الفلسطينيون أمام تحدي استراتيجيات الاستقطاب الدولي الجديد ...!!!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

تعميماً للفائدة، نود أن نقدم في هذه الورقة قراءة موجزة، لما خلصت إليه ندوة الخميس الثقافية مساء يوم 25 يناير 2018م بشأن إستراتيجيات الإستقطاب الجديدة التي تشهدها المنطقة والعالم وأثرها على دور الكيان الصهيوني ومستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

إن إنهيار الإتحاد السوفيتي وإنفراط عقده في عام 1991م مثل نهاية الثنائية القطبية ونهاية الحرب الباردة بين القطبين، فاختفى حلف وارسو، وتفكك الإتحاد اليوغسلافي، وبدأ ما سُمِيَ بالقرن الأمريكي والذي إستمر كذلك حتى غزو العراق وقبله أفغانستان من قبل الولايات المتحدة وحلفاؤها، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، لكن بعد مضي أربع سنوات على هذا الغزو الإستعماري تحطمت الآمال بأن يكون القرن الواحد والعشرين قرناً أمريكياً أحادي القطب بإمتياز، حيث زادت خسائر الأمريكان عن (2-3 ترليون دولار) وبدأت ملامح الورطة الأمريكية تظهر على قدراتها الإقتصادية والعسكرية وتتراجع أمام الصين وروسيا والدول الناهضة الأخرى كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ، واضطر الأمريكيون لمراجعة سياساتهم (تقرير لجنة بيكر ــ هاملتون) وخرجوا باستراتيجية تغيير الاتجاه التي تتلخص في تحديد مهددات حضارتهم بالصين وروسيا، وبالتحول من مواجهة المسلمين الذين كانوا التهديد الأول بعد سقوط الشيوعية إلى استخدامهم حطباَ وواجهة أمام التهديد الجديد على ساحة تمتد من شرقنا العربي إلى الحدود الصينية والروسية أقصى الشرق ، وكان اختيار باراك حسين أوباما هذا المحامي والسياسي اللامع وأحد الابناء لمهاجر مسلم إفريقي الأصل ليكون رأس الرمح في تنفيذ هذه الاستراتيجية وتم انتخابه رئيسا لفترتين عمل خلالها مع جماعات الاسلام السياسي وكل من دربتهم أمريكا والغرب على تغيير الأنظمة في منطقتنا تحت شعار الإصلاح والديمقراطية ونشر الحريات ولم تنتج فترة رئاسته إلا ما نراه اليوم في منطقتنا من خراب ودمار وتنافس لقوى إقليمية تتمثل في إيران وتركيا والكيان الصهيوني ..!!!

لقد فشلت أدارة أوباما وفشلت معها جماعات الإسلام السياسي في التقدم ولو خطوة واحدة باتجاه الشرق ، ولم يتراجع صانعوا السياسة الأمريكية عن استراتيجيتهم فوجب البحث عن أدوات ووسائل جديدة ، ولم يجدوا واجهة تتصدر هذه المواجهة غير أنفسهم وبحقيقتهم الأنجلوسكسونية بنهجها الاستعماري منذ البدء فكان انتخاب دونالد ترامب ... ورغم كل ما نراه من احتجاجات فسيتابع فترة رئاسته فالقرار لن يخرج من أيدي تلك الـ 500 عائلة الممسكة بصناعة القرار الأمريكي ... وكان هذا الجهر بتمسك الولايات المتحدة باستراتيجيتها وبأنها ستباشرها وتقودها بنفسها ، وبدأنا نرى محاولات استقطاب لتحالفات تعزز المواجهة مع هذه القوى المنافسة الكبرى كما أسموها ... وطبيعي أن ترد الدول المستهدفة على هذه المحاولات بأعمال واستقطابات معاكسة ... وهذا ما نحن فيه الآن وسنرى تصاعده في الأيام القادمة ... والسؤال الأن بعد تداعي القرن الأمريكي وسقوط الأحادية القطبية وتحول العالم نحو تعددية قطبية جديدة عسكرية وإقتصادية هو:

