روسيا تعترف بسقوط “مواطنيها” قتلى في غارة أمريكية في دير الزور.. فكيف سترد؟ وهل تتحول الحرب السورية الى عالمية بسبب الغاز أيضا؟ ولماذا لا نستبعد سيناريو أفغاني معكوسا في المنطقة يشكل مصيدة للامريكان؟
أنبوب الغاز القطري كان احد ابرز الأسباب التي أدت الى اشتعال الحرب في سورية قبل سبع سنوات، ومن غير المستبعد ان تتحول الى حرب عالمية ثالثة بسبب حقول الغاز والنفط في شرق الفرات، ومدينة دير الزور على وجه التحديد ايضا.
اربع طائرات سقطت في أجواء سورية في غضون أسبوع، الأولى إسرائيلية بصاروخ سوري روسي الصنع، والثانية روسية بصاروخ امريكي محمول على الكتف (آي باد)، والثالثة إيرانية (بدون طيار) اعترضتها صواريخ إسرائيلية، والرابعة تركية (مروحية) فوق ريف مدينة عفرين في شمال غرب سورية، وما زالت هوية الصاروخ الذي اسقطها موضع بحث وتدقيق.
الأجواء السورية تزدحم بطائرات من ست دول على الأقل، بينها قوتان عظميان، هما أمريكا وروسيا، بينما تجري على ارضها العديد من الحروب بالإنابة، أطرافها عربية ودولية، مما يؤشر الى وجود حرب باردة تزداد سخونتها يوما بعد يوم، وكل الاحتمالات واردة.
***
اليوم الخميس اعترفت الخارجية الروسية على لسان الحسناء ماريا زاخاروفا، المتحدثة بأسمها، بمقتل خمسة مواطنين روسي نتيجة غارات للطائرات والصواريخ الامريكية على مقاتلين موالين للدولة السورية شرق مدينة دير الزور، وترجح مصادر إقليمية انهم قد يكونوا من المتعاقدين العسكريين الذين يقاتلون الى جانب جماعات، او ميليشيات مسلحة، موالية للدولة السورية.
هذه هي المرة الأولى، ومنذ بدء الحرب في سورية التي يقتل فيها روس نتيجة لهجمات أمريكية مباشرة، وليس من قبل الفصائل السورية المسلحة المدعومة من واشنطن، الامر الذي قد تكون له تبعات غير محسوبة العواقب، تستدعي “انتقاما ما”، والروس يتحلون بضبط النفس ولا يقدمون على ردود فعل سريعة مباشرة.
السيدة زاخاروفا اضطرت للخروج الى الاعلام، بطلب من قيادتها طبعا، للرد على بعض التسريبات الصحافية الامريكية التي ضخمت عدد القتلى الروس، وكان ذلك واضحا من خلال نبرة صوتها عندما قالت العدد ليس 400 ولا 200، ولا 100، ولا حتى عشرة، العدد فقد خمسة فقط.
الخطورة لا تكمن هنا في العدد، وانما في السابقة، ومدلولاتها المستقبلية، وانعكاساتها على الحرب بالإنابة بين القوتين العظميين على الأراضي السورية، وهي حرب تتطور، وقد تتحول الى مواجهات وصدامات مباشرة فيما هو قادم من الأيام، نتيجة حدوث خطأ هنا او هناك، سواء كان عرضيا او مقصودا، فالنتيجة واحدة، وعلينا ان نتذكر ان الحرب الأولى اندلعت بسبب اغتيال ولي عهد النمسا.
هناك مؤشرات يمكن رصدها، تؤكد ان الولايات المتحدة الامريكية لا تريد سحب قواتها من سورية (2000 جندي) حتى بعد انتفاء الذريعة التي جاءوا من اجلها، وهي قتال “الدولة الإسلامية”، واكد اكثر من مسؤول امريكي بأنها باقية الى اجل غير مسمى، لمواجهة النفوذ الإيراني.
من النظريات المتداولة هذه الأيام في الأوساط الغربية، واحدة تقول ان الرئيس دونالد ترامب وقيادته العسكرية، يريدان تكرار السيناريو الافغاني فوق الأرض السورية، بحيث يتحول الاكراