المطبلين للحرب ...ليسوا عارفين بالسياسة !

بقلم: وفيق زنداح

كثير ما نسمع ...ونشاهد ...ويقوم البعض بالتصريح على قاعدة الاستهلاك المحلي ....ودغدغة العواطف ..... ومحاولة الايهام أننا هنا ..... لإشعار الرأي العام ..... أن هناك دراسة للموقف .....والتي تولد جدية حقيقية ..... ما بعد دراسة سياسية وتوازنات دولية ....واقليمية ..... أدت بنتيجتها النهائية علي احتمالية الحرب ....وامكانية قدومها ....في ظل بعض التوتر الحادث على الحدود الشمالية والجنوبية ..... أو بعض الأحداث الطارئة والاستثنائية ....والتي لا تعبر عن استراتيجية حقيقية للمواجهة المفتوحة والشاملة .
أنا لا أقلل من امكانية نشوب مواجهات هنا ....وهناك .... وان كنت لا أتمني.... فالحرب نتائجها كارثية ..... لكنها اذا ما تم فرضها .... فلا مجال الا المواجهة ....والدفاع عن النفس ..... أمام عدو لا يعرف الا لغة القوة .
ما حدث أخيرا على الجبهة الشمالية ..... والحديث الذي طال حول امكانية نشوب مواجهة شاملة .... أمرا مستبعد ا.... بل مستحيلا..... في ظل الظروف الموضوعية والذاتية ولأسباب عديدة ....أتطرق الي البعض منها ...
أولا : المطبلين للحرب ....هم أكثر الناس رغبة بالهدوء والتهدئة ..... ويحاولون كسب المواقف .... دون أدني فعل قادر على الفعل الملموس ...... وتحقيق خطوة متقدمة .... على واقع الأرض ..... لاعتبارات عديدة ..... لها علاقة بموازين القوي ..... كما لها علاقة بالظروف السياسية التي تمر بها المنطقة ..... كما لاعتبارات لها علاقة بالقوي التي تعمل على واقع الأرض ....وبالميدان .... والتي لا يمكن تجاوز حساباتها السياسية والامنية ..... من الجهة السورية الايرانية .... وحزب الله .... وروسيا الاتحادية .... كما الجهة الأخري .... ذات العلاقة المباشرة باسرائيل ....وأمريكا وتركيا .
ثانيا : الجبهة الشمالية لا تختصر بجبهة الجولان السورية ..... ولكنها ذات علاقة بجبهة الجنوب اللبناني ...... ومدي التداخل الحاصل بطبيعة القوي المتحالفة ..... على الارض السورية .... كما الأرض اللبنانية .
هذا اذا ما تم اضافة قوي الارهاب .... وما يسمي بالمعارضة ....والداعمين لهم .... من تركيا وقطر والتنظيم الدولي للاخوان ..... أي أن أي مواجهة ستكون بين العديد من القوي ....وبطبيعة الحال اسرائيل على رأسها ..... وما يمكن أن يخلط الكثير من الأوراق ويخرب الكثير من المشروعات الجاري التشاور فيها ..... والبحث عن مخارجها ........ ولن ننسي بعض المواقف العربية والدولية التي لا تؤيد مثل هذه المواجهات .
ثالثا: ايران وحزب الله اللبناني ...ودعمهم لسوريا وجيشها العربي والذي أثبت قدرة وقوة .... لا يستهان بها ..... في ظل أسلحة يمتلكها ....ولم يستخدم الكثير منها ..... والتي لو استخدم البعض منها ....لن يكون بامكان اسرائيل أن تقوم بطلعاتها الجوية وضربها للمواقع السورية ..... ولن يتوقف الأمر عند سقوط طائرة اسرائيلية.....بل ربما تصل الأمور الي تدمير أجزاء كبيرة ومن مدن كبري ...... ومن مطارات ومواني واحداث خسائر فادحة ....لم تكن بحسبان دولة الكيان التي عليها أن تدعم الحكم المتوازن في سوريا ..... برئاسة بشار الأسد .... والذي لو تغير لشهدت الأراضي السورية ..... حروبا طائفية داخلية ..... وحروبا بالوكالة .....لن يعرف فيها العدو من الصديق .
