جيد أن يتحزم الفلسطينيون برفض ما يتنافي أو يتجاوز حقوقهم ولو إستعرضنا مسيرة السياسة الفلسطينية منذ قرار الجمعية العامة 181. كمحطة للتقسيم و.يا ريتهم قسموا أو "كسموا" تتراءي لنا المشاهد بوضوح بأن الشعب الفلسطيني كان دائما يتصدي بالرفض لكل ما ينقص من حقوقه وأسقط في العام 1952 مشروع التوطين وأعاد الفلسطينيون صنفرة الهوية الوطنية وتجميع جزيئاتها مع إنطلاق منظمة التحرير الفلسطينية كحاضنة تجمع الفلسطينيين يمارسون من خلالها مهماتهم النضالية ويطورون ثقافتهم الجامعة وما تبقي من أراضي غير محتلة يقيمون عليها في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مخيمات الشتات لتبدأ أيضا رحلة المشاريع المتفرعة من المشروع الصهيوني لمنع و إحباط كل نشاط فلسطيني لتجميع عناصر القوة للهوية والمشروع الوطني الذي حمل أولا العودة وليس حق العودة للاجئين لديارهم الأصلية وفي العام 1967 حدثت الطامة الكبري للفلسطينيين بإحتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية ولكن سرعان ما إنتبه الفلسطينيون للوضع الجديد الصعب الذي زاد من تمزيق هويتهم وباعد عودتهم لأراضيهم فإنطلقت مرحلة فتية من النضال الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج وقويت منظمة التحرير وإزداد عدد فصائلها وتقديم الدعم والتأييد لها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني وترعرعت الهوية الوطنية بشكل أقوي مما سبق وفي كل مرحلة كان هناك مشاريع كثيرة للتسوية ومبادرات عديدة تحاول حل الصراع العربي الاسرائيلي كان أهمها علي الإطلاق مبادرة الرئيس السادات التي رفضها ياسر عرفات وغالبية ساحقة من الفلسطينيين وتشابكت أحداث المنطقة ووقعت اتفاقيات سلام بين دول عربية مركزية في الصراع وشعر بعض الفلسطينيون بأن كان عليهم القبول بمبادرة السادات بعد أن تفرغ الاسرائيليون لملاحقة م.ت.ف وكل عنصر قوة في الموقف الفلسطيني ودفع الفلسطينيون ثمنا كبيرا علي الصعيد السياسي والأمني والإقتصادي وتنقلت الثورة بعد محاصرتها من دولة إلي أخري حتي إضطر ياسر عرفات و م.ت.ف من الدخول في إتفاق أوسلو وهي في حالة ضعف فارقة كثيرا عن لو ذهبت مع السادات في كامب ديفيد الأولي وإستقدمت م.ت.ف لقطاع غزة والضفة الغربية في سلطة أوسلو وبدأت السيطرة الإسرائيلية المهيمنة لتفريغ المشروع الوطني الفلسطيني من محتواه ونجحت في تصفية ياسر عرفات حين أراد المواجهة المطلوبة للحفاظ علي المشروع الوطني والهوية الفلسطينية وضعفت السلطة أمام إستحقاقات أوسلو الموقعة عليها وإستمر الاحتلال في التملص من إلتزاماته ببساطة لأن إسرائيل هي المسيطرة علي كل الحالة الفلسطينية الإقتصادية والأمنية والسيطرة والسيادة علي الجغرافيا وإنكمش دور مّ.ت.ف وبقيت السلطة تحت الإحتواء الاسرائيلي الداخلي دون أفق منتظر للعرب لإنقاذ الحالة الفلسطينية من مأزقها ودخل كل العرب في مأزق الربيع العربي وهو أكبر من المأزق الفلسطيني مع الإسرائيليين وإنقسم الفلسطينيون بين حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية مما ضاعف المأزق الفلسطيني الآف الأضعاف لتبدأ إسرائيل بإدارة الانقسام بشيء بسيط وهو السيطرة والسيادة علي الجغرافيا والإقتصاد والأمن وإزداد الضعف الفلسطيني لعدم تحقق نتائج من نهج المفاوضات العبثية التي غطت علي الإستيطان حتي حوصر الفلسطينيون جميعا بكل أنواع الحصار والولايات المتحدة وإسرائيل تتابع تراجعات الحالة العربية والفلسطينية لتضرب ضربتها الأخيرة بحل نهائي تصفوي للقضية الفلسطينية وبالقطع بخسائر فلسطينية مصيرية فادحة فجاءوا بصفقة القرن التي لن يستطيع أحد الموافقة عليها ما دام أول قراراتها ضم القدس كعاصمة لدولة إسرائيل ولأننا لا نعرف ما تتضمنه صفقة ترامب فنحن نتوقف بالسرد عند الحالة التي شرحتها القيادة الفلسطينية عبر خطاب الرئيس في المجلس المركزي والتي هي بالقطع تعرف بنود الصفقة وإلا علام بني الرئيس موقفه من الولايات المتحدة وإستبعدها من التفرد بالرعاية للملف الفلسطيني الاسرائيلي وبدأ كما هو أوضح بالسعي لإيجاد رعاة آخرين للحلول مع إسرائيل .. إلي هنا نسأل لماذا لم يطلع الرئيس الشعب علي بنود الصفقة بوضوح؟ ولماذا يستمر الرئيس في محاصرة غزة ؟ ولماذا لم يطلع شعبنا علي مواقف الدول العربية ؟ ولماذا يستمر التنسيق الأمني مع الإحتلال ؟ والسؤال الكبير ماذا تنتظر القيادة لتطبيق قرارات أو توصيات المجلس المركزي علي الأرض ؟ ما هو مصير السلطة في حال طرحت صفقة القرن ؟
والسؤال الأكبر هل يذهب الشعب الفلسطيني في محنة أكبر من التشرد والهجرة في حال إتفق ترامب مع العرب علي تطبيق بنود الصفقة وماذا لدي القيادة من خطط لحماية الشعب الفلسطيني من القادم ؟
هذه التساؤلات ليس للتساوق مع الصفقة بل من باب الإجابة علي ما العمل بعد الرفض وما ستؤول إليه حال الفلسطينيين بالضبط وهذا يجب أن تجيب عليه القيادة بصراحة وتفصيل ولا يكفي الرفض فالإنسان عدو ما يجهل فلو عرف قد تتغير الصورة؟
د. طلال الشريف