المشهد الداخلي الأسوأ بالتاريخ !!!!

بقلم: وفيق زنداح

عندما تختلط الاوراق ... وتتناقض المواقف ... وتتعدد تواريخ الاحداث ... ونعمل على تناسي الاسباب ... التي أدت الى ما نحن عليه ... واختصار الحديث حول النتائج التي وصلنا اليها ... وما ترتب عليها من وقائع ... نكون قد دخلنا بمنزلق النفاق ... دون ان نحدد ما يدبر ويخطط بعناية فائقة ومنذ زمن ... ومن خلال احكام عقل خبيث ... أراد ان يتلاعب بنا ... وان يأخذنا الى مربعات احداث وازمات ... وما ظهر على حياتنا وتداخلها من جوع ومرض وازمات اقتصادية ... اجتماعيه واخلاقيه ... ومجموعة من الامراض النفسية والعضوية وبأعمار مبكرة لم نعتاد عليها .

فالانتحار حدث ولا حرج ... والجنون المبكر ... والزهايمر ... والشيخوخة المبكرة ... والامراض العضوية من القلب الي ضغط الدم ... والسكري ... والفشل الكلوي ... ووباء الكبد ... امراض عديده متفشية تأكل من اجساد الشباب ... بأكثر من جيل الكبار وسن الشيخوخه ... وبصورة ملحوظة في ظل نسبة عالية من الامراض السرطانية ... التي لا نعرف حقيقة اسبابها ... ولم نسمع عنها الا عبر السنوات الاخيرة .

وكما سرطان الجسد وامراضه العضوية والنفسية ... كانت الامراض الخبيثة داخل العلاقات الفصائلية ... وحتى داخل العلاقات الاجتماعيه ... حتى وصلت الى العلاقات الاقتصادية واحداث الانهيار ... بالعلاقات التجارية ... الصناعية ... الزراعية ... والخدماتية .

المشهد الداخلي الاسوأ بتاريخنا .... والذي لم يمر علينا منذ عقود طويلة ... في ظل الادارة المصرية ... وحتى الاحتلال الاسرائيلي ... كما وحتى في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية وبداية تأسيسها ... وحتى تاريخ الانقسام الاسود .

أحاديث الناس غاضبة يصعب الاستماع اليها ... لكنها تشكل الحقيقة عن حالة قائمة ويأس ملحوظ ... واحباط قائم ... نقدر اسبابه ... حتى اننا نقدر المتحدثين عنه رغم عدم قبولنا بتكرار مثل هذه الاحاديث ... لكنها موجودة وقائمة ومتفشية داخل كافة الجلسات الخاصة والعامة .... وحتى داخل الانسان وذاته .

الحديث يطول ... ومشاعر الناس لا تتوقف .. وحساباتهم مفتوحة ... ولا يحاسبهم احد ... كما ليس من حق أحد ان يحاسبهم ... لان من له الحق بالمحاسبة ... عليه واجب ومسؤوليات التخفيف من اسباب كل ما يقال ... وطالما المسؤولية غائبة ومغيبة ... وطالما ان الواجبات غير معمول بها فالحق للانسان ان يقول ما يشاء ... بحالة فراغ قاتل واهمال مميت ... وواقع مسيئ .... وعندما يخرج الكلام الي حيز التصرف والظهور ... تكون المحاسبة دون أدنى واجب يقدم ... ودون ادنى مسؤولية يمكن البناء عليها ... وهذا ما يشكل خطيئة لا تغتفر ... وخطأ كبير لا يمكن تبريره .

ليس بهذا القول أدنى مبرر للخطأ ... لكنه تجديد وتصويب ان الاخطاء التي ترتكب ... وحتى الخطايا التي تمارس ... وهي للعلم كثيرة ومتعددة ومتشعبة وبكافة مناحي الحياة العامة والخاصة ... ترتكب نتيجة لحالة الفراغ القاتل ... والاهمال المميت ... وغياب المتابعه والمسؤولية والاشراف .

غزة منذ (11) عام تعيش حالة قصور وعجز واهمال واضح وفاضح لدرجة كبيرة أصبحت طافحة ورائحتها كريهة ... كما انها اصبحت غير محكومة ... بحكومة واضحة المعالم والعنوان ... حتى انها غير واضحة بسيادتها وقانونها الا بما يتعلق ببعض القضايا والاحداث ... وما تبقى ... متروك للزمن والمكان واهل الخير .

المواطن يجب ان يكون له عنوان حكومي مؤسساتي يمكن الرجوع اليه والمطالبة بحقوقه ... وتحمل مسؤولياته ... لا ان يترك المواطن بحالة فراغ واهمال وعند ارتكاب أي خطأ تتعدد مصادر المحاسبة ... وتحميل المسؤولية .

