جدليّة البِناء في الأُطر الثّورية والتّحرُّرية هي الجدليّة القائِمة بين المادّة الحيويّة والتي يُمثها الشّباب ومَدى علاقَة الإنتماء مع القِيادة فِي كافة الأُطر، وهُناك ربطٌ بين الهرميات التنظيميّة التي تربِط رأس الهرم بقاعدتِه
والتي تتمثّل بالتّرتيب الأُفقي والعمُودي وما ينصّ عليهِ النظام مِن انضباطيّات والتِزام ومهام وتدرُّج المسؤليات، فحيويّة الشّباب تُمثل الديّمومة الفاعِلة والنّشطة التي تُلبي الأهداف المرحليّة والإستراتيجية.
بلا شك أنّ مكمن الخُطورة في البِناء الثوري والتحرُّري هو تجميد ديمُومة الفعل والتّفاعل بين القيادة والتدرّج التنظيمي من أعلى إلى أسفل وبالعكس، أي من رأس الهَرم إلى قاعِدته وبالعكس أو إِحداث عمليّة فصل القمّة عن القاعدة في المُسطحات الوُسطى، ومن هُنا تحدُث المحاور والشلليّة والتّبوتُق وتتعطّل البرامج وتتشّكل مراكز القُوى على مستوى القيادة وعلى مُستوى البنية التحتيّة للإطار الثّوري، ومِن أَهم الظّواهر لعمليّة الإِنفصام في الإطار هي ظاهرة إهمال طُموحات الشّباب باستحقَاقاتهم الزمانيّة والتاريخية والمرحليّة والمكانية في التدرّج التنظيمي وصولاً إلَى القمة، وحيوية البناء إذا شابها نرجسيّات القيادة من إحتكار للموقِع والمُهمّة والإمتيازات تفتَح الباب على مِصراعيه لإهمال النّظام ونُصوصِه وإهمال الأدبيّات وهذا يُنذر بتخلي حركة التحرّر عن أهدافها ومُنطلقاتها وأدبياتها وتُطلق العِنان للتّبريرات والتّعليلا ت لعملية الجُمود في البِناء تحت ذرائع وحُجج المقصود منها الحِفاظ على ذاتها وامتيازَاتها وصلاحيّاتها.
قُوة الدّفع التي كان يُمكن أن يحققها الشباب تتلاشَى في غياب للثقافة وبشكل مُمنهج وغياب للتّرابط البيني بين الأُطر المُختلفة وبعضِها وتشتُّت الطاقات في حلقات دوّامية محليّة وغير قادرة على إيجاد وحدة التّلاحم قد تُؤدي إلى حالة من الدّكتاتورية وطرح المضمُون العاطفي للإنتماء كوسيلة للتفرّد بالقرار وعملية الابتزاز للقاعدة المُدمرة لتتشكّل المحاور بناءً على تصنيف المَحاور والارتِباط.
إنّ ما عانته حركة التّحرر الوطني الفلسطِيني هو ذاك الفَصل وإسقاط الإستحقاق للأَجيال بأن تأخُذ دورها الطّبيعي والوَطني والثّوري في تحمّل المسؤُوليات لقِيادة العمل ومن خِلال التّلاعب في مُؤتمراتها وأزمنة إنعقادها ومِن خلال العبَث في أَدبياتها ونِظامها والعمل على ربْط القاعدة بالقمّة مِن خِلال توازُنات ومحاوِر تُخفي تحت ظلالها صِراعات أحدثت إنقسامات في القَاعدة.
إنّ سنّ الشّيخوخة هو سنُّ الحُكماء الذين يتحوّلوا في هذا السن من قادة إلى مُوجّهين وآباء روحيّين للثورة، وهذا من المُفترض أن يكُون وأن يُفسح المجال لحيويّة الشّباب التي تستطيع مُعالجة متطلّبات المرحلة.
قد لا يُفهم في الضّمير الوطني أو التّحرري أو النّضالي أو أي مُصطلحات كفاحيّة مُنضبطة أن تُمثل حالة التّاريخيون كمُصطلح حالة فوق الأَدبيات والنّظام والمُحاسبة أو الإعتراض على برنامج أو خطّة أو سُلوك، لا يُفهم أن تُمارس تلك - القيادة بتبرير وتعليل التاريخيون - كل أنواع الإقصاء والتّشويه لمن خالَفها الرّأي أَو بحث عن إستحقاق نِضالي سواءً على مُستوى المسؤُليات في الأُطر أو على مُستوى إستحقاقاتٍ أُخرى.
كيف نفهم أنّ حركة تحرّر لها 53عاماً من التّجربة لا تنعقِد مُؤتمراتُها إلا 7 مرّات، وهُنا الخلل واضِح، ومهما كانت المُبررات. كيف نفهم أنّ القاعدة مُغيبة عن إتخاذ القَرار وآخر من يعلم أيضاً أُطرها المتقدمة؟. كيف نُقيم حركة لها من العُمر هذا العُمر المَديد من التّجربة وهي غير قادرة على تجديد قياداتِها؟، ولو نظرنا للعدوّ الإسرائِيلي المُقابل لَنا في الصّراع كم مرّة تجدّدت قياداتُه؟!.. كيف نفهم؟!.. وكيف نفهم؟!.
إنّ البِناء الهيكلي للحركة يتعرّض للتّدمير بإهمال منظُومة الإنضباطيّات المُتسلسِلة بين الأُطر وبعضِها من القاعدة حتّى القمّة، وهي ظاهرة تُكرس دِكتاتورية القَرار وتُكرس مفهوم التشتُّت والفوضَى في داخِل الأُطر وتُفرّر ظاهرة الضّعف المُميت للقَضاء على القُوى الحيّة والنّشطة في الإِطار.
لا نُريد هُنا أن نربط بين هذه الظّواهر وما وصلتْ له حركة التّحرر من عدم تحقيق أَهدافها التي من أجلها انطلقت، ولا نُريد أن نربط تلك الظّواهر بمُستوى التّجهيل الذي تتعرّض لهُ القُوى الحية من شباب فلسطين، ولكنّنا نقُول أنّ تمتْرُس جيل في قيادة الحركة وعدم إفساح المجال لتوارُد الأجيال هو سُلوك مُمَنهج لإنهاء فعل وفاعليّة ما تبقّى من تاريخ هذه الحركة وإِفشالها وتحويلِها لظاهرة صوتية تبتعد تماماً عن المهام المُلقاه على عاتِقها من تحقيق أهداف الشّعب الفِلسطيني لدحر الإحتلال وإنهائه وإقامة الدّولة وخلق توازُن في تحدّي مُخططات الإحتلال الذي إبتلع وإحتل كُل الأرض الفلسطينيّة، فمهام حركة التّحرر لم تنتهي، ومن المُهم من فشلوا في تقديم إنجاز في أي محطّة من المَحطّات عليه أن يُفسح المَجال للقُوى الحيّة من خِلال إطارٍ مُنضبط لضَرورات المرحلة مُتسلّماً قيادة المرحلة الحاليّة والقادِمة.
سميح خلف