العرب .... بين الربيع ... والصفقة القادمة !!

بقلم: وفيق زنداح

هناك من التاريخ ما يجب أن يقرأ بمرات عديدة .... وليس بقراءته وتقلب صفحاته مضيعة للوقت ..... بقدر ما نحن بحاجة الي مراجعة دائمة للرجوع للدروس المستفادة ...والعبر التي تم استخلاصها .... اذا ما كنا بحق قارئين .....واستطعنا أن نصل لمرحلة استخلاص العبر والدروس المستفادة .
العودة بالتاريخ وقراءته والتمعن بأحداثه ...مجرياته ونتائجه..... لا تحدث الضعف فينا بل تزيدنا قوة وقدرة على الرؤية الشمولية.... لما نحن عليه وما يجري من حولنا .
صحيح أننا لا نحقق انجازات عملية الا بالقدر القليل .....ولا نمتلك من أدوات القوة لاجتثاث ما يخطط ضدنا من جذوره ....بل نحن دائمي الوقوف في وسط الطريق ...دون امتلاكنا قدرة الوصول الي النتائج المنتظرة والمرجوة .
العرب وبصورة دائمة ...تحت دائرة الضغوط والابتزاز السياسي ...والاقتصادي ... وحتى الامني ..... وتجري محاولات عديدة لاجهاض العديد من الدول من داخلها .... من خلال زرع بذور الفتن فيها .... واختلاق الأزمات بداخلها ...واستغلال المصالح ....الحزبية ...والفئوية والمذهبية الطائفية ... لدي البعض لأجل احداث القلاقل وتوتير الأوضاع .
شاهدنا بالسنوات السبعة الماضية.... وما جري قبلها من أحاديث وتصريحات حول الفوضي الخلاقة ....ومشروع الشرق الأوسط الكبير والصغير..... لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم .
وكانت البداية بتونس الخضراء ....ومن ثم في مصر .... وليبيا وسوريا .... ومن قبلها العراق واحتلاله ونشر الفوضي بداخله .
أي أن هناك دول بعينها .... قد تم تنفيذ ما يسمي بمشروع الربيع الأمريكي عليها ..... لأخونتها وبسط نفوذ الاخوان عليها .... الا أنها فشلت ولأسباب عديدة ..... أولها : فشل الاخوان في ممارسة الحكم ..... وثانيها : عدم القبول الشعبي لحكم الاخوان وسياستهم وأفعالهم .
أي أن سقوط ما يسمي بالربيع ....وان كان يعيش فصوله الأخيرة قد انعكس بالسلب على مكانة الولايات المتحدة الامريكية .... التي فشلت في مخططاتها..... ولم تستطع أن تنفذ مشروعها في بضعة دول...... لاعتبار الدول الاخري تحت نفوذها وسيطرتها ...وبامكانها التلاعب بها وقتما شاءت .
هذا الفشل الأمريكي ..... الملحوظ بما يسمي بالربيع العربي ....ومشروع الشرق الأوسط الكبير .... لتقسيم المقسم ....وتجزئة المجزأ .... في عهد الرئيس بوش الابن ....والرئيس أوباما .
حتي جاء الرئيس الامريكي ترامب والذي لم يلقي القبول الكامل من المجتمع الامريكي ...ولا حتى من حلفاء الولايات المتحدة من دول الاتحاد الاوروبي ....ودول شرق أسيا ...وحتى بعض الدول العربية ..... لكنها ادارة جاءت بمفاهيم ومبادئ ومنطلقات .... صهيونية مسيحية رأسمالية .... دوافعها المال والنفوذ ومحاولة دعم بعض التوجهات ....الاقتصادية التي يتم من خلالها التحكم بالقرار السياسي والاقتصادي العالمي .... كما التحكم بميزان التجارة الدولي .
أمريكا ومنذ تولي ترامب ..... أحدثت فوضي..... من نوع جديد على الساحة العالمية ..... كانت بدايتها بالعداء المعلن وعدم القبول بدخول الولايات المتحدة لرعايا العديد من الدول ..... كما اتباع العديد من السياسات المتشددة مع كوريا الجنوبية .... وايران .... وحتى اليوم مع الحليف التركي والتقليدي للولايات المتحدة ...بموضوع الملف السوري ...والتدخل العسكري التركي ضد الاكراد.... كما التدخل التركي في شمال العراق ضد الأكراد .
أي أن أمريكا لم تؤمن بسياستها ......وبعلاقاتها المتوازنة علاقات مستقرة مع دول الاتحاد الاوروبي... ولا حتى مع الصين وكوريا الشمالية ..... حتى أنها لم تلتزم حتى اعلاميا بالاتفاقية الموقعة مع ايران .
أي أن امريكا بادارة ترامب قد أدخلت العالم بحالة من الفوضي السياسية والاقتصادية .... وما يمكن أن ينتج عنها من توترات أمنية ....كما تشهد الساحة السورية والساحة العراقية .... وما يجري العمل عليه من تهديد لكوريا الشمالية وايران .
وحتى تستكمل ادارة ترامب مخططها ..... القائم على السلام الاقليمي وصفقة القرن .... التي تتردد في ايضاح كافة معالمها .... والتي تم تسريب الكثير منها ..... وما يحدث عليها من تغيرات...... بحسب ردود الافعال والمواقف والمصالح ..... وحتى النصائح التي تتلقاها الادارة الامريكية ومستشاري ترامب ......حول امكانية القبول أو الرفض لمقترحاتهم ....ولمشروعهم الذي سوف يقدم لاحقا.... وحتي لا يؤدي هذا المشروع والمخطط الي احراج بعض الدول ذات المصالح الكبيرة مع الولايات المتحدة ....والتي لها وزن ثقيل ومكانة كبيرة .... داخل المنطقة العربية .
صفقة القرن ..... التي لم يتم الاعلان عنها رسميا .... والتي تم تسريب البعض منها .... وما اعلن ومن ضمنها حول قرار الرئيس الامريكي ترامب بضم القدس كعاصمة لدولة اسرائيل ....ونقل السفارة الامريكية للقدس .... واستبعاد القدس من مفاوضات التسوية النهائية .... كما محاولة ممارسة الابتزاز السياسي على بعض الدول بالتهديد والوعيد .... كما الابتزاز المالي والاقتصادي بمنع المساعدة المالية للسلطة الوطنية ..... وللأمم المتحدة ( الأونروا ) ....وجميعها سياسات عدائية .... أسقطت مكانة الولايات المتحدة وامكانية رعايتها للتسوية السياسية ..... بل كان من نتيجة السياسة الامريكية بعهد الرئيس الامريكي ترامب أن قطعت الامال ..... التي كانت معقودة .....حول امكانية العودة الي طاولة المفاوضات .... وامكانية تنفيذ مشروع التسوية .... حول مفهوم حل الدولتين .... والأخطر من ذلك محاولة شطب قضية اللاجئين وتوطينهم داخل الدول التي يقيمون بها منذ عقود .... وهذا في اطار مشروع خطير لم يكترث له الكثير من السياسيين ..... والمسمي باعادة توطين الشعوب
فالملايين من العراقيين وقد هجروا من بلادهم لدول الجوار العربي .... والدول الأوروبية ...كما الملايين من السوريين الذين هجروا لدول الجوار العربي والدول الأوروبية ....كما الملايين من الفلسطينيين الذين هجروا لدول الجوار العربي وبكافة أرجاء العالم .....ما بعد نكبة ل 48 ....ونكسة حزيران 67....وما يمارس على الشعب الفلسطيني من ضغوط وابتزاز وملاحقة دائمة لأجل تهجيرهم عن وطنهم .
هذا المشهد المتغير بديمغرافيته .....وبتنفيذ مشروع اعادة توطين الشعوب ......سيترتب عليه انعكاسات سياسية اقتصادية وامنية وقومية .... ستتولد مخاطرها وأثارها وانعكاساتها بعد فترة وجيزة .... وسيكون ثمنها كبيرا .... على العديد من دول المنطقة ....مما سيوفر مناخ ارهابيا سيتم استغلاله من جماعات التكفير والارهاب لتنفيذ مخططاتها ....وتنفيذ مشروعها الامريكي الصهيوني بالاساس .
أي أن أمريكا وفشلها بمشروع الشرق الاوسط الكبير وما يسمي بالربيع ...والفوضي الخلاقة ..... لم يدخل اليأس بداخلها ......بل عمل على تحديث خطواتها ومؤامرتها .... بما يسمي بصفقة القرن .... حول الحل الاقليمي..... لابقاء المهجرين في الأوطان التي هجروا اليها ...ولاعطاء ما تبقوا في أرضهم جزء يسير من مساحة الارض ....وحتى تنعم اسرائيل بعلاقات اقتصادية وسياسية وثقافية وتطبيع كامل مع دول المنطقة العربية.
أي أن القضية الفلسطينية .... سيكون حلها بمفهوم دولة ناقصة السيادة..... وعلى جزء يسير .... وعاصمتها ما بين اطراف القدس ....وأبو ديس والرام .... وستكون كثافة الدولة بسكانها بمنطقة قطاع غزة ..... ستكون بما يسمي دولة لكنها دولة دون سيادة .... على البحر والبر والحدود .... دولة ناقصة السيادة تعتمد على المساعدات المالية ..... نظامها ادارة للخدمات وتسيير الامور الحياتية .... وتغيير أحوال الناس ...وهذا ما يجري على خلفيته من انقسام أسود .... وظروف معيشية غالية بالصعوبة ....وخدمات متدنية ...وحصار قاتل ...فهل صفقة القرن هي الحل الامثل للأزمات القائمة ؟؟.... سؤال لا نمتلك الاجابة عليه ...ولكن من يمتلك الاجابة شركاء الحالة التي نحن عليها.
هذا المشروع الأمريكي الذي تحاول من خلاله استكمال فشلها بمشروع ما يسمي بالربيع العربي ..... سيكون مصيره الفشل ..... الا أن هذا الفشل ليس كلاما يقال .... دون فعل ومواجهة حقيقية ..... ودون ان يترك الفلسطيني يقاوم امريكا واسرائيل ...ومشروعهم الذي يسعون لتنفيذه ..... والعرب ينتظرون النتائج .... وليحصدوا ما يترتب عليها ....وليحقق البعض ما يريد .... وعندها سيكون التاريخ قد كتب عنا أننا قد قبلنا .....بما لم نقبله من قبل ..... وطالما أن أصحاب الحق قد قبلوا .... فليس هناك من موانع عربية واسلامية ....يمكن أن تحول دون تنفيذ القادم .... والأخطر..... والذي لم نعد له ما استطعنا من قوة ....ولا من وحدة .....يمكن من خلالها اجهاضه .... واعاقة تنفيذه ...كما تم بمشروع ما يسمي بالربيع .
الكاتب : وفيق زنداح