نسمع الكثير ... ولا نرى الا القليل القليل ... مرة حماس تركت الحكومة ولم تترك الحكم .... ومرة اخرى حماس غير مسؤولة عن الانقسام ولا تعتبر طرفا فيه ... ومرة ثالثة حماس الحاكمة بحكم الامر الواقع ... ومرة رابعة حكومة التوافق تسلمت بعض مهامها ولم تتسلم كافة مهامها ومسؤولياتها ... ومرة اخرى يجب على حكومة التوافق ان تتمكن من كافة الوزارات والمؤسسات وان تبسط قانونها وامنها .. الا انها لم تتمكن حتى الان ولا زالت الجباية لم تتحصل عليها ... ومرة يقال لموظفي الشرعيه الوطنية الفلسطينية عودوا الى وظائفكم .... ومرة يتم طردهم بصورة غير حضارية ... ممن يسمون انفسهم نقابة الموظفين الذين عينتهم حماس ... ومرة أخرى يتم الدمج التدريجي وليس الكلي ... وحتى بالدمج التدريجي يتم منعهم من الدخول .

حالة مأساوية مؤسساتية ... وظيفية ... لا نظام ... ولا تخطيط ... ولا ادارة ... ولا حتى رواتب ... أي اننا نعيش بحالة فراغ ... لا نسمع ونشاهد الا قائمة المتقاعدين وبالالاف .. ولا نسمع عن قائمة من سيتم توظيفهم من الخريجين ... من شبابنا واجيالنا وهم بعشرات الالاف .

نسمع عن مشاريع استغاثة طارئة .... ومشاريع تمويل مشاريع صغيرة ... كما نسمع عن تسهيلات بنكية وفترات سماح وفائدة ضئيلة لتعزيز طموح الشباب ... ولاجل بناء مستقبلهم ... وفي ذات الوقت نسمع عن انهيارات وشيكات مرتجعه وتجار يتساقطون ومحلات تغلق ... واضرابات تعبر عن حالة غضب لحالة اقتصادية مأساوية ..... كما انها تعبر عن مستوى معيشة متدني ... وقدرة شرائية ضعيفة وتدني واضح بمستوى الدخل .

مشاكلنا الداخلية الاقتصادية والاجتماعيه وحتى علاقاتنا الوطنية تزيد من احباطنا ... وتعزز من ضياع امالنا ... وتشعرنا بحالة فراغ قاتل ... واهمال مبرمج ... وكأننا نعيش بمنطقة جغرافيه ... لا احد مسؤول عنها ... لكن الجميع يتحدث عنها ... لا أحد يعمل لاجلها ... لكن الجميع يدخل انفه فيها ... ويحاول ان يتلاعب بها .

اللجنة الادارية والقانونية التي تم الحديث عنها منذ الاتفاق الاخير في القاهرة حول استيعاب ودمج الموظفين ... والتي خرجت بالامس .... بقرار الاستيعاب الكامل وهذا جيد ومطلوب ... لكنه الاستيعاب التدريجي وعلى مراحل ... وحسب الامكانيات المتوفرة ... والمؤهلات المطلوبة وشواغر الهيكليات ... أي انني ارى اننا عدنا الى نقطة الصفر ... ولم نتقدم خطوة واحدة ... ليس لانني على قناعه بأن الامر الواقع لعشرات الالاف ممن تم تعيينهم أصبح لهم حق كامل بالوظيفة العمومية ... لكن قناعتي الثابتة والراسخة ان من حق كل مواطن فلسطيني ان يجد فرصة عمل سواء بالقطاع الخاص او القطاع الحكومي ... او حتى من خلال المشاريع الصغيرة والتعاونيات الانتاجية ... فلا يعقل ان يختزل الحديث عن الموظفين القدامى والموظفين الذين تم تعيينهم من قبل حماس ... وان يترك عشرات الالاف من الشباب الخريجين الذين لا صوت لهم ... ولا مدافع عنهم ... ولا فصيل بظهرهم ...وكأنهم ليسوا من المجتمع كما انهم ليسوا ذات طموح وامال يريدون تحقيقها .

نحن نسير بالمقلوب ... وبعكس الطريق ... كل يوم قائمة المتقاعدين ... ولا نجد قائمة وظائف جديدة ... وفي هذا خلل كبير بل محاولة لزيادة نسبة البطالة ومدى مخاطرها التي لا يعرفها من يفكر ... ومن يخطط ... ومن يحدد السياسات .

البطالة خطر شديد ... كما حالة الفراغ والاهمال ... اخطر مما يتصور الجميع .... لا يجب ان يترك أي انسان فلسطيني دون عمل ... ودون دخل ... ودون ادنى حد ممكن للمعيشة .

