“غزة تتشح بالسواد“

بقلم: فتحي أبوعيطة

كم أنت حزينة يا غزة! إذ تودعين اليوم قامة ورمزا في الأخلاق والعفة والطهر, رمزا في العطاء والهدوء, رمزا في السمت, رمزا في الجمال والكمال.

سلام عليك أيها العملاق الشامخ كالجبل الأشم, كعيلبون وجرزيم.

رحل الرجل البعيد عن الوهج بصمت,

قل لمن عاب صمته         خلق الحق أبكما

لك الحق حبيبتي غزة أن تتشحي بالسواد في هذا الثلاثاء الحزين, وتعزفي سمفونية الألم والحزن على خير من وطأ ثرى فلسطين. كيف لا وهو المناضل المبعد, السجين, الطريد, الوحدوي, العاشق, المعطاء, الذي كان خير السفراء لوطنه. هذا الرجل البعيد عن الحزبية المقيتة الممجوجة, كم أنت علم أيها العلمي الآتي من بلاد المغرب العربي لتشرّف أرض فلسطين أيها الحسيب النسيب, لتعلن للأمة أن لا فوارق ولا سدود ولا حدود تفرق بين أبناء العروبة والاسلام.

رغم هدوئك, فأنت قوي الشكيمة, صلب المواقف. ليس كالآخرين الناعمي الملمس كالجدران الايطالية ولكنهم يخفون ورائهم برودة قاتلة. ودّعت غزة هذا الرجل الاستثنائي في حركات التحرر في هذا اليوم الحزين.

رحيلك أيها القائد يذكرني باستشهاد الثلاثي, وفي يوم الثلاثاء أيضا, محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي, لتلتقي وترتقي روحك الطاهرة مع أرواحهم. حيث قال فيهم الشاعر:

 ايه يايــوم الثــلاثـاء اكتوت فيك الكبـــود

                                       فتية غر غطاريف بحبل المــوت قيـــدوا

فكأن الموت عرس أو كأن الموت عيــــد

لقد رحل الرجل ولكن ذكراه ومحياه المشع سيظل نبراسا وأيقونة في ذاكرة الشعب الفلسطيني, حيث يحضرني ما قاله الشهيد كمال ناصر:

أيها الموت ته علينا وفاخر      لم يطش سهمك اللئيم الغادر

أنـــت لم تطـــوه جبـــانـا         بل تحداك رابط الجأش ثائر

لقد كان رحمه الله رطبا لسانه بذكر الله, بعيدا عن النقائص والعيوب, وكأنه صنع على عين الله. وألقى الله عليه المحبة من شرائح الشعب بأسره. كان رحمه الله بعيدا عن الشتم والقدح, وكان من رواد المصالحة التي يريدها البعض أن تكون مفصلة على مقاسه.

بعيدا عن نكء الجراح,  يحزنني أن نرى حجم المفارقة بين هذا الرجل وبعض من ساقهم الحظ التعس ليكونوا نوابا عن الشعب الفلسطيني الذين لا شغل لهم إلا القذف والتشهير. أمثال هؤلاء الغربان الذين يدفعون بحركة لها تاريخ مشرف إلى مهاوي الردى والنسيان.

وكان الأجدر بالشرفاء منهم, وهم كثر, أن ينعتوهم بالأوصاف التي لا أريد أن ألوث لساني بها, وأن تعلو صيحات الاستهجان بدل ابتسامات الرضى والاستحسان.

لك الله يا غزة الجريحة. ألم يئن للمتنفّذين فيك أن يبلسموا جراحك بعد أن ينكروا ذواتهم حقيقة لا تمثيلا, فحياة الانسان أولى من المناصب والكراسي. تذكروا قوله تعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون".

لن تعود فلسطين إلا بسيرتها الأولى, الاسلام الأصيل, كما كان أسلافنا الذين ملؤوا الأرض عدلا وقسطا بعد أن كانت جورا وظلما, الذين ملؤوها عفة وطهرا لا دنسا وعهرا.

صدعتم رؤوسنا بشعب أبي طالب والصبر, وكأن الله يمتحنكم كما الصحابة, ما شاء الله! من أنتم؟ وأين أنتم من الصحابة بالله عليكم؟

إن التطرف لايجدي نفعا, وأستثني منكم الشرفاء الذين يجب أن يقفوا سدا منيعا في وجه هؤلاء المتطرفين.

كفى بربكم كفى, لقد بلغ السيل الزبى, رسالة أبي همام العفيف الشريف إليكم أن علموا الناس الفضيلة والإيثار والعطاء ونكران الذات, وكفوا عن المهاترات والتخوين والتكفير والجأوا إلى صناديق الاقتراع وليس الافتراء والابتداع, هذا هو الفيصل.

فالحكم أيها السادة مغرم وليس مغنما. والسياسة أيها الساسة ,في وجهة نظري غير الملزمة, نجاسة ودناسة, ألم تدركوا بعد؟ لنبق على محور المقاومة المرشدة وجذوتها الوقّادة ولنترك السياسة لأهلها لعلها تجدي نفعا في هذا الزمن الرديء.

ألم تسمعوا قول العرب الجاهلية: "إذا عز أخوك فهن" أم أنكم من كوكب آخر.

على أمثالك يا أبا همام فلتبك البواكي. سلام لروحك أيها العلم العلمي يوم ولدت ويوم متّ ويوم تبعث حيا.

اللهم إني قد بلغت, اللهم فاشهد.

بقلم/ فتحي أبوعيطة