1. كيف ستكون خريطة العالم في ظل هذه الاستراتيجية ؟

2. أين مكان ودور الكيان الصهيوني فيها ؟

3. أين مكاننا عليها كعرب وفيها كفلسطينيين وطناً وشعباً؟

4. ماذا على الفلسطينيين عمله لتعزيز الوصول إلى حقوقهم المشروعة ؟

أولاً : خارطة العالم في ظل المواجهة والاستقطاب

لكي نرى هذه الخريطة سنركز هنا على ما ستنتجه جوانب المواجهة والاستقطاب الأساسية ثلاثية القوى أو الأقطاب (الأمريكي ــ الروسي ــ الصيني) كونها الأكبر تأثيرا في المواجهة اعتمادا على عناصر القوة المتاحة للمنافسة والمواجهة ، وستكون المحدد لشكل أمريكا بعد عقد أو عقدين وهي :

الجانب الأول : الولايات المتحدة ــ الصين في المنافسة اقتصاديا.

الجانب الثاني : الولايات المتحدة ــ روسيا في المنافسة عسكريا.

في الجانب الأول

الولايات المتحدة تهدد الصين في خمس جوانب :

1. إقامة الدعاوي القضائية حول الإغراق التجاري في سوق الصلب والألمنيوم.

2. فرض حماية جمركية تصل 45% على بعض المنتجات الصينية.

3. إقامة الدعاوي القضائية المتعلقة بانتهاك الصين لحقوق الملكية الفكرية .

4. إقامة الدعاوي القضائية المتعلقة باحتكار الصين لبعض السلع والأسواق نتيجة رخص كلفة الانتاج فيها .

5. الضغط عليها لطردها من منظمة التجارة الحرة ...

كل هذه التهديدات في مجملها لا تخدم الولايات المتحدة إلا في سوقها الداخلي ، وتأثيرها محدود في السوق الدولي !!!

الصين تهدد الولايات المتحدة في أربع جوانب :

1. طلب سداد ديون الصين على امريكا البالغة أكثر من ( 1.2 ) ترليون دولار .

2. التوقف عن شراء سندات الخزينة الأمريكية .

3. التوقف عن شراء المنتجات الزراعية الأمريكية .

4. تعميم التصنيف الائتماني الصيني للولايات المتحدة (BBB+) بأنها بلد عاجز عن تسديد الديون ...

5. الوضع القوي للصين في الأسواق العالمية وخصوصا في الدول النامية حيث لا يوجد لها إرث استعماري صيني والعلاقات معها قائمة على أساس الشراكة .

في الجانب الثاني

الولايات المتحدة تهدد روسيا في أربع جوانب :

1. رفع حدة سباق التسلح لزيادة الضغط على خطط التنمية الروسية .

2. تشديد العقوبات الاقتصادية ووقف تصدير التكنولوجيا الصناعية والرقمية .

3. تخفيض قيمة العائدات النفطية الروسية بإغراق الأسواق بالغاز والزيت الصخري الأمريكي .

4. العبث بالأمن القومي الروسي باللعب على خارطة التنوع العرقي والديني و تسخين الأطراف ونشر الدرع الصاروخي ...

وهي تهديدات ينحصر تأثيرها في استنزاف الاقتصاد المحدود التأثير في السوق العالمي ولكنه لا يؤثر على روسيا في سوق السلاح .

روسيا تهدد الولايات المتحدة في أربع جوانب :

1. إضعاف سوق السلاح الأمريكي وخصوصا في الدول النامية كما شاهدنا مؤخرا في دول كانت حكرا للسوق الأمريكي .

2. تكثيف الإعلام الكاشف للإرث الاستعماري لأمريكا وحروبها المتصاعدة .

3. خلخلة التحالف الأمريكي من الخاصرة الأوروبية .

4. الدرع النووي والصاروخي التلقائي ...

