الصفعة التي خطط لها جيدا في واشنطن وتل أبيب والتي سعى أصحابها لتسميتها بصفقة القرن بناء على مشاركة أطراف بها وليس طرفا واحدا, صفقة توفر لكل مشارك بها بعضا مما يحتاج او يريد, إلا الفلسطينيين فان عليهم ان يكونوا وقود هذه الصفقة هم وقضيتهم حتى تتمكن سائر الأطراف الأخرى من تمرير مصالحها الصغيرة وحتى تمر هذه الصفقة فان ظاهرها يبدو وكأنه سيقدم حلولا ما لبعض دول المنطقة كمصر التي تعاني من أوضاع اقتصادية حادة وهي بحاجة ماسة للعون من الخارج والسعودية التي تمضي الى تغيير جوهري في نظام الحكم المطلق هناك من مطلق العائلة الكبيرة او العشيرة الى مطلق الفرد ولان سرقة الحكم والسلطة في بلادنا لا يمكن لها ان تمر إلا بحماية ودعم الكاوبوي الأمريكي فان على سلمان وابنه ان يدفعوا ثمن حماية لصوصيتهم بالمشاركة بلصوصية اكبر هي سرقة ارض وتاريخ وقضية وشعب فلسطين ويبقى الأردن الخاسر الأكبر بعد فلسطين في هذه الصفعة فهو يتعرض لضغوط شديدة من جانب السعودية أولا التي يدرك أصحاب السلطة فيها أنهم سبق لهم ان سرقوا سلطة الهاشميين في الحجاز ولذا يعيهم كثيرا بسحب البساط من تحت أقدام الهاشميين والفلسطينيين فيما يخص القدس حتى يتمكنوا من إنهاء أية صلة للهاشميين بأي مقدس إسلامي على الأرض, وبالتالي التخلص مما يقض مضاجع ال سعود كسارقين للسلطة من أصحابها لمئات السنين وهم بالتالي مستعدون للتنازل ليس عن القدس فقط بل وعن كل الوطن العربي مقابل الاحتفاظ بعرشهم المسلوب أصلا من غيرهم, وإسرائيل بحاجة لقبول الأردن على لعب دور امني إداري في المناطق السكانية الفلسطينية بهدف تغييب الشخصية الوطنية الفلسطينية كليا عن التاريخ فيما يخص الضفة الغربية تحديدا بما فيها القدس.
الواهمون من العرب من يعتقدون ان نتنياهو وفكره الصهيوني الأكثر تطرفا قد يوافق على مجرد التفكير بالتنازل عن تلال رام الله والقدس التي يصفها في كتابه " مكان تحت الشمس " بأنه في ليلها فقط يسمع صليل سنابك خيل أجداده قائلا بكل وضوح انه إذا لم يكن من حقه ان يستوطن فيها فهو بالتأكيد ليس من حقه الاستيطان في مدن الشاطئ الفلسطيني وبالتالي فان الوهم الذي جاءت به اوسلو كان واضحا منذ البداية ان طريق جرجرة الفلسطينيين للتنازل عن قضيتهم ونثرها في مهب الريح لا بوابة للعودة لوطن حر ومستقل.
عادة ما يقال ان الحقيقة تكمن في الصرخة الأولى وقد افتتح الرئيس محمود عباس كتابه " طريق اوسلو بهذه الفقرة " على طائرة جلالة الملك الحسن الثاني الخاصة, والتي وضعها تحت تصرف القيادة الفلسطينية, غادر وفدنا تونس يوم الأحد 12/9/1993 الى واشنطن, ولمدة عشر ساعات ونصف, كنت أخلو في معظمها الى نفسي لأراجع ما قمنا به على مدى ثلاثين عاما من النضال وحوالي نصف قرن من الضياع واللجوء خارج الوطن, هل هي رحلة العودة الى الوطن؟ أم هي رحلة التنازل عم جزء كبير من الوطن؟ لماذا اذهب للتوقيع على اتفاق لست جزءا منه ؟ وقد لا يكون فيه بيت او مقر إقامة؟ وهل ما سنقوم به سيفتح الباب أمام المستقبل أم يقفل الطريق إليه؟ وهل فرطنا بحقوق شعبنا ام حافظنا على هذه الحقوق؟ ".
أحد لا يدري بالتحديد المعنى الحقيقي لقوله انه يوقع على اتفاق لم يكن هو جزء منه وهو قول عجيب غريب لرجل أكمل رحلته وأتم التوقيع دون ان يكون واثقا من النتيجة بل كان اقرب الى التشكيك بها وقد يكون السؤال محقا اليوم , ماذا يقول الرئيس الفلسطيني بعد ربع قرن من خطوته والى أين وصلنا حقا وما حال أسئلته المحقة والمحيرة التي أوردها في مطلع كتابه, فهل كانت رحلة التوقيع الى واشنطن تذكرة عودة للوطن أم انه لا زال نفسه بحاجة كل يوم لتذكرة جديدة للعودة الى وطنه, هل انتهينا الى ما تنازلنا عنه في اوسلو بالقبول بحدود عام 1967م أم ان الطريق لا زال مفتوحا للقبول بما هو اقل واقل, هل أصبح الرئيس اليوم جزءا من هذا الاتفاق أم انه يعيش في ظل اتفاق لا زال غريبا عنه, وهل وجد الرئيس أيا ممن كانوا هناك بيتا او مقر إقامة مع الفارق الكبير بين البيت ومقر الإقامة, هل فتحت الأبواب للمستقبل أم ان ترامب ومن قبله أغلقوها تماما, والسؤال الأخطر هو هل تم التفريط بحقوق الشعب انم تمت المحافظة عليها.
