنقسام أبدي يُحقّق شُروطًا سياسية وأمنيّة لتَسويات هذه المنطِقة والتي تدخُل إسرائيل كجغرافيا في حيّزها، فأُطروحات "غيورا لاند" أو "ليبرمان" تصبّ في نفس السّياق، هذا إذا ما رجعنا  للضّغط الأمريكي المزمن الذي نتج عنه تحوّل النظام السياسي الفلسطيني من المطالب القصوى في تحرير فلسطين إلى المطالب الواقعية لإقامة الدّولة الفلسطينية والتي حدّدها في قراري مجلس الأمن 242 و338 في إنعقاد المجلس الوطني عام88م في الجزائر، ومن ثمّ مَزيد من التّنازل في توقيع إتّفاق المباديء أوسلو عام 93م، إذًا وكما هو الموقف الامريكي الآن الذي يُطالب الفلسطينيين بالمفاوضات  وفي ظلّ إعتراف أمريكا بالقُدس عاصمة موحّدة للإسرائيليين بل للدولة اليهودية، بالمُقابل الموقف الفلسطيني  الذي يُطالب بمُفاوضات تحتَ رعايةٍ أمميّة أو قوى بديلة لأمريكا  والتي عبّرت أُوروبا عن مُعارضتها لأي رِعاية  للمُفاوضات  بعيدًا عن أمريكا، هو نفس الموقف الذي صرح به نتنياهو أنّ إسرائيل لن تقبل راعيًا لعمليّة السّلام سوى أمريكا..

إذًا  كيفً يُدير الفلسطينيون أمورهم..؟ وكيف يُديرون الصّراع..؟ في ظلّ مُتغير إقليمي ودولي ليس لهم بل عليهم، وأين هُم من مشروعهم الوطني..؟ وهل سيحدث مزيدًا من التّنازل  يُحافظ على وحدة الجغرافيا والنظام السياسي  وفي ظل ضغوط متزايدة طالت عمل الأُنروا في خُطوةٍ أُخرى وأبجديّة سياسية  أخرى  لمَحو آثار النّكبة المعنويّة والماديّة للّاجئين في دوّامة الحُلول التسووية في المنطقة، أعتقد ذهاب الفلسطينيين للمنظمّات الدولية ليس هو الحاسم والفاعل وأنه كان من المفروض أن يكون خيارًا إضافيا لا أساسيًا، بل هناك ما يجبُ فعله داخليًا وذاتيًا وهو الأهم وهو إنهاء الإنقسام  وتحصين الجبهة الدّاخلية، أمّا خطاب المقاومة السلمية  أمام حلف دولي وإنصياع إقليمي لمتطلّبات السياسة الدولية في إنحيازها لإسرائيل لا ينفعُ إلا في ظروف الهند وجنوب أفريقيا سابقاً في عصر غاندي ونيلسون مانديلا،
أمّا الحالة الفلسطينية فقد تختلف تماماً والظّرف الإقليمي والدّولي أيضًا، ففلسطين المحتلة ليست الهند وليست جنوب أفريقيا والعالم اليوم ليس هو بالأمس  فالمستوطنات أَكلَت الضّفة والمشاريع الأمنية الإسرائيلية والإقليمية مشاريع إستراتيجية على البحر الأحمر والميّت والغُور بما ينفي وجود كيانية وطنية فلسطينية مستقلة وذات سيادة أو نصف سيادة أو ربعها.

أعتقد أن التعثّر في المصالحة الفلسطينية ووجودها الآن كغطاءٍ سياسي لا يكفي لدرء أي مشاريع أو تصوّرات أخرى للقضية الفلسطينية أو الكيانية الفلسطينية، وفي ظلّ العقوبات التي يفرضها الحصار مضافاً إليها العقوبات التي تفرضها السلطة على قطاع غزة، فالعقُوبات طالت كلّ بيت وعائلة بالإضافة للبنية التحتيّة، هل هذا يهدُف إلى أن تعود غزة كما يصرّح البعض بعودتها لبيت الطاعة..؟؟ أشك في ذلك، بل هي عملية كُبرى وصفقةٌ من أجل  توصيف سياسيّ للضفة وتوصيفٌ آخر لغزة وهذا ما يتقاطع مع أكثر من أطروحة إسرائيلية وإقليمية للتّسويات في المنطقة.

أعتقد أن الأجهزة الأمنية وهي السياديّة للسُلطة في الضفة باقية ومهما تغيّر وجه المنظومة السياسية أو تعريفاتُها فهي باقية، فأمريكا تقطع المساعدات عن اللاجئين وما زالت تدعم الأجهزة الامنية في الضفة  وهذا يعني ان هناك تصوّر أمني سياسي لعمل الأجهزة في الضفة ليس على قاعدة وحدة ما تبقى من ارض الوطن بل على قاعدة التسويات الإقليمية للقضية، في غزة أجهزة سيادية ايضا أمنية وعسكرية وهي أجهزة أيضًا تمهّد لدولة، ويُمكن أن تقوم بعمل أجهزة دولة، إذًا نحن أمام كيانيتين لكلٍ منهُما أجهزتهما السيادية بصرف النظر عن توجّه كلا منهما.

وهنا نشير  إلى أطروحة ومقالة نشرها مستشار الأمن القومي السابق يوم الأحد الماضي  يدعو فيها للإعتراف بدولة غزة، وأن تكون سياسة إسرائيل مستقلة تجاه غزة عن سياسة السلطة وموقفها من قطاع غزة، فالإسرائيليون يُوقنون أن أي إنفجار لغزة لن يتضرر منه عباس بل ستتضرّر إسرائيل ومصر، ولذلك  يضع "اغيورا ايلاند" مشروع تسوية آخر بخُصوص غزة  وهي خيارات يفكر فيها أو في بعضها أهلُ غزة في ظّل حصار الرئيس عباس والسلطة لها والذي سيدفع حماس وسكانها أيضًا لربما للتفكير في إحدى هذه الخيارات التي طرحها  "غيورا ايلاند" وفي وجهة نظر القانون الدولي :-

1- غزة دولة

2- جزء من دولة

3- منطقة برعاية دولية

 مقترح ومبادرة غيورا ايلاند بخصوص غزة:-

الواجب اجراء تغيير جذري وفوري في النهج ووضع إستراتيجية ذات سبعة مباديء:

الأول: العمل على الاعتراف بأن غزة هي دولة.

الثاني: الاعتراف بأن الحكم في غزة يقرره سكانها (وفي هذه المرحلة فان الحكم الشرعي هو حكم حماس).

الثالث: الإصرار على أن تعطى التبرعات لإعمار غزة لحكومة غزة.

الرابع: الاشتراط بأن أساس التبرعات تستهدف إقامة شبكات كهرباء، مياه ومجاري.

الخامس: الموافقة على اقامة ميناء في غزة.

السادس: حتى اقامة البنى التحتية تضاعف اسرائيل ضخ الكهرباء والمياه الى القطاع.

والسابع: الضغط على مصر للسماح بآلاف من سكان غزة الخروج عبرها للعمل في الدول العربية.

 

سميح خلف