القائد توفيق

بقلم: طلال الشريف

لست بصدد كتابة سيرة ذاتية ولكني أحيانا أجد نفسي مركزا في قراءة بعض ملامح شخصية ما تعجبني لفترة من الزمن دون معرفة سبب الإهتمام ولكني أكتشف بعد التركيز أن صفات وسمات أقدرها وتحظي بمقاييس خاصة بمفاهيمي تستحق الكتابة عنها في تلك الشخصية فأبدأ بالكتابة عنها ومن أي إنتماء حزبي أو وظيفة أو مجال عمل.

حالة الكتابة عن الأشخاص لديا لا تتعلق بمقياس وخاصة وخاصة وهم ليسوا في سدة سلطة أو متربعين علي أحد عروش الشهرة وتلك تعتبر من النوادر أو المستحيلات التي يهتم بها الكتاب وكتاب السير الذاتية خاصة وكتبت سابقا مقالات عن قليل من الشخصيات التي أعجبتني وشرحت ما أعجبني في هؤلاء وهنا الحديث اليوم عن القائد الفتحاوي توفيق أبو خوصة أبو الطيب.
وجدت نفسي مقررا أن أتحدث عن ثلاثة ملامح تخضع لتحليل الشخصية لديا وهي أولا الإخلاص وثانيها الروح الرياضية وثالثها البعد الإنساني ولابد من ذكر بعض المحطات لمعرفة الشخصية التي إلتقطت بعضا من مفاتيحها ومنها :

أول محطة كنت ألتفت لهذا القائد توفيق أبو خوصة كانت في حالة فارقة وخطيرة بالمعني الوطني وتحتاج قادة حقيقيين لنقدها حين كثف حزب الشعب مهرجانات إهتمامه بحالة مجتمعية خطيرة وهي الهوس الأمني التي إجتاحت قطاع غزة في الأشهر الأخيرة قبيل قدوم السلطة الوطنية التي تصاعدت مع إرتفاع عدد حالات القتل والتصفية اليومية علي خلفية تهم العمالة للإحتلال من منطلق الحفاظ علي العدل النسيج المجتمعي وليس دفاعا عن العملاء وكان الحزب في موقف متقدم علي جميع الفصائل في بحثه عن حق كل إنسان أن يتمتع بمحاكمة وتحقيق عادلين مهما كانت تهمته وحرصا علي ما كان من أخطاء وتهم غريبة كانت تهز ركائز المجتمع الغزي في ذلك الحين يومها كنا في مهرجان غرب غزة في مكان بنيت عليه جامعة القدس المفتوحة اليوم وكانت كلمة للد.كتور حيدر عبد الشافي ود. سمير عبدالله عضو مكتب سياسي حزب الشعب وكانت كلمة للقائد توفيق أبو الطيب وكلمة لي للفت وتحدثنا وإنتقدنا نقدا بناءا لتصرفات الفصائل غير القانونية ما دفع الشارع الغزي للخوف والهوس الأمني وكان من ينتقد ذلك لا يسلم من التشهير ولكنا كنا مبادرين أقوياء بإنحيازنا لحالة شعبنا ورفض التجاوزات بنقد الظاهرة التي تحتاج تفاصيلها لشرح طويل ليس مكانها هذا المقال.
كانت شجاعة القائد توفيق تختلف عن شجاعة الباقين من المتحدثين في هذا المهرجان لسبب جوهري وهو أنه الوحيد من المتحدثين التي كانت فصائلهم عسكرية وتقتل المتهمين علي تلك التهمة ولهذا السبب لفت نظري في حينها بأنه شخص شجاع رائد في النقد والنقد الذاتي قل من يفعلها في ذلك الوقت وحتي هذه الأيام التي توسعت فيها شريحة النقد أفقيا ورأسيا وتغير الوعي الوطني والثوري نحو إيجابية ما كنا نتحدث عنه.

ودارت الأيام وأصبح أبو الطيب مسؤولا مهما في السلطة الفلسطينية وكان له دور إعلامي وتنظيمي وقائدا في منظمة الشبيبة الفتحاوية قبلها وبعدها من خلال نقابة الصحفيين وحركة فتح وجرت في النهر مياه كثيرة حتي الإنقلاب الذي تعرض حينها أبو الطيب لخطر التصفية ويحسب له صموده حين الأحداث في غزة مع قادة و إخوة آخرين ومعاناتهم حتي الخروج المعروف.

محطة أخري مهمة نلتقي فيها مع أبو الطيب حين إصطحبني الأخ زكريا التلمس معه إلي نقابة الصحفيين بيتهم الخاص وكنا في بداية تحضير الصور في المطبعة كمرشحين للإنتخابات التكميلية بعد إستقالة د. حيدر عبد الشافي من المجلس التشريعي وكان الإثنان ومعهم الصحفي حسين الجمل في محاولة لإقناعي بالانسحاب لصالح الأخ زكريا التلمس الأكثر حظا من بين ثلاثة فتحاويين كانوا مرشحين معي أنا فقط كمستقل وهم هندي الشوبكي والشيخ بلبل وزكريا التلمس وأنا وكان رأيهم مع زكريا أنهم يمثلون نهجا جديدا في فتح حينها وكان ردي بأنني أيضا مرشحا أمثل نهجا جديدا ومختلفا من اليسار الذي أنا محسوب عليه وكان أبو الطيب مخلصا لفتح ولصديقه زكريا ولفت نظري توفيق أبو خوصة أيضا في هذه المحطة بنهجه في النقد االكبير للسلطة وهو إبنها بشكل واضح وموضوعي يشبه ما كنا نقدمه نحن المعارضون الذين هم خارج السلطة ولم نتفق في موضوع إنسحابي من الانتخابات ولكن سرعان ما ألغت السلطة الانتخابات وصادرت حقنا كلنا فتحاويين ومستقلين في تلك الفترة فكنت أنا وهم ضحايا الفساد والدكتاتورية وتجاوز القانون حتي في جلسة المحكمة التي عقدوها لإلغاء الانتخابات بعد يومين من بداية حملتنا الانتخابية بحجة قرب إنتهاء دورة التشريعي والتي إستمرت عشر سنوات بعدها دون إنتخابات جديدة إلا في العام 2006 .

والمحطة المهمة الأخري أيضا التي لفتت نظري للقائد توفيق أبو خوصة حين عاد النائب القائد محمد دحلان إلي رام الله بعد خلافه مع الرئيس أبو مازن وقامت قوات الأمن في رام الله بمحاصرة وتفتيش منزل النائب دحلان وإنتهاك حصانته البرلمانية في محاوله لإرهابه حيث وضعهم دحلان بعودته لرام الله في موقف محرج وأرادوا التخلص منه وحاولوا إعتقاله ولكنه خرج إلي عمان وصاحبه في تلك اللحظة القائد الشجاع أبو الطيب توفيق أبو خوصة مع القادة أبو علي شاهين وسفيان أبو زايدة ولكنهم إعتقلوا توفيق فكانت تلك لفتة قوية في إخلاصه وصداقته وزمالته للقائد دحلان ولفتح بشكل شجاع.

