القُوى الدوليّة جميعُها تملّصت من رعايتها لأي سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعبّروا عن موقفهم بالعامل المُساعد للدّور الأمريكي، الطّرف الأمريكي بالتّعاون مع دول الإقليم سيفرض الصّفقة على الفلسطينيين في إطار الحلّ الإقليمي الشّامل، وإسرائيل لها موقف للقُبول أو التّعديل، القُدس خارج البحث في إطار القرار الأمريكي، اللّاجئين في إطار حُول إقليمية لهم تُنهي دور وكالة الغوث بمعايير زمنيّة، كتبتُ عن هذا منذُ سته شهور وبمقالةٍ عن صفقة القرن. تصريحات هنا وهناك وتخوّف أُردني من فرض واقع االّلاجئين على الأُردن كما هو تخوف لبناني .
أصبحت تفصلُنا بين الواقع الآن وصفقة القرن شهورٌ قليلة، الواقع الفلسطيني جامدٌ ومشتّت، ويهرب للأمام دون وضع برنامج ذاتيّ ممانع للشعب الفلسطيني، يستطيعُ أن يفرض متغيّر على هذه الخطة والصفقة، وموقف ضعيف في مواجهة وحصار مُتزايد على غزة بغطاء المُصالحة. قد تفشل الصفقة في حالةٍ واحدة ونتائجُها قد تحتكِم لأي مواجهةٍ عسكرية شاملة ركيزتُها الجبهة اللبنانية.
الخُطورة أن تبدأ الصّفقة من غزة أولاً، ومن ثمّ الحسم الإقليمي بعد ذلك لأزمات الجبهة اللبنانية، وتسويات أُخرى على الإقليم الأُردني.
غرينبلات لا يرتجل التّصريحات، بل هُو مسؤول عند إدارته الأمريكية والمؤسّسات الأمريكية، ورُبما وقعت إشكالية الصّراع ومنافذ حلّها تحت أيدي وقرار الإيباك المدعُوم من غالبية الكُونجرس الأمريكي وتحييد باقي القوى الأُوروبية والرّوس أو بشكلٍ آخر توزيع لصلاحيات النّفوذ في منطقة الشّرق الأوسط، الطّرف الفلسطيني ضعيف سواءً على المستوى الذاتي أو على صعيد مناوراته الخارجيّة التي فشِلت في استجلاب بعض الدول للإعتراف بالدّولة الفلسطينية وعاصمتها القُدس الشرقية، هذا هو الخطاب السّياسي والبرنامج للسّلطة والتي لا تمتلك للآن أي خيارات له وبرغم فشله، أما الجانب الآخر من الصّراع فهو ناتنياهو مع إجماع إسرائيلي على قرار ترامب ورداً على موقف الفلسطينيين بقُولهم أنّ أمريكا لم تعد وسيطاً مقبُولا لدى الفلسطينيين، كان رد نتنياهو واضحاً بأنّ لا راعي للسّلام غير أمريكا وهذا ما أكّده الطّرف الأوروبي بأنهم شُركاء مع أمريكا وليسُوا بصدد إتخاذ موقف آخر خارج الصّندوق الأمريكي.
آخر ما قاله غرينبلات أن الطّرف الفلسطيني غير مُقرر في صفقة القرن بل هو جزء منها وسواءً وافق الفلسطيّنيون أم لم يوافقوا فستقُوم أمريكا بفرض هذه الصفقة بمشاركة دول الإقليم وهي الأساس وهي القادرة على الرّفض أو المُوافقة أو التّعديل. إذاً أيّ خياراتٍ أُخرى لدى القيادة الفلسطينية بعد أن أقفلت جميع الأبواب أمامها والتي للآن لا تعترف بفشل خيار حلّ الدّولتين -وبرغم أن الواقع يتحدّث عن ذلك- وتلجأ لخُطوات على صعيد الأُمم المُتحدة لتتراكم القرارات الغير مُلزمة والتي تتكّسر على أبواب مجلس الأمن، في حين أنّها مازالت عاجزة عن لملمة طاقات الشّعب الفلسطيني ورصّه ليس من أجل كسر وإفشال تلك الصّفقة التي أرى أنها تسيرُ بعجلةٍ إقليمية بل لفرض مُتغير على تلك الصفقة يُحدث تغييراً في خريطتها السياسية والأمنية وآلية تنفيذها، فالمُصالحة وبشواهدها تسير في إتّجاه الغطاء الشّرعي لتمرير تلك الصّفقة بأبجدياتها السياسية على غزة، في حين أن الضفّة كل مُحاولات انتفاضتها باءت بالفشل نتيجةَ سُلوكيات السلطة الأمنية وقوة الإحتلال وتواجُد المُستوطنات في الضفة في وجة النّظر الأمريكية والإسرائيلية والإقليمية جاهزةً لتطبيق تلك الصّفقة وتبقى غزة هي من تتعرّض لميكانيزمات مُتعددة لتطبيق تلك الضفقة.
البعضُ استهتر بقرار الإدارة الأمريكية بوضع إسم إسماعيل هنية على لائحة الإرهاب ليلحق بأسماء مُتعددة تحت هذه القائمة، وأنا أعتقد غير ذلك ولا يُمكن الإستخفاف بالقرار الامريكي وفي هذه المرحلة وهذا التّوقيت فالمَعروف أن إسماعيل هنيّة وسطيّ بل مُعتدل سياسياً وحماس التي هُو رئيسُها وافقت على برنامج منظمة التحرير وحل الدّولتين، ولكن لماذا هذا القرار اتُّخذ بعد لقاء هنية مع رجل الأعمال الفلسطيني الامريكي عدنان مجلّي؟، ولماذا أيضاً اتّخذ هذا القرار بعد مُؤشرات عن اقتراب الإعلان وتنفيذ ما يسمّى صفقة القرن؟، أعتقد أن هذا القرار له مُؤشر سياسي أمني أكثر مِن أنّه قرار ذو تأثير على إسماعيل هنية، فاسماعيل هنية ليس لهُ أرصدة أو عقارات في أمريكا أو لدى أصدقاء أمريكا، وتبقى قصّة القرار نوعٌ من الإرهاب المدرُوس الذي يُمكن أن تنفّذ سيناريُوهاته في وقتٍ تفجيريّ وهُو توقيت تُحدده أجهزة مُخابرات دولية واقليمية.
للآن أرى أنّ الواقع الفلسطيني ومُكيفاته الداخلية يصِل إلى حالة الإستسلام لوقائع هذه الصّفقة ومُناخاتها، وبحكم الجغرافيا أيضاً سواءً في الضّفة أو غزة قد تفتقران إلا لقليل من الخيارات، فقصّة تحرير فلسطين من النّهر للبحر غير واردة الآن وطُرح أنّنا قادرينَ على هزيمة كلّ هذا الحشد الدّولي والإقليمي أيضاً ضرباً من ضروب الوهم، ولكن كلّ ما يستطيع الفلسطينيون فِعله الآن هو توحيد فصائلهم وطاقاتهم الشّعبية وما يمتلكونهُ من إمكانيّات في بلورة شخصية فلسطينية موحّدة تفرض نفسها على دِول الإقليم في المُتغير القادم والخروج بأقلّ الخسائر، وهذا للآن ما تعجزُ عنه السّلطة وبرنامجِها المقيّد الذي يلعب خارج طاقات شعبه وإمكانيّاته، أمّا الخيارُ الآخر وهو غزة، فعليها أن تُواجه باستبسال أي عمليةٍ واسعة للإحتلال لتنفيذ عدّة أُطروحات طُرحت لمستقبل غزة وأهلها، غزّة التي يزداد عليها الحصارُ وتتعرض الآن لعدّة أزمات إجتماعية وإقتصادية ونزع الرّوح من الجسد، حيثُ أصبحت قصّة مُواجهة هذا الخنق قرار صعب يتّجه في التّفجير نحو الإحتلال وهو ما سُمي قرار الإنتحار، والذي لن يستطيع أيّ قائد فلسطينيّ إتخاذه إذا لم يُفرض فرضاً على غزة.
بقلم/ سميح خلف