اذا جاع الناس ... فكما يقال الجوع كافر .. ومن يكفر ... يمكن ان يتصرف بطريقه غير مرضية وغير اخلاقية .... وربما غير وطنية .. صحيح ان هذا ليس سببا او مبررا ... لكن يجب ان نعمل جميعا على ايجاد الحلول السريعه لاخراج هذه الاجيال من حالة الضياع والاهمال ... حالة الفراغ والتأثر بأفكار شيطانية ...لا نعرف الى أي مدى يمكن ان تأخذنا ... والى أي خطر واخطار يمكن ان تصل بنا .

ان يصبح المجتمع اتكاليا ويعتمد على الكابونة والمعونة والمساعدة العينية والنقدية ... وان يعيش البعض على التسول ... مسألة تحتاج الى اعادة نظر ... والى فكر جديد ... والى ابداع وطني .

نحن لا نمتلك الا الانسان ... لانه الوسيلة والهدف ... هذا الانسان يجب ان نعزز بداخله الفكر المستنير ... والارادة القوية ... والمعنويات العالية ... وان نوفر له الحياة الكريمة بحدها الادنى ... لا ان نتركه بين الارض والسماء ... يصارع نفسه .. ويصارع من حوله ... ويعيش حالة الفراغ ومخاطرها ... والتي تتسبب بظواهر عديدة ... ومخاطر متعددة ... لا اريد الحديث عنها .... لكنها معروفة ومتعارف عليها ... لدى المتخصصين والعارفين بخفايا الامور وظواهرها .

ما نتحدث عنه جزء يسير من مشهد كبير ... فيه الكثير من التفاصيل التي لا يستوعب الاستماع اليها ... او حتى مشاهدة بعضها .

نحن امام المشهد الاسوأ ولا نريد الاستمرار بالقول حول امريكا وعدائها ... واسرائيل واحتلالها وممارساتها العنصرية ... والعرب وقصورهم ... وحتى لا نريد الرجوع للتاريخ حول والعجم والفرس والمغول والتتار ... ولا نريد الرجوع الى الامبراطوية العثمانية والى بريطانية العظمى وفرنسا وايطاليا لا نريد العودة الى الصليبين ولا الى الحروب القديمه والغزوات ولا حتى الى الانتصارات والهزائم ... فلنترك التاريخ وصفحاته واحداثه ... والحكم له ما بعد استخلاص كافة العبر والدروس المستفادة منه .

لنترك شماعة التاريخ بكل ما فيها وعليها .... ولنختصر جهدنا بشماعتنا الفلسطينية ... وما يمكن ان نعلق عليها وما يمكن ان تتحمله ... لنتحدث عن الشرعيه الفلسطينية التي لا نريد ان نحملها المزيد من الجدل والمناكفة .. والتصريحات العنترية .... ومحاولات الغمز واللمز ... وكأننا جميعا بأحسن حال ... وبأفضل عمل .... وبأقصى جهد وكل ثغرة بحياتنا او قصور بأداءنا ذات علاقة بالشرعيه الفلسطينية .... وهذا مخالف للحقيقة .... كما انه مغاير للواقع .

للشرعيه الفلسطينية مسؤولياتها وواجبتها الدبلوماسية والسياسية وعلى مستوى المنابر الدولية والاقليمية كما لها مسؤولياتها لتوفير سبل الدعم الاقتصادي لصمود شعبنا ... كما عليها مسؤولية تعزيز العلاقات مع الاشقاء والاصدقاء في هذا العالم .

لكن الشرعيه الفلسطينية اضافة الى ما تم قوله تحدد السياسات العامة والخاصة والاستيراتيجيات والخيارات والاولويات ... وتحتاج الى مشاركة الجميع ... وتعاون الكل الوطني ... حتى تتوفر الظروف والمتطلبات لانقاذ الداخل ... ومواجهة الخارج .

لكن ما يحدث حقيقة ... اننا لا نترك الفرصة ... ولا نوفر المتطلبات .... التي تعزز من قوة الخطاب والتأثير والزام الخارج بما نطالب به ... لاننا من داخلنا نصارع انفسنا .. ونتجادل ونتناكف ... لا بل نحاول ان نعطل من مسيرة عملنا ... وتعزيز خطابنا ودعم سياساتنا .

نحن بحاجة الى وقفة صادقة ... بل الى مجموعه من الوقفات ... وعلى جميع المستويات ... حتى لا نبقى رهينة الأنا المفرطة ... والانانية القاتلة ... والذاتية الفصائلية ...وان لا نبقى نعيش الفساد الاداري والمالي ... وحتى السياسي .. التي ترجعنا للوراء ... ولا تقدمنا خطوة واحدة .

اعيدوا صياغة فكركم .... وأسس وحدتكم .... ومشروعكم .... وبرنامجكم ... حتى تجسدوا استيراتيجيتكم بكافة اهدافها ومكوناتها .... التي تستطيع ان تحقق اهدافكم ... وان تعالج داخلكم الاسوأ في التاريخ .

بقلم/ وفيق زنداح