الحكيم جورج حبش في ذكراه “ الثوريون لايموتون أبدا “

بقلم: فراس الطيراوي

لا شك أن المناضلين وإن رحلوا بأجسادهم وأرواحهم، ستبقى ذكراهم العطرة، وأفعالهم وبطولاتهم، ومواقفهم الشجاعة والنبيلة، وأهدافهم التي آمنوا بها وناضلوا من اجلها مغروسة في ذاكرة الأمة، وفي صفحات المجد والعزة، خالدة لا تموت و محفورة في وجدان وضمير من عايشهم ونبراساً للاجيال المتعاقبة.

وخاصة تلك القامات الكبيرة التي زخر بها تاريخنا الفلسطيني المعاصر، نستذكر هؤلاء الأبطال والعمالقة الذين قاتلوا بشرف من اجل تحرير فلسطين ، ونصرة المظلوم، ولم يهابوا يوماً رصاص عدو، او مكيدة حاقد من اجل ان تبقى راية الوطن خفاقة في أعالي السماء، تشق السحاب وعباب البحر معلنة بكل فخر واعتزاز وشموخ أن في فلسطين والشتات رجالاً لا يهابون الموت ويعشقون الشهادة من اجل الحرية.

سأتحدث اليوم ومن باب الواجب، والوفاء، والانتماء لفلسطين عن حكيم الثورة الفلسطينية وضميرها الدكتور” جورج حبش” في ذكراه الذي هو بحد ذاته رجل بحجم وطن،وقصة من العزمِ والاصرارِ، ونوعٌ متفردٌ من الرجالِ، شجاعةٌ من دون تجبرٍ، وحزمٌ من غيرِ ظلمٍ، رقَّةٌ ولا طَلٌّ نديٌّ على أوراقِ زهرةٍ، حملَ الوطنَ في قلبهِ رؤىً ورؤيا وظل على ولائه وانتمائِهِ لم يحدْ قيدَأنملةٍ.

عشقته الجماهير لتواضعه، ودماثة خلقه، ولدفاعه المستميت عن الفقراء والمهمشين، صاحب نفس

وحدوي حتى العظم كان يقول ” انا مسيحي الديانة، إسلامي التربية، اشتراكي الفكر، ساهم في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ككيان سياسي ومظلة تجمع الكل الفلسطيني وممثل شرعي ووحيد ولم يسمح لنفسه او لجبهته في يوم من الأيام المساس بالوحدة الوطنية او رفع السلاح في وجه اي فصيل فلسطيني تحت اي ظرف من الظروف فكان الدم الفلسطيني محرم . كان يؤمن بالديمقراطية قولا وعملا وقد تجلى هذا عندما استفحلت الخلافات في صفوف الجبهة الشعبية وترتب على هذا الخلاف انشقاق الجبهة الديمقراطية بقيادة رفيق دربه نايف حواتمه، ارتأى بعض القادة في جبهته ان يمنعوا هذا الانشقاق حتى لو بالقوة وبشتى الوسائل مهما كلّف الثمن، فوقف الحكيم وقال جملته المشهورة ” اذ لم يُجدِ الحوار الديمقراطي في الحفاظ على وحدة الجبهة الشعبية، فعلينا اللجوء للطلاق الديمقراطي، فمن يريد البقاء معنا فأهلا وسهلا به، ومن يريد العمل مع الرفيق نايف حواتمه ومن معه فمع السلامة وعلينا ترك الحكم للمستقبل ” هكذا هم القادة العظام والعمالقة الذين يتصرفون بكل دارية وحنكة وحكمة فلهذا استحق لقب الحكيم بامتياز وبدون منازع. ” لكل ثورة حكيم وحكيم ثورتنا هو الحكيم جورج حبش” مقولة للزعيم الخالد فينا أبد الدهر ياسر عرفات، وبدوره قال جورج حبش واصفا ابا عمار بأنه القائد الذي نختلف معه ولا نختلف عليه.

وللتاريخ كما رُوِيَ لنا وقرأنا انه في عام 1976 أقيم مهرجان تضامني في بيروت عندما وقعت احداث يوم الارض الخالد في الجليل والنقب الفلسطيني المحتل، قام عريف الحفل وقال الان مع كلمة فلسطين وقدم القائد جورج حبش ليلقي الكلمة وكان حاضرا الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فصعد الحكيم الى المنصة وأخذ الميكرفون من العريف وقال : ” في مثل هذا اليوم وفي حضرت التضامن مع شعبنا، لفلسطين كلمة واحدة ولا يلقيها الا زعيم الثورة الفلسطينية الاخ ابو عمار وقدم الميكرفون له” فضجت القاعة بالتصفيق. كما انه ضرب مثلا رائعا ومميزا عندما تنازل طوعا عن موقعه في الأمانة العامة لرفيق دربه الشهيد القائد ” ابو علي مصطفى “، وأصر على ذلك رغم مطالبة الرفاق له بالبقاء، غادر موقعه بكل شرف وعزة وشموخ وبقي محافظا على مبادئه، ومواقفه، وقناعاته، وبقي يعطي المشورة والنصيحة لإخوانه ورفاق دربه حتى صعود روحه الطاهرة الى بارئها.

آه ما احوجنا في هذه الأيام لهولاء القادة العظام في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها قضيتنا الوطنية، وخاصة في ظل هذا الانقسام اللعين، والفرقة، والتشرذم، والتشتت التي لم نشهد لها مثيل منذ قيام الكيان الصهيوني الغاشم ولكن!! رغم كل هذا فنحن دائماً مؤمنون وايماننا راسخ وثابت كرسوخ الجبال والصخور، بان الخير باق في هذه الأمة، ونبتهل في صلاتنا الى العلي العزيز القدير ان يهدي من أضل السبيل ويحكم عقله وضميره ويعود الى رشده، ويكون هدفه فلسطين وبوصلته القدس وفاءً لدماء الشهداء الابرار التي تسيل في كل مكان دفاعا عن فلسطين وعروبتها. ختاما في ذكرى رحيلك ايها الحكيم سنبقى الاوفياء لك ولاخوانك ورفاق دربك ” لأبي عمار، ولأبي جهاد، ولأبي اياد، ولأبي علي مصطفى، وغسان كنفاني، و وديع حداد، ولأبي العباس ، والقاسم، و النجاب، والرنتيسي، والشقاقي، والياسين، المجد كل المجد لمن سقط على الارض ليرتقي الى السماء وهو يدافع عن كرامة الأمة، المجد لكل شهداء فلسطين الذين أعادوا للتاريخ هيبته،ولأسرى الحرية في الباستيلات وعلى رأسهم القائد الرمز ” المروان” والامين العام أحمد سعدات.

بقلم/ فراس الطيراوي