الإحتلال بعدوانه المستمر والمتواصل على شعبنا الفلسطيني،وسرقته ونهبه لأرضنا،لم يترك لنا أي خيار،سوى خيار المقاومة،فأوسلو مضى عليه خمسة وعشرين عاماً،والإحتلال يواصل بكائياته ومظلوميته عن ما تعرض له اليهود على يد النازية "الهولوكست"،وكل عمل يطال أي يهودي في العالم،او أي إنتقاد او أي مقاطعة لمنتوجات وبضائع مستوطناته او مؤسساته الأكاديمية وغيرها،أو سحب الإستثمارات ووقف عمل الشركات العاملة في مستوطناته المزروعة في الضفة الغربية المحتلة،يُشهر في وجه القائمين عليها سيف اللا سامية،وتجري محاربتهم والدعوة الى إقالتهم او محاكمتهم. واسرائيل التي تعودت على هذه النغمة وترداد هذه الإسطوانة المشروخة،في ظل حالة غير مسبوقة من تعفن النظام الرسمي العربي،وإنتقال البعض منه لتطبيع وشرعنة علاقاته مع دولة الإحتلال،وحرف الصراع عن أسسه وقاعدته من صراع عربي- اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع إسلامي- إسلامي مذهبي( سني- شيعي)،واعتبار ايران "العدو" المركزي للأمة العربية،وهي من تهدد امنها وإستقرارها،وامن المنطقة،وبلوغ الطغيان الأمريكي بالمشاركة المباشرة في العدوان على شعبنا،من خلال تصهين الإدارة الأمريكية والمزاودة على صهاينة الحكومة الإسرائيلية في الإخلاص لما يسمى بالأباء المؤسسين للحركة الصهيونية،حيث قبل شهرين،والإنتظار لما يسمى بصفقة القرن،التي كانت دول ما يسمى بمحور الإعتدال العربي " الإعتلال" تروج للإدارة الأمريكية بانها ستجلب لشعب فلسطين العسل واللبن،ليتمخض الجبل،ولا يلد فأراً،بل فئيراً،حيث بدات ملامح تلك الصفقة على شكل صفعة عصر غير مسبوقة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، بدأها المتصهين ترامب بإعلان القدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال،ومن ثم الشروع في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس واعتبار ذلك حق "سيادي" لأمريكا،وكأن القدس قطعة أرض امريكية،ولتستعر الحملة الأمريكية على شعبنا الفلسطيني ومقاومته وقيادته،بعد الرفض الأمريكي لقرارات ترامب وإدارته،حيث سعت الإدارة الأمريكية الى إلغاء وجود وكالة الغوث واللاجئين" الأونروا"، الشاهد الوحيد على جرائم الإحتلال يحق شعبنا وأرضنا،ومن ثم منع توريث صفة اللاجىء،من أجل إسقاط حق العودة،ولتصل الوقاحة ذروتها بإعلان المبعوث الأمريكي للمنطقة والمفاوضات المتطرف جيسون غرينبلات،بأن صفقة القرن ذات بعد إقليمي والطرف الفلسطيني،ليس مقرراً فيها،وبان الإرتباط التاريخي ما بين اليهود والقدس لا جدال فيه،ومن بعد ذلك يتم وضع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على لائحة الإرهاب.
هذا الصلف والعنجهية الأمريكية فتحت شهية الإحتلال،لكي يقدم على خطوات وقرارات وتشريعات متطرفة وعنصرية،تمكنها من التهويد الكامل لمدينة القدس،وإبتلاع اكبر قدر من أراضي الضفة الغربية،فكانت قرارات وتشريعات ما يسمى ب "القدس الموحدة" و" القدس الكبرى"،وفرض الحكم العسكري على القرى المقدسية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري،وتطبيق القوانين والسيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية،ناهيك عن طغيان القمع والتنكيل بشعبنا.
