فلسطين تغرق في فوضى “الربيع العربي“

بقلم: وسام زغبر

سبع سنوات عجاف مضت على انطلاق ثورات ما يسمى بـ"الربيع العربي" صنعت حالة من الخراب والفوضى وصراع الأديان والمذاهب والطوائف في بعض الدول العربية في انقلاب على مطالب الشعوب العربية بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والدولة المدنية الديمقراطية نحو مزيد من الاضطهاد والظلم، لم تستفد من التحولات الديمقراطية والتقدمية الكبرى في أمريكا اللاتينية وأفريقيا السوداء، من الثورات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية العملاقة في شرق وجنوب شرق آسيا.

بدأ ما يسمى الربيع العربي في تونس عام 2011 ضد الاضطهاد والفساد وغياب العدالة والديمقراطية في نظام زين العابدين بن علي لتلتحق بها مصر في ٢٥ يناير من ذات العام لتليها اليمن ومن ثم ليبيا ضد حكم قائد الثورة معمر القذافي لتنتقل إلى سوريا والسودان، مروراً بحراكات شعبية كبرى في المغرب الأقصى، الأردن، البحرين، لتصطدم بالقوى المضادة للثورة، قوى وفلول أنظمة الاستبداد والفساد والأجهزة القمعية، لتطويق وإجهاض الثورة في هذا البلد وذاك، وخلق حالة من الفوضى في عموم العالم العربي دون تحقيق أي من الأهداف التي انطلقت من اجلها، ما أعاد إلى المشهد الأنظمة القديمة بقوالب جديدة تحت مسميات الإصلاح الديمقراطي.

شباب وقوى الثورات عادوا للميادين في "الموجة الثورية الثانية" لردع القوى المضادة للثورة على اختلاف ألوان الطيف الأيديولوجي والديني السياسي، نجحت "الموجة الثورية الثانية" بدرجات متفاوتة في تونس ومصر..، ولا زالت في ميادين الدفاع عن ثورات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية، بينما استفحلت قوى "تديين السياسية وتسييس الدين" في (تونس، مصر، السودان، سوريا، العراق، اليمن، ليبيا..)، واستشرت قوى الإسلام السياسي التكفيري للمجتمع والدولة الوطنية المدنية الحديثة نحو العودة إلى القبيلة والحروب الأهلية والدينية الطائفية، عودة إلى حروب وفتاوى التخلف وطوائف التكفير الدموية المتوحشة.

تحرك الشارع التونسي والمغربي مرة أخرى ضد الغلاء والفساد الحكومي بعد حالة التيه السياسي التي شهدها العالم العربي في السبع سنوات العجاف، التي ربما كان من أهم أهدافها إشغال الشعوب العربية بهمومها وإبعادها بشكل اكبر عن قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الوطنية الفلسطينية.

لقد كانت فلسطين سبّاقة في فوضى الخلاف على النظام السياسي وشكله الذي انزلق بمسار الطريق نحو الانقسام الجيوسياسي عام ٢٠٠٧ بين شطري الوطن في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، في صراع السلطة بين حركتي فتح وحماس.

الانقسام الفلسطيني إلى جانب تلك بعض من الثورات المصطنعة في العالم العربي، أضرت بالقضية الوطنية الفلسطينية وزادت هموم الفلسطينيين وأصبح الاهتمام بالقضايا الحياتية والمعيشية الخاصة على حساب القضايا الأم ولا سيما قضيتي القدس وحق العودة والاستقلال السياسي وقضايا أخرى، وهذا ما لاحظناه من ضعف التحركات والنداءات الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضعف تكثيف الاشتباك الشعبي والوطني مع الاحتلال الإسرائيلي وأدوات الرد على قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتجميد تمويل حصة الولايات المتحدة الأمريكية في الأونروا.

القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية ما زالت تراهن أيضا على عملية التسوية خارج رعاية الأمم المتحدة وقراراتها ومرجعياتها رغم مصيرية القرارات الأمريكية والتي تمس صلب القضية الفلسطينية، وما زالت القيادة الفلسطينية تغيّب قرارات الإجماع الوطني وفي مقدمتها قرارات المجلس المركزي الأخير لصالح قرارات منفردة ومتفردة .

ولعل خطاب نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس في الكنيست الإسرائيلي الذي يمثل عنوان الفوضى والكراهية ويُغيّب كل سبل السلام عن الخارطة السياسية ويشجع الإرهاب الإسرائيلي المنظم لارتكاب مزيد من الجرائم والإمعان في القتل والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني الذي يناضل في الدفاع عن حقوقه الوطنية المتوازنة.