رابعا: احتمالية اشتعال الجبهة الشمالية يجب أن تكون احتمالية بعيدة المدي ...فلا مصلحة لاسرائيل بها .... ولا مصلحة لسوريا بها ....وبالتالي لا مصلحة لايران وحزب الله بها ..... والأهم لا مصلحة لروسيا بكل قواعدها وقواتها المتواجدة على الارض السورية ....والمتحالفة مع الدولة السورية بحالة نشوب حرب ومواجهة .... في ظل أولوية المواجهة .... للجماعات الارهابية داخل الأرض السورية .
خامسا : سوريا تحتاج بعد انتهاء حربها الداخلية ..... والقضاء على قوي الشر بداخلها الي اعادة عملية بناء واعمار..... لمدنها المنتشرة على طول وعرض هذا البلد الشقيق والذي يحتاج الي جهد دولي ..... تقوده روسيا الاتحادية لأجل اعادة سوريا ...... الي حضنها العربي ....والي دورها القومي ..... وحتى يتم استعادة مقومات القوة للجيش العربي السوري ... وحتى عودة المهجرين لأرضهم ومدنهم .
سادسا : بخصوص الجبهة الجنوبية ..... والمحددة بقطاع غزة غير المؤهل للمواجهة العملية .... ليس قصورا .... أو تراجعا ..... أو تهاونا ..... أو استسلاما ...... وانما بحكم دراسة موضوعية .....لطبيعة الجبهة الداخلية .... وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية .... وحالة الانقسام السياسي ..... التي لا زالت تتأرجح ..... ومدي صعوبة الظروف المعيشية ...وارتفاع مستوي البطالة ...... ومستوي الفقر..... وتدني مستوي الأجور ..... وأزمات الحالة الصحية والاجتماعية ..... والنقص الحاد بالخدمات ...وقرب انهيار البنية التحتية ....وعدم صلاحية غزة للعيش فيها ...... وتوفير متطلبات حياة كريمة .... كل هذا وغيره من الأسباب والعوامل .... التي يعرفها الجميع .....لا تؤهل غزة .... لحرب قادمة ..... الا بحالة واحدة..... اذا ما كانت في حالة دفاع عن النفس .....ولا يوجد بديلا الا أن ندافع عن أنفسنا ..... وأن نوقع الخسائر بعدونا ..... وأن نثبت له أن مقاومة الضعفاء الذين يعانون .....لا تقل بقوتها وشراستها ..... عن مقاومة الاقوياء .
سابعا : ما يزيد من الأسباب والعوامل التي لا تساعد على قيام حرب جديدة .... أو حتى مواجهة محدودة شمالا وجنوبا ..... ما يجري بصحراء سيناء ....من عملية شاملة للجيش المصري الباسل ..... ضد أوكار الارهاب .... ومخازنه ....ومستلزماته ...... وخطوط امداده ..... وما يجري من خسائر فادحة بحسب الناطق العسكري في بيانه الرابع ..... حول مجمل الخسائر .... التي تحققت والتي أدت الي تدمير 66 هدف للإرهابيين ....وقتل العشرات من التكفيريين ....وتفجير مخزن للعبوات الناسفة....والقاء القبض على العشرات ....كما الاستيلاء على العديد من العبوات الناسفة ..... والعديد من سيارات الدفع الرباعي ....والدراجات النارية ..... كما تم تدمير مركز للاعلام لجماعات الارهاب ...... ولا زالت العملية مستمرة وشاملة ..... وبكافة أنواع الأسلحة ..... وعلى كافة المحاور....وفي كافة اماكن الحدود .... للقضاء على الارهاب بصورة كاملة وشاملة .
