من أهم قواعد الحرب الباردة بين الدول وخاصة الذي يستخدمها السياسيين المحنكين إذا صح التعبير . هي قواعد زراعة الأوهام ومهامها تحويل الأنظار عن الوقائع . وهذه زراعة الأوهام مشابهة تماما لزراعة الأهداف الوهمية المستخدمة في الحروب العسكرية وهدفها إستنزاف قوة العدوا في أراضي فارغة .
أذكر قبل سنوات حدثا حصل أمامي . عندما جاء شاب على مجموعة شباب من أصدقائه الموظفين فقرر أن يعمل فيهم مقلب "مازحا" فكانوا حينها ينتظرون الراتب . فقال لهم صديقهم إن الراتب الآن عبر البنوك . وإنصرف الشاب من المكان ومن ثم ذهبوا الشباب إلى البنك وإتصلوا على جميع أصدقائهم . وبلغوا من صادفوهم في الشارع أن الراتب عبر البنوك . ومن ثم تجمع كثير من الشباب على باب البنك . ومن ثم قامت البلد ولم تقعد والحاضر علم الغائب بأن الراتب عبر البنك . وعندما خرج أحد موظفين البنك وبلغ الشباب بأنه لا يوجد راتب في البنك . حينها أدرك الشباب بأن صديقهم الشاب ضحك عليهم وكان يسلي وقته معهم ليس أكثر .
ها هي صفقة القرن عبارة عن وهم المراد منها تحويل الأنظار عن القضايا الرئيسية التي من المفترض أن تشغل عقول الساسة العرب . وهي لا تختلف عن كذبة الشاب على أصدقائه بهدف المزاح . ولكن صفقة القرن ليس مزاحا . بل إن الهدف منها تشتيت الأنظار والأفكار من حول القضية المركزية للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة .
ومن أهم معالم الوقاحة التي يتحلى بها ترامب أنه لا زال مصرا على صفقة القرن بعد أن كشف القناع عن وجهه . وأعلن أن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية . فكان ترامب صريحا مع العرب حين أعطى اليهود الحق في القدس وجعل من هذه الجريمة أرض خصبة يقف عليها ليتحدث عن السلام وصفقة القرن .
أصبحت صفقة القرن الوهمية متاحة على جميع وسائل الإعلام . وهي تحمل في مجملها تبادل أراضي ليس أكثر . والغريب في الأمر أن شبه جزيرة سيناء هي جزء من الأراضي المراد منها التبادل . والأغرب من ذلك أنها بتمويل من السعودية والخليج بشكل عام . فهل مصر ستوافق على أن تعطي الفلسطينيين أرض سيناء ؟ طبعا لا . وهل السعودية لها مصلحة بتمرير صفقة القرن ؟ نعم أكيد . لأن السعودية حريصة على تمرير مشاريع أمريكية وتمويلها بموجب إتفاق وميثاق بينها وبين الولايات المتحدة . وجوهر هذا الميثاق أن أمريكيا تتكفل بحماية المملكة السعودية من الزحف الإيراني الشيعي . وذلك مقابل مليارات السعودية التي تدعم مشاريع الولايات المتحدة في المنطقة العربية .
تسمية صفقة القرن بهذا الإسم هي نتيجة الوقاحة التي يتحلى بها ترامب . وكأنه يقول للعرب إحذروا أن تفوتوا الفرصة إنها فرصة القرن التي لا تتعوض . ولا تحلموا بالقدس لأنني قررت أن تكون لليهود . فعليكم القبول بصفقة القرن والفرصة الذهبية .
ما لفت نظري اليوم في تصريح عبر وسائل الإعلام للدكتور "جمال محسين" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أنه يطلب من الأشقاء المصريين عدم القبول بصفقة القرن . ويطلب عدم إعطائنا أراضي في شبه جزيرة سيناء مقابل فلسطين التاريخية . وكأن الدكتور جمال محسين يقول للعالم أن مصر هي صاحبة القرار في الموافقة على صفقة القرن . وأنه في حال وافقت مصر ستكون الصفقة حيز التنفيذ بعيدا عن الموافقة الفلسطينية . فهاذا خطأ شائع يرتكبه الساسة العرب وهو خلط الأوراق وعدم تحديد الصلاحيات .
ستبقى صفقة القرن عبارة عن وهم . الهدف منها تشتيت الفكر السياسي العربي والهدف السامي وتوجيهه نحو المجهول . وأيضا تسويق الولايات المتحدة كراعي للسلام في المجتمع العربي .
الكاتب الصحفي : أشرف صالح