حقُ التفكير وحقُ التعبير كلاهما من معايير كرامة الإنسان..ولكن هناك فرقاً جوهريَّاً بينهما..فَحقُ التفكير حقٌ مقدسٌ ما ينبغي أن يُقيدَ بحال من الأحوال..أما حقُ التعبير فهو مُقيدٌ بحق احترام مشاعر الآخرين وكرامتهم وخصوصياتهم.
هناك الكثير ممن «يخلطون» بين أمرين متعاكسين للغاية، بين حرية التعبير، وبين التعدي على الآخرين، تحت شعار «حرية التعبير». فالأولى هي الفضاء المفتوح لإبداء الرأي، دون الحاجة إلى مهاجمة الطرف الآخر بشراسة أو دون امتهان لكرامته وهويته وإنسانيته، أما التعدي على حريات الآخرين والطعن في كرامتهم وشرفهم والسخرية من معتقداتهم أو أي أمر آخر له علاقة بخصوصيات الأفراد والجماعات فهذا الأمر لا علاقة له بالحرية مطلقاً، وإنما هو نوع من أنواع الجريمة التي يعاقب عليها القانون وترفضها الأخلاق.
نجد اليوم أن هناك الكثير من الأفراد يشككون، ويخونون ، ويكفرون، و يخوضون في أعراض الناس لينتهكوا خصوصياتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بحجة حرية الرأي والتعبير دون الإلتفات إلى الجريمة التي يمكن لها أن تقع من وراء هذا السلوك المنفلت، فكل فرد منا يستطيع تشويه صورة أي شخص يختلف معه في الرأي والفكر والعقيدة لكن تلك ليست بمهارة أو «شطارة»، وإنما تعتبر تعدياً على خصوصيات الآخرين وتجاوز لكل القيم الإنسانية النبيلة، ولهذا يجب التفريق بين حرية التعبير وبين سوء التربية.
ففي ظل الظروف الراهنة الصعبة التي تعيشها منطقتنا العربية بشكل عام ، وقضيتنا الفلسطينية بشكل خاص، وخاصةً بعد وعد ترامب وما يسمى بصفقة القرن (تصفية القضية) ، يجب على الجميع التكاتف من أجل قطع الطريق على كل المتصيدين في الماء العكر، والحذر من الانجرار خلف مواقع التواصل الاجتماعي
التي لا همَّ اليوم لها سوى بث الفرقة والخلافات الفئوية الضيقة، وإشاعة الفتنة بشكل منظم، وأن نكون أكثر يقظة في كشف كل جهة تريد إشعال الفتن بين أبناء الوطن الواحد، فبعض القنوات الإعلامية الحزبية تردد ما ينشره الإعلام الصهيوني حتى ولو كان كذباً ؟ فمن هذا المنطلق يتوجب على الجميع وفي هذه المرحلة الدقيقة والحساسة تغليب المصلحة العليا للوطن على المصالح الحزبية الأنية الضيقة، وعدم الإنجرار خلف ما ينشره الإعلام الصهيوني، وتنقية المناخ السياسي، ووقف كافة أشكال التحريض الإعلامي لما لها من تداعيات خطيرة على قضيتنا ، وتعزيز الوحدة الوطنية من أجل إنهاء الإنقسام اللعين الذي يدمي القلب .ومع الأسف الشديد فإن الكثير منا بدؤوا ينجرفون خلف الشائعات والأخبار المغلوطة في زحمة مواقع التواصل الاجتماعي دون التدقيق في صحة المعلومات التي تردهم كل دقيقة، وهم بذلك يساهمون في صياغة واقع مغلوط مليء بالأوهام والخرافات والأكاذيب. إن أخطر ما في هذا الشأن هو أن تكون هناك انعكاسات عملية لهذا الحراك الإعلامي المجتمعي بحيث يتحرك وعي المجتمع أو ينطلق من خلال أخبار غير صحيحة ومن منصات إعلامية تعتمد على الكذب والتدليس ليصلوا بعد ذلك لمرحلة التفاعل مع الواقع بشكل مدمر حتى يصلوا لنقطة «الدم».
حقاً يجب على المواطن في شقي الوطن أن يقوم «بفلترة» كل ما يرد إليه من معلومات أو أخبار عبر «السوشيال ميديا» وألا ينساق خلف كل ما يصله من أخبار، والأهم من كل ذلك ألا يساهم في تأجيج الأوضاع المجتمعية والسياسية من خلال التفاعل الكاذب مع وسائل التواصل الاجتماعي، ليقوم هو الآخر بنشر الفوضى بين الناس من خلال تلكم المواقع بحجة إبداء الرأي وحرية التعبير، مما يساهم في تعقيد المشهد الذي لا يحتمل المزايدات أصلاً. فرفقاً بأنفسكم ومجتمعاتكم التي تعيشون فيها، فمن يقوم بتخريب بيته وتشويه سمعة قاطنيه فإنه لن يستطيع العيش فيه بعد ذلك ويحقق للعدو الصهيوني مايريد.
بقلم/ فراس الطيراوي