وإذا نظرنا إلى طبيعة العلاقات الحالية بين الدول ونقارنها بالعلاقات التي كانت قائمة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي والقطبية الثنائية سنلاحظ الفروق الشاسعة والتي لا تخدم الرؤية والاستراتيجية الأمريكية الجديدة وحسب ... بل وتعمل ضدها حيث اصبح الاستقطاب المطلق ضعيف إن لم يكن شبه مستحيل ... ولننظر إلى وضع بعض الدول في أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا ودولنا العربية التي كانت لا تملك إلا السمع الطاعة للغرب وللسياسة الأمريكية تحديدا كيف أصبحت اليوم أكثر تحررا وأقل استجابة للمطالب والضغوط الأمريكية ، وأصبح لها شبكة من العلاقات والاتفاقات الاقتصادية والعسكرية مع الصين وروسيا تتيح لها التملص بدرجة أو أخرى من الاستجابة للاستقطاب المطلق مع امريكا كما كان في السابق، إضافة إلى زيادة قدرتها على اتخاذ المواقف النقدية للسياسات الأمريكية كما شاهدنا مؤخراً ... وهذه الاعتبارات مجتمعة لا تترك لأمريكا إلا أحد الخيارات الثلاث التالية :

1. شن الحروب على القوى الكبرى ، وهذا خيار معدوم بالردع النووي الوافر جدا لجميع الأطراف .

2. استنزاف القوى الكبرى بإشعال الحروب الأهلية وحروب الوكالة ونشر الفوضى في محيطها والعالم ، وهذا خيار ضعيف ومكلف لأنه يضعف أيضا الاقتصاد الأمريكي الذي هو أحوج ما يكون للاستقرار كي يتعافى وينمو .

3. التكيف مع الوضع العالمي الجديد والسعي لتفاهمات تقوم على أساس القانون الدولي والشرعية الدولية وتفعيل دور الأمم المتحدة.

باختصار فإن الدور الأمريكي في السياسة الدولية يسير إلى التقلص والإنحسار !!!

أين الكيان الصهيوني في هذا العالم الجديد ؟؟؟

لاشك أن الكيان الصهيوني هو كيان وظيفي بإمتياز وكي نعرف قيمة المكان للكيان الصهيوني على خريطة الاستقطاب , ودوره في الاستراتيجية الأمريكية لنرى ماذا يمكن له أن يُقدم لمصالحها في المنطقة :

1. في الجوار لا تهديد حقيقي للمصالح الأمريكية كما كان سابقاً ... فمصر والأردن مرتبطتان بمعاهدات سلام مع الكيان الصهيوني وتنسيق عسكري مع الأمريكان.

2. في منطقة شبه الجزيرة والخليج العربي صداقات وتحالفات تقليدية وقواعد أمريكية ولا تهديد حقيقي للمصالح الأمريكية !!!

3. سوريا ولبنان لا توجد إمكانية لديهما لشن الحروب أو تشكيل تهديد حقيقي للمصالح الأمريكية !!!

4. لم تعد هناك خطوط تماس مباشر لهذا الكيان مع حدود الدول الكبرى ليكون له قيمة إستراتيجية مهمة في الاشتباك والإمداد كما كانت قبل انهيار الاتحاد السوفييتي عندما كان مع تركيا يشكلان خط للتماس المباشر ... فاليوم نرى كردستان والعراق وأفغانستان والأساطيل وحاملات الطائرات أقرب لخطوط التماس وأكثر جدوى في القيام بالدور المطلوب !!!

5. بتطور تقنيات الاتصال والتنصت وجمع المعلومات لم تعد لهذا الكيان قيمة كبيرة للمعلومات الأمنية التي كان يجمعها ويتاجر بها ... فأقل الدول أصبح بإمكانها إقامة وتشغيل منظومات متعددة تكفيها لجمع ما تحتاجه من المعلومات !!!

6. صحيح أن لهذا الكيان تضخم في الإمكانيات العسكرية ... ولكنها في نفس الوقت مصحوبة بتراجع في القدرة على إستخدامها والردع والتدخل الفعّال خارج الحدود !!!

7. لا يجب إغفال كيف كان هذا الكيان وسياساته محل إجماع ودعم مطلق في سياسات وأحزاب أمريكا ومعظم دول الغرب وحصار مطلق للعمل المناصر لفلسطين وللقضايا العربية وكيف تحوّل إلى موضوع يثير الجدل والانقسامات الداخلية لسياسات وأحزاب هذه الدول تجاه هذا الكيان وفلسطين !!!

