في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 1972م، إغتالت المخابرات الصهيونية المناضل والمثقف الفلسطيني وائل زعيتر ممثل حركة التحرير الفلسطينية "فتح" في روما.
ولد وائل زعيتر في العام 1934م في مدينة نابلس (فلسطين)، وهو إبن المفكر الكاتب والمترجم الفلسطيني المعروف (عادل زعيتر)، أتم دراسته الثانوية في فلسطين، ثم أكمل دراسته الجامعية في دمشق وحصل على دبلوم في اللغة والآثار العربية، ثم توجه إلى العراق لدراسة الهندسة في جامعة بغداد، ولكنه تركها بعد عام واحد وعمل في مشروع لإنشاء طريق جديد في جنوب العراق، وخلال ذاك عايش الطبقة العاملة وتعرف على حياة سكان الريف.
أمضى وائل زعيتر بضع سنوات في العراق، ثم غادر إلى الكويت، حيث بقي فترة قصيرة سافر بعدها إلى ألمانيا الغربية، ثم إنتهى به المطاف في إيطاليا، وكان وائل يطمح إلى تطوير ثقافته الأدبية والموسيقية، وقد عمل مترجماً في السفارة الليبية، وتابع في الوقت نفسه القضايا السياسية، وخاصة قضية وطنه فلسطين، وتعرف في هذه الأثناء على حركة "فتح" وانضم إليها بعد إستقراره في روما بمدة قصيرة.
وعلى أثر حرب سنة 1967م، تبين لحركة "فتح" أن وائل زعيتر أصبح بهمته الشخصية، ودون تكليف من أحد، ممثلها شبه الرسمي في إيطاليا، إذ كان يعمل ليل نهار، وبهدوء، للدفاع عن قضية فلسطين وشرح أبعادها للرأي العام الإيطالي والعالمي، ثم طور جهوده، فأخذ يصدر في روما مجلة شهرية اسمها (بالستينا) وأشرك في تحريرها عدداً من الصحفيين الإيطاليين اليساريين، وألقى وائل زعيتر نفسه محاضرات عديدة في روما عن القضية الفلسطينية، وأسهم في إنشاء (اللجنة الإيطالية للتضامن مع الشعب الفلسطيني) التي ضمت مجموعة من قادة الفكر والسياسة والبرلمانيين الإيطاليين، وبهذا إستطاع وائل زعيتر أن يبني خلال فترة قصيرة علاقات وثيقة بين الثورة الفلسطينية والقوى التقدمية والسياسية العمالية في إيطاليا.
وفي العام 1971م تفرغ وائل زعيتر للعمل مع "فتح" في بيروت لفترة قصيرة، ثم عاد إلى عمله في السفارة الليبية ليوفر على المقاومة الفلسطينية نفقاته، دون أن يتخلى عن عمله ممثلاً لفتح.
كان وائل زعيتر شاباً متعدد المواهب، نشيطاً في ميادين شتى، وكان نشاطه الأدبي بصورة خاصة يساير نشاطه السياسي وعمله النضالي، ومن أهم إنجازاته ترجمته كتاب (ألف ليلة وليلة) إلى اللغة الإيطالية بالتعاون مع المستشرق الإيطالي المعروف والعالم اللغوي (فرانسيسكو غابريللي).
قد إستطاع خلال بقائه في روما أن يمد جسوراً قوية بين الثورة الفلسطينية ومجموعة من قادة الفكر والثقافة والسياسة في إيطاليا، وأسس معهم نواة (اللجنة الإيطالية للتضامن مع الشعب الفلسطيني)، التي عملت على شرح قضية الشعب الفلسطيني، والنزاع العربي – الصهيوني للشعب الإيطالي، ونظمت المظاهرات وعقدت الإجتماعات تأييداً للحق العربي الفلسطيني وشجباً للباطل الصهيوني وعدوانه في فلسطين وعلى البلاد العربية، وجمعت التبرعات للفدائيين الفلسطينيين ولسكان المخيمات الفلسطينيين.
ونظراً لنشاط وائل زعيتر المتزايد والمميز في خدمة قضية فلسطين في إيطاليا، قررت المخابرات الصهيونية قتله، وفي الساعة الحادية عشرة والدقيقة 45 من مساء يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1972م، بينما كان يسير نحو منزله في روما، خرج من الظلام شخصان مسلحان، وأطلقا عليه الرصاص، ثم اختفيا في الظلام، وسقط وائل شهيداً مدرجاً بدمائه، وقد أعلنت (رابطة الدفاع اليهودية) المنظمة الإرهابية مسؤوليتها عن الإغتيال، بينما تنصلت حكومة الكيان الصهيوني من المسؤولية.
كان لإغتيال وائل زعيتر ردة فعل كبيرة من الإستنكار بين القوى التقدمية الأوروبية، وقال عنه صديقه الأديب الإيطالي الشهير (البرتو مورافيا) على أثر سماعه بالخبر: (لقد فجعني موته أيديولوجيا أيضاً).
وكشف مكتب العلاقات الخارجية في "فتح" في حينها النقاب عن آخر رسالة وصلته من وائل زعيتر قبل إستشهاده، جاء فيها: (كنت أفكر في ترك إيطاليا ولكن عندما سمعت أن غولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك) تهدد العرب في الخارج، قررت البقاء) وكانت جريدة (اسبرسو) الإيطالية قد نشرت مقالة كتبها وائل زعيتر قبل إستشهاده ببضعة أيام، يدعو فيها إلى إقامة دولة ديمقراطية في فلسطين، يتعايش فيها العرب واليهود.
كان وائل زعيتر عند إستشهاده في 17 / تشرين الأول من عام 1972م في الثامنة والثلاثين من عمره، وكان في قمة عطاءه الأدبي والثقافي والنضالي والثوري، لقد ضحى من أجل قضية تُعدُّ من أقدس وأعدل قضايا العصر، ألا وهي قضية الحرية والعدل والإستقلال والمساواة.
لن يذهب دم وائل هدراً طالما إستمرت الفتح واستمرت الثورة الفلسطينية واستمر الكفاح من أجل تحقيق الأهداف التي ناضل وضحى من أجلها الشهيد وائل، هذه هي مسيرة الثوار والمثقفين الممارسين لرؤاهم من أجل الحرية والإستقلال.
رحم الله الشهيد وائل وجميع شهداء الكفاح الوطني من أجل الحرية والإستقلال.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس