بنس غيرُ مرحبٍ بكَ ...!!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

يقوم نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بزيارة إلى فلسطين المحتلة 22 / 23 يناير الجاري، لتحريك (عملية السلام) حسب زعمه بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد أن أزيحت مسألة القدس عن الطاولة حسب زعمه وإعتقاده أن إعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني سيسهل عملية السلام ...!، وقد إستقبل بحفاوة بالغة في (كنيست الكيان الصهيوني) حيث ألقى خطاباً أكد فيه على الدعم المطلق للعصابة الحاكمة فيه وإجراءاتها الفاشية والعنصرية، وأكد على موقف رئيسه وحكومته الهوجاء في (إعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني) وأن إجراءات نقل سفارة الولايات المتحدة سوف تتم في عام 2019م، مثل هذه الزيارة والمواقف التي عبر عنها بنس تعد صفعة للمجتمع الدولي وللقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وعلى الأخص منها المتعلقة بالقدس وبعملية السلام المتجمدة، طبعاً هذه المواقف التي تفتقد الصواب وتفتقد أدنى مبرراتها الأخلاقية والقانونية والسياسية، ما كانت تصدر عن الإدارة الأمريكية لولا الهوان العربي الذي تخطى كل الحدود ..!

بنس الصهيوني المسيحي يعتقد أن أمريكا بهذه المواقف تعبر عن إرادة (الرَّب)، هذا المعتقد المسيحي المتصهين والذي يدين به اليمين الحاكم في الولايات المتحدة فقد فاق في صهيونيته اليمين الصهيوني الحاكم في (الكيان الصهيوني)، والذي لا شك أنه يواجه عاصفة سياسية فلسطينية، ودعماً عربياً خجولاً لها، حيث لا زال يرى البعض في الولايات المتحدة راعياً وشريكاً في عملية السلام، ولم يدرك بعد خطورة هذا الإنحياز المبالغ فيه من طرف أمريكا لصالح الكيان الصهيوني وما يمثله من عدوان سافر على القانون الدولي والشرعية الدولية وقراراتها وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين، لقد وقف النواب الفلسطينيون في الكنيست الإسرائيلي وقفةُ عزٍ وتحدٍ لبنس ومواقفه وعبروا عن رفضهم وإحتجاجهم أمامه وأثناء إلقاء خطابه في الكنيست يوم 22 يناير الجاري، ولكن الصلف والفاشية الصهيونية قامت بالإعتداء عليهم وإخراجهم من القاعة حيث رفعوا صور القدس المتضمنة لكنيسة القيامة والمسجد الأقصى وقد كتب عليها القدس (عاصمة دولة فلسطين)، ورغم ذلك استمر بنس في إلقاء خطابه مغمضاً عينيه عن رؤية الحقيقة الصارخة، أن القدس ليست إسرائيلية ولن تكون عاصمة للكيان المزعوم وإنما هي عاصمة فلسطين التاريخية كانت وستكون وستبقى، ولهذه المواقف المنحازة التي عبر عنها بنس ورئيسه دونالد ترامب، فقد رفضت القيادة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكافة تكويناته مسلميه ومسيحييه إستقباله على أي مستوى، ودعت كافة القوى الوطنية والإسلامية والمسيحية إلى الإضراب الشامل اليوم 23 يناير في كافة الأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها مدينة القدس إحتجاجاً على هذه الزيارة المشؤومة وما تضمنته من دعم مطلق للكيان العنصري الصهيوني، وللمواقف الأمريكية من القدس ومستقبلها ومن مستقبل عملية السلام ومن الدعوة الأمريكية على هذا الأساس لإستئناف المفاوضات بشأنها ...

لقد وضعت إدارة الرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في العدوان على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في وطنه، وأنهت دورها كراعٍ لأية عملية تفاوضية يمكن أن تحصل طالما تمسكت أمريكا بهذه المواقف من القدس، ومن هنا يأتي المبرر السياسي والقانوني للرفض الفلسطيني لأي دور للولايات المتحدة في عملية السلام إذا لم تتراجع عن هذه المواقف وتعلن إلتزامها بقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، وبمبادرة السلام العربية، كمرجعية لأية عملية تفاوضية، وعلى هذه الأسس والمبادئ تنشط الدبلوماسية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس على المستوى العربي والدولي، لتثبيت أسس مرجعية السلام والسعي إلى تنشيط دور الأمم المتحدة والقوى الدولية الأخرى من الإتحاد الروسي والصين والإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي، لمحاصرة هذا التراجع في مواقف الولايات المتحدة، وتثبيت الموقف العربي وتصليبه كي يكون داعماً وسانداً وعمقاً إستراتيجياً للموقف وللدبلوماسية الفلسطينية.

نعم الموقف خطير، ولكن ما يقرره الأمريكان ليس قدراً ليحدد مستقبل الشعوب ومستقبل الصراعات، أمريكا اليوم ليست قطباً أوحداً في صناعة السياسة الدولية، العالم اليوم أمام تحولات إستراتيجية مهمة بدأت تفقد معها الولايات المتحدة كثيراً من مصداقيتها ومن دورها، كما أن المشروع الصهيوني قد بات في حالةٍ من الإنكسار أمام الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه المشروعة في وطنه مسلحاً بعدالة قضيته وبالقانون الدولي والشرعية الدولية ودعم الأشقاء والأصدقاء، ولم تعد صورة الكيان الصهيوني خافية على دول العالم الذي أصبح كياناً فاشياً وعنصرياً بإمتياز، ويُذَكِرْ العالم بصورة نظام جنوب إفريقيا العنصري المقبور، وبالتالي سوف يواجه قريباً نفس المصير الذي آل إليه النظام العنصري البائد في جنوب إفريقيا، ومن هنا لا يمكن أن يكون مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي مُرحباً به لدى الشعب الفلسطيني كما لدى الشعوب العربية التي تستنكر وتشجب هذه المواقف الفاشية الأمريكية الصهيونية بشأن القدس خاصة وبشأن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين عامة.

هذا يحتم أولاً إنجاز وحدة وطنية فلسطينية وإتمام المصالحة في أسرع وقت ممكن، وتنسيقاً عربياً فلسطينياً لمواجهة تداعيات هذه المواقف على المستوى الدولي وعلى مستوى الأمم المتحدة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني وإلزام أمريكا وإسرائيل بإحترام القانون الدولي والشرعية الدولية وقراراتها بشأن عملية السلام والعمل مع القوى والمجموعات الدولية المختلفة على الإعداد لمؤتمر دولي فاعل يلتزم بإنهاء هذا الصراع المزمن على أساس حلِ الدولتين وبمرجعية قانونية ودولية تستند إلى قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفي مقدمتها قراري 181 لسنة 1947م و 194 لسنة 1948م وبقية القرارات الأخرى التي تحمي حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في وطنه فلسطين وفي مقدمتها مدينة القدس المحتلة والتي ينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في العودة وتقرير المصير.

بقلم / د. عبد الرحيم جاموس