تصريحات الرئيس عباس في المجلس المركزي في منتصف الشهر الجاري وما تلاها في الأزهر الشريف، أن الشعب الفلسطيني لن يكرر أخطاء ١٩٤٨ وأخطاء ١٩٦٧، ولكنه نسي إمعانه أيضا في الخطأ وهدر الوقت بتغييب قرارات الإجماع الوطني بالرهان على مفاوضات التسوية العقيمة وفق اتفاق أوسلو والتزاماته وهي الاعتراف من طرف واحد بإسرائيل ومواصلة التنسيق الأمني مع الاحتلال والعمل ببروتوكول باريس الاقتصادي واستمرار التبعية والارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، بل وتواصل الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقال أبطال الانتفاضة والمقاومة بدلا من الشروع في بناء وقائع ميدانية على الأرض من خلال مواجهة سياسة الاحتلال في بناء وقائعه الميدانية على الأرض، بحماية الانتفاضة وتطويرها على طريق الانتفاضة والمقاومة الشاملة نحو العصيان الوطني الشامل وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية.

وتجدر الإشارة إلى أن ثورات ما يسمى الربيع العربي أوجدت حراكات وأحزاب وجماعات "تسييس الدين وتديين السياسة"، المنظمة المسلحة، أصحاب "إستراتيجية التمكين" الأحادي، الاحتكاري والاقصائي، أصحاب الإسلام السياسي التكفيري الدموي أمثال تنظيم داعش والقاعدة وجبهة النصرة وعلى أشكالها كُثر، التي أجهضت ثورات الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية ولم تحقق العدالة الاجتماعية بل جلبت الخراب والفوضى والانقسامات.

الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأدواتهما غذت الثورات العربية لحرفها عن مسارها ومطلبها الحقيقي، لاستغلالها في طريق تهويد القدس المحتلة ومصادرة أراضي الضفة الفلسطينية لبناء مزيد من المستوطنات وعزلها فيما بعد عن قطاع غزة، والتحكم بمصير المصالحة نجاحها وفشلها بعيداً عن الإرادة الوطنية الفلسطينية بل وأضحت غزة تعيش حالة من الصوملة وغرقت في بحر الأزمات الحياتية والمعيشية وأصبحت منطقة منكوبة، فيما رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس وبعض القيادات الفلسطينية، غارقين في الصراع على سلطة تحت الاحتلال دون تغيير وظيفتها إلى سلطة تشكل أساساً لدولة تناضل من أجل فرض سيادتها وسيادة شعبها على أرضها وتعزز صموده في مواجهة المشاريع الصهيونية، منشغلين بالقضايا الحياتية والمعيشية أمام حالة من التيه والضياع السياسي اللا معقول في الحالة الفلسطينية دون إيجاد مخرج لتلك الحالة المأساوية والكارثية في أرجاء الوطن وبما يدعم صمود شعبه.

الشعب الفلسطيني يمتلك العديد من الأسلحة والطاقات لمجابهة العدوان الإسرائيلي- الأمريكي بمراجعة سياسية شاملة لمسيرة أوسلو وأخطاءها، والقيام بترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفق أسس ديمقراطية وعلى نظام التمثيل النسبي الكامل بالانتخابات الشاملة لمؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبعيدا عن كل أشكال التفرد والانفراد في القرار الوطني الفلسطيني، ودعم صمود الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ودعم المخيمات الفلسطينية في داخل الوطن وفي أقطار اللجوء والشتات، وعدم النزول والانزلاق نحو أية صيغة تفاوضية وفق حل الدولتين ووفق الرعاية الأمريكية وشروط الرباعية الدولية.

الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعية هو أساس الحركة الوطنية، حركة التحرر الوطني لشعب يناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان، ببرنامج وطني يجمع بين النضال في الميدان والنضال في المحافل الدولية، وهو يرفض كافة الطروحات في الظروف الحالية لحل الدولة الواحدة بديلاً لفشل حل الدولتين، لإدراكه أن ذلك يعني الاعتراف بدولة الأبارتهايد والتمييز العنصري والقوانين الصهيونية، ويرفض أيضاً الدعوات لإعلان الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال ما لم يتم  التحرر من اتفاق أوسلو وقيوده الأمنية والسياسية والاقتصادية وإعادة بناء الوحدة الوطنية الائتلافية وفق أسس تشاركية.

عندما لا يقع الإصلاح الديمقراطي والعدالة الاجتماعية ولا تنجز الحرية، تقع الانتفاضات والثورات، وعندما لا يرحل الاحتلال واستعمار الاستيطان والتهويد، تقع المقاومة والانتفاضة وسياسة حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والحرية والاستقلال والعودة للاجئين إلى الديار التي هجروا منها.

فإلى متى سيبقى هذا الحال على حاله، الاستبداد والفساد ينهش مؤسسات السلطة، ويتجذر الانقسام وتضيع الفرص على الحالة الوطنية الفلسطينية، واحدة تلو الأخرى، وتواصل إسرائيل احتلالها واستيطانها للأرض الفلسطينية وتهويد القدس المحتلة؟ ماذا ينتظر الرئيس والقيادة الفلسطينية للخروج من هذا الوحل والترهل السياسي، دون خطوة واحدة إلى الأمام؟.

وسام فتحي زغبر

كاتب صحفي مقيم في قطاع غزة/ فلسطين

[email protected]