هذه المحطات ليس ما أردت بيانه بل ما أريد قوله هنا بأن القائد توفيق أبو خوصة هو خلطة سحرية تعجبني في ملامح أخري أعتبرها هامة جدا في شخصية هذا الرجل فهو كاتب وصحفي له خاصيته الملفتة في الكتابة من خلال متابعتي الطويلة لما كان يكتب ولازال ويتمتع بخصائص هامة أولها وأهمها عدم الإبتذال فهو كاتب ثوري يتحدث عن قناعة وبقوة وله مصطلحاته وتراكيبه في بناء ما يكتب لا يجعله إخلاصه لأصدقائه وحلفائه أن تحسبه يمالق في كتابته بل ينتهج نهجا ثوريا متكاملا عن قناعة ووجهة نظر يدافع عنها بكل ثقة وقوة ودون إسفاف بل أحيانا كلماته تكون قاطعة كالسيف دون شخصانية في الهجوم أو النقد بل تستطيع إلتقاط بوصلته نحو الهدف التي تدلك عليه دون جهد وهذه من النوادر عند كتاب كثيرين يدارون ويلمزون دون شجاعة في وضع النقاط علي الحروف وأنا معجب بهذا الأسلوب وقد لا يعجب آخرين ممن نصبوا أنفسهم نقادا أو كتابا ولا يستجرون التوضيح والصراحة وأسلوبهم مجازي غير مفيد في العمل السياسي في تقديري ولذلك دائما أقول بأن هناك كاتب محلل محايد رغم وجوده في جماعة سياسية ولكنه ليس قائدا وهناك كاتب قائد له موقف ولا يمسك العصا من المنتصف وحتي وهو مستقل وليس ضمن جماعة سياسية وتوفيق أبو خوصة من النوع الشجاع الذي يكتب من أجل قضية وليس من أجل الإرتزاق أو إرضاء قائد أو مسؤول ولذلك هو من القلائل الذين يمثلون "الكاتب القائد"....
ومن خصائص الشخصية التي لا يعرفها الكثيرون عن توفيق أنه رياضي من الطراز الأول مارس النشاط الرياضي مبكرا وهي خلطة سرية تنطبع في شريط الشخصية وأنا أفهمها جيدا لمروري بنفس التجربة هذا الرياضي الجندي الملتزم بفريقه لإحراز النصر وحتي حين يهزم لا تنتهي أو تتوقف مسيرته عندها ويبدأ الشكوي والعويل بل يستعيد اللياقة سريعا للمباراة القادمة وحين يقع في أرض الملعب يشعر بالبطولة وسرعان ما ينتصب مكملا نشاطه دون إكتئاب أو شعور بالخجل .. هذه البيئة التي كرست نوعا من خصائص الشخصية التي تحمل الروح الرياضية وإصرار القائد علي إحراز النصر لاعبا في مباراة أو سمها معركة أو قائدا في مباراة أخري لا يشغله إن كان قائد الفريق أو لاعب عادي أو حتي لاعب إحتياط وهذا يعطي عقلية مرنة لصاحب التجربة تنعكس بالتأكيد في العمل التنظيمي فهو ليس أنانيا لا يري نفسه إلا قائد الفريق وتلك صفة قد لا يدركها حتي الرياضي نفسه رغم سلوكه بها .. القائد توفيق أبو خوصة بدون شك هو من هذه الطينة لذلك لا تجده يقضي وقته منافسا علي الموقع بل يجيد العمل في كل موقع وبنفس الروح الرياضية هذه ملامح وخصائص محببة في العمل العام يفتقدها الكثيرين وأنا معجب بمن يتمتع بهذه الخاصية..أما البعد الإنساني الذي قد لا يتعرف عليه الناس من بعيد هي تلك الإنسانية التي يفتقدها الكثير من السياسيين بعد فترات من العمل السياسي والتآمر والجفاء والتحايل

هذه الشخصية التي يحملها مثل هذا القائد توفيق وهي كما قلت الإخلاص لفتح ولزملائه والتضحية والروح الرياضية الكامنة في العقل الباطن تقود تلك الشخصية مع النشأة الاجتماعية البسيطة واحترام الأسرة له لفطنته وحبها لإبنها في مراحل حياته الأولي وخاصة إرتباطه بكبار وازنين في العائلة مثل عمه المختار أبو يونس حلال الدموم وكبير المقام بين أقرانه والشخصية المجتمعية الفاعلة وكيف كان ينظر أبو يونس لتوفيق كما أخبروني بأنه خليفته الشاطر اللماح الملتزم المحبوب من الآخرين ولذلك لابد أن يحمل معاني وسلوكيات إنسانية رغم التجارب المريرة في التنظيم والسجون والسلطة والمواقع والمسؤوليات فقد قالوا لي إن توفيق إنسان طيب جدا في داخله عندما سألت عن هذه الخاصية بالذات لإني أفهمها بقراءتي للشخصيات وتأكدت منها بالسؤال وتحليل الشخصية يؤكد ذلك أيضا.

بقي شيء مهم من قراءتي لتلك الشخصية فتوفيق كما علمت هو أكبر أبناء عائلته وهو يتمتع بالمسؤولية غير المجازفة ويتمتع بالحنو علي الآخرين والعدل والتسامح إذا ما ربطنا ذلك مع خاصية الرياضي المبني أساسا علي المرونة والقوة في المواجهة عند العمل أو التصدي لإنجاز المهمات هذه الشخصية لن تخذل ولن تخون أو تتآمر بل هذه الشخصية تواجه وتصارح وتخلص لمن يحترمها ولا تؤذي ولا تحقد هذا تحليلي لتلك الشخصية التي يحملها القائد توفيق.

القائد توفيق مواجه وغير مخادع أو متلون وهي شخصية الأسد وليس الحرباء فالرياضي المثقف المسؤول وطفل العائلة الأول المخلص لا تخشي غدره حتي في الملمات.


 

د. طلال الشريف