ثامنا : رسالة من سيناء ..... وعلى لسان جنود مصر البواسل .... ومدي اصرارهم على دحر الارهاب والقضاء عليه ...... والاستشهاد من أجل مصر وأرضها وطهارتها.... وتطهيرها من كافة العناصر الدخيلة ...والتكفيرية ...انما يؤكد على رسالة قوية .....استمعنا اليها ....وشاهدنا صورها ..... مما أثلج صدورنا .....وزاد من فخرنا واعتزازنا بجنود مصر البواسل ..... وأجهزتها السيادية ..... المستمرة باداء مهامها .... وعملياتها الشاملة والمستمرة .
تاسعا : الحالة الدولية لا تساعد على نشوب حرب بالمنطقة .... سواء الاوضاع الامريكية أو الاوروبية وحتي روسيا الاتحادية باعتبارها لاعبا رئيسيا بالمنطقة ....وخاصة على الساحة السورية ....والتي لا يمكن أن تقبل بأي عدوان اسرائيلي على سوريا ..... كما لا يمكن أن تقبل بتدمير السلاح وقواعد الصواريخ ..... والتي بأساسها .... صناعة روسية .
عاشرا :رغم استبعاد امكانية نشوب حرب على الجبهة الشمالية سوريا ولبنان ....وعلى الجبهة الجنوبية قطاع غزة لاعتبارات اقليمية ودولية ..... كما لاعتبارات داخلية ..... ذات علاقة بسوريا ولبنان وقطاع غزة .....الا أن هذا لا يعني أن هناك من يدفعون ..... ومن يحاولون ومن يتصيدون ....لأجل نشوب مثل هذه الحرب ..... لعل وعسي تخلط الأوراق ....ويتأخر تنفيذ المهام والمسئوليات ..... وتعود كافة الأطراف الي نقطة الصفر .....والأهم أن تعود قوي الارهاب لسوريا .....كما قوي الارهاب لسيناء .... كما قوي الارهاب للعراق ..... وما يمكن ان يحدثه من تأثير مباشر وغير مباشر ..... على الأوضاع بالأردن ..... في ظل تحرك تركي بشمال سوريا ....لاحتلال الجزء الشمالي منها ....كما التحرك التركي لشمال العراق لاحتلال الجزء الشمالي منه ..... كما محاولات تركيا المعارضة لترسيم الحدود .... في البحر المتوسط ما بين مصر وقبرص استغلالا لأوضاع اقليمية .....ومحاولة لارجاع مجد قديم ....لأطماع عثمانية أكل الدهر عليها وشرب .
المطبلين للحرب ..... لا يعرفون بالسياسة ومعادلاتها .....دهاليزها ومصالحها ..... ولا يفرقون ما بين الظاهر.... والخفي فيها ..... حتى وان كانت العناوين جاذبة للبعض منهم .... الا أنها بداخلها ألغام يمكن أن تتفجر فينا .
قد يصعب فهم معادلات السياسة الاقليمية والدولية ....لمن يطبلون للحرب ..... ولمن يحاولون أن يبرزوا فرحتهم لقدومها .... ولكنهم بالتأكيد غير راغبين بها ...لمعرفتهم بنتائجها ....وما يمكن أن تحدثه من دمار وخراب ..... وقتل للأبرياء .
بالنهاية ...... دولة الكيان وعبر قادتها العسكريين والسياسيين ..... وحتى ما بعد سقوط طائرتهم العسكرية ....وما أصابهم من دهشة وحسرة ..... لم يعتادوا عليها ....يعرفون علم اليقين ... ان سقوط الطائرات الاسرائيلية سيصبح عادة مكررة .....وأن البلدات الاسرائيلية ستتعرض لقصف صاروخي .....وأن اهالي الشمال والوسط .....وحتى الجنوب ....سيبقون في مخابئهم ....فالحرب ليست لعبة من طرف واحد..... بل أطرافها متعددة ....وخسائرها متبادلة ..... وبالنسبة لنا اذا ما فرضت علينا.... فلن نخسر أكثر مما نخسر الان ...... ولكن ربما سنكسب المزيد .
هكذا السياسة ومعادلاتها ..... والتي يصعب فهمها أحيانا .
الكاتب : وفيق زنداح