لا يستطيع هذا الكيان أن يقدم لاستراتيجية أمريكا الجديدة في منافستها مع الدول الكبرى غير المزيد من الأعباء على أمريكا ؟؟؟

إذن جملة التحولات الإستراتيجية التي شهدتها منطقتنا العربية والعالم أدت إلى تقلص وإنحسار وظيفته الإستراتيجية عما كانت عليه أثناء الحرب الباردة.

أين الفلسطينيون في هذا العالم الجديد ؟؟؟ وإلى أين هم ذاهبون ؟؟؟

1. الفلسطينيون تزداد قوتهم بهذا الكم الهائل من العدالة لقضيتهم وتنامي الشعور العالمي بالظلم اللاحق بهم وتتزايد النصرة لقضيتهم خاصة بين الشباب في دول العالم وخصوصاُ في الدول المؤسسة والداعمة لهذا الكيان ونرى هذا الشباب يزداد اقترابه ونصرته للرواية الفلسطينية . مثال حركة (P.D.S).

2. الفلسطينيون تزداد قوتهم بغياب العداوات لهم في محيطهم العربي والإقليمي والدولي .

3. الفلسطينيون تزداد قوتهم لأن الصين وروسيا وغيرها إن لم تعمل على إرضائهم ونصرة حقوقهم فهي لا تستطيع إغضابهم حفاظا على الاستقرار لمصالحهم ، وتحسبا من انتصار شعوب محيطهم لغضبهم.

4. الفلسطينيون تزداد قوتهم لأن أوروبا تدرك جيدا تأثير القضية الفلسطينية على استقرار المنطقة !!!

5. صمود الفلسطينيون في أرضهم وثباتهم وتمسكهم بحقوقهم المشروعة في وطنهم وتزايدهم وتواصلهم عليها وضع الكيان الصهيوني في حالة إنكسار لا يستطيع إنكارها، وفرض حقائق على الأرض لا يمكن تجاوزها دون الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني في حدها الأدنى دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعودة اللاجئين وفق القرار 194 لسنة 1948م.

6. إنكشاف الطبيعة العنصرية (يهودية الدولة) للكيان الصهيوني ومحاولة فرضه نظاماً عنصرياً شبيها بنظام جنوب إفريقيا العنصري المقبور، يعزز عدالة المطالب الفلسطينية، كما يعزز الدعم الدولي الشعبي والرسمي للموقف الفلسطيني الذي يستند للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي لا يعارضها سوى الكيان وأمريكا ترامب منفردين.

7. الفلسطينيون يشكلون سداً منيعاً أمام إندماج الكيان في المنطقة وعقبة تحول دون تأدية وظيفته الكلونيالية.

نخلص من كل ذلك إلى أن قراءة التحولات الإستراتيجية التي تشهدها المنطقة والعالم، لابد أن تكون حاضرة في صياغة السياسات والإستراتيجيات الفلسطينية، التي أثبتت لغاية الآن قدرتها على تعرية مواقف الكيان الصهيوني وداعميه وخصوصاً منها مواقف الإدارة الأمريكية، التي تتصدر المواجهة مع الشعب الفلسطيني نيابة عن الكيان الصهيوني، وتوفر له التغطية في المحافل الدولية منفردة ومنعزلة، وبات العالم يضيق ذرعاً بهذه السياسة الصهيوأمريكية، ويزداد قرباً وتفهماً لمواقف الشعب الفلسطيني وقيادته، كما أن مصالح كافة المجموعات الدولية وفي مقدمتها أوروبا وروسيا والصين والمجموعة الإفريقية يلحق بها الأذى والضرر، جراء إستمرار تغييب العدالة الدولية وتعطيلها في إنهاء هذا الصراع من قبل الولايات المتحدة، ما من شأنه أن يدفع بهذه القوى إلى رفض الإستفراد الأمريكي بفرض رغباته ورغبات الكيان في إستمرار هذا الصراع المكلف.

ختاماً نقول :

يقتربُ الفلسطينيون من أهدافهم أكثر فأكثر بقدر ما يفقد الكيان الصهيوني لدوره ووظيفته في المنطقة..!!

بقلم / بالإشتراك

أ. حسني المشهور

د. عبد الرحيم جاموس