وحدها الحقائق على الأرض هي من تقدم الإجابات الوافية على كل أسئلة الرئيس الفلسطيني ومهندس الاتفاق الذي يقول هو شخصيا انه لم يكن جزءا منه وإذا كان كذلك فاتفاق من كان ذاك الاتفاق " اتفاق اوسلو " ولماذا وكيف قبل الرئيس التوقيع عليه مع كل الشكوك التي همس بها لذاته او صرخ بها على ذاته دون ان تدفعه للتراجع, اليوم وبعد ربع قرن على الاتفاق ما الذي حصلنا عليه وما الذي انجزناه, لم تعد القدس على الطاولة ويجري تهريب أهلها بألف طريق وطريق وعدد المستوطنات والمستوطنين تضاعف مرات ومرات ولم تعد غزة تنبض في قلب الضفة ولا الضفة يجري دمها على ضفاف غزة وبات الحديث عن اللاجئين باسم الحديث عن دائرة المغتربين في منظمة التحرير, ومع ان القيادة الفلسطينية تصر على رفض التفاوض إلا بشروطها تارة وتعود للتفاوض يوما ثم تتراجع سنوات تاركة دولة الاحتلال تفعل ما تشاء دون ان ترهق نفسها حتى باليات لوضع العراقيل في دواليب التهويد والاستيطان ونهب الأرض وطرد أهل الأرض منها حتى باتت ضواحي القدس هي القدس وبات مواطن القدس لاجئا برغبته في كفر عقب مقابل بطاقة هوية زرقاء لا تغني ولا تسمن من جوع وهي لا تختلف عن البطاقة الخضراء إلا بلونها.
القدس يتغير لونها وصوتها وحواريها ولا زلنا نغني لها وهي قد لا يصبح بمقدورها ان تفهم غناءنا ان بقينا على حالة الرفض الانتظاري السلبي والقاعد عن الفعل والمواجهة, وغزة غابت بإرادتنا حتى بات استعادتها للضفة او استعادة الضفة لها أصعب من استعادة حيفا ويافا والجليل وأصبح الحديث عن دولة فلسطينية هناك لا يقترب من حد الجريمة او الخيانة بل شكلا يمكن له ان يكون وطنيا ذات يوم ان لم يكن ثوريا مع بعض التلاعب بالكلمات والمبررات, وإسرائيل عدلت قانون القدس وجاءت بقوانينها الى تلال رام الله وأحياء الخليل ولم تعد مستوطنة بيت الله على أبواب رام الله بعيدة عن أول مستوطنة صهيونية " فتحة الأمل " على ضفاف البحر المتوسط.
صفعة القرن إذن بدأت, فترامب أعلن نهاية الحديث عن القدس, والمصالحة الفلسطينية أنجزت ما أريد لها بفتح أبواب غزة لمصر وأمنها, وأمريكا فتحت الأبواب لآل سلمان في السعودية لتغييب الأردن وفلسطين عن القدس وعن أي دور مركزي عربيا او إسلاميا من خلال تغييب القدس نفسها, وتم إيجاد عدو جديد للعرب لينشغلوا به باسم إيران بديلا للعدو الصهيوني, وتم اختزال الإسلام الى إسلام السنة فقط او الشيعة فقط, ولم تعد إسرائيل العدو المركزي بل صار بإمكانها ان تكون الحليف المركزي بعد ضياع العراق واغرق سوريا بحرب لا أفق لنهايتها ولا لوحدة أرضها, فكل جهات الأرض تقتتل الآن هناك, حتى صار من غير الممكن لنا ان نعرف من يقاتل مع من, او من يؤيد من, فكل يوم جديد تحالفات جديدة وصراعات جديدة يتغير فيها كل شيء إلا الدمار فهو وحده ملك لسوريا حصريا ولغيرها المكاسب وبالتالي فلم يعد جائزا انتظار صفعة وصلت رقابنا ووجوهنا قبل ان نصحو على وقع أقدامها, وان واصلنا حالة الإضراب عن الإتيان بالوطن وتركه نهبا لكل أطماعهم فقد نفاوض غدا ليس على أكياس طحين الاونروا بل على انضمام المهاجرين الجدد لطوابير لاجئي سوريا وليبيا والعراق واليمن ليصبح اللجوء سمة عربية لا يجوز لأحد امتلاكها وتصبح بلادنا مسرحا للغرباء ليس في فلسطين فقط بل وكل بلاد العرب ويتم تهريب كل ثروات ارض العرب الى جيوب الامبرياليين بدل سلاح نقاتل به إيران عدو العروبة السعودية والإسلام الأمريكي.
بقلم/ عدنان الصباح