امام كل هذه العربدة والطغيان والبلطجة الأمريكية – الإسرائيلية اللتان تريدان لشعبنا ان يرفع راية الإستسلام،والإستجابة لكل شروطهما وإملاءاتهما،ورغم رداءة المرحلة وقساوتها،وتواطؤ القريب قبل الغريب على قضيتنا وقدسنا،كان شعبنا ومقاومتنا يقولون،كما قال حكيم الثورة د.جورح حبش،هذا الصراع مع المحتل قد يمتد لمئة عام،وعلى قصار النفس ان يتنحو جانباً،نعم صراع مستمر مع محتل،يريد تصفية قضيتنا بالكامل،ولا يريد لشعبنا ان ينال حريته وإستقلاله كباقي شعوب العالم،يريد ان يجرم مقاومته ونضالاته،ويجعل إحتلاله لأرضنا مخلداً.
الإحتلال توهم بأن الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها،وتعفن النظام الرسمي العربي " وإندلاقه" لتطبيع وشرعنة علاقاته معه وتعطل الإرادة الدولية وإنشغالها في ملفات اخرى لها الأولوية على قضيتنا الفلسطينية،مع دعم امريكي مطلق له،توفر له الفرصة الذهبية لشطب قضيتنا الفلسطينية بالكامل،ولكن هذا الشعب وهذه المقاومة،التي أفشلت الكثير من المشاريع التي إستهدفت القضية الفلسطينية بالتصفية،هبت لتدافع عن وجودها وبقاءها وحقوقها وثوابتها،وكان شعارها الناظم ما قاله القائد الفلسطيني الشهيد أبا علي اياد "نموت واقفين ولن نركع" وصفقة القرن لن تمر إلا على جثثنا،وجاءت عملية الشهيد احمد جرار ورفاقه ضد احد الحاخامات المستوطنين،لكي تشعل فتيل طور جديد من انتفاضة شعبية فلسطينية مستمرة،كرد مباشر على صفقة القرن "صفعة العصر" والعدوان الأمريكي المباشر على مدينة القدس،وليستنفر الإحتلال جيشه ومخابراته وشرطته وقناصته ووحداته المختارة،ولتطارد دولة مقاوم فلسطيني واحد،وتقضي شهراً كاملاً قبل أن تنال منه،ودولة الإحتلال واجهزته الأمنية والعسكرية،هدفها ليس فقط تصفية الشهيد جرار كمقاوم،بل ما تريده عدم السماح بتجذر وترسخ خيار ونهج المقاومة بين أبناء شعبنا،فعملية الشهيد جرار فتحت الطريق نحو عمليات أخرى،حيث جرى قتل حاخام آخر طعناً على يد شاب فلسطيني،ولتكن سلسلة من المواجهات والإشتباكات الشعبية والجماهيرية مع جيش الإحتلال،وتوالي عمليات الطعن وسقوط الشهداء في نابلس وحلحول.
الإحتلال بإغتياله للشهيد احمد جرار...الذي استنفر امكانيات دولة كاملة لمطارته وملاحقته من مخابرات وجيش وشرطة وقناصة ووحدات خاصة..ومستوى سياسي وعسكري وامني،يثبت مدى الرعب الذي تعيشه هذه الدولة من وجود مقاومين من أمثال جرار وغيره،فالإحتلال يريد بإغتياله لجرار،ان يقول لشعبنا ولفصائلنا بأن نهج وخيار المقاومة لم يجد نفعاً،ومن خلاله لن تحصلوا على أي شيء،يريدون ان يوصلوا شعبنا الى حالة من اليأس...ولكن الإحتلال،بأعماله هذه يراكم المزيد من الغضب والحقد الفلسطيني،فهذا الشعب سيستمر في المقاومة ما دامت عوامل الصراع قائمة ومستمرة،شعبنا لا يريد الحروب والقتل والدمار،ولكن من المستحيل ان يتخلى عن حقوقه..وأن يستمر الإحتلال جاثم على صدره،يقتل فيه روح الحياة والأمل والحرية،ولعل تصدر صورة الشهيد جرار للكثير من صفحات التواصل الإجتماعي ،والتعليقات حولها التي تشيد بنهجه وخياره،تؤكد بان شعبنا الفلسطيني الذي اغلق المحتل في وجه كل الخيارات من اجل نيل حريته وإستقلاله،يدفعه نحو خيار المقاومة...فقطار وماراثون التفاوض العبثي،لم يقوده سوى نحو ضياع أرضه وحقوقه،ولذلك نجد انه وقف ويقف الى جانب الخيار الذي اختاره الشهيد جرار وغيره من شهداء شعبنا الفلسطيني.
بقلم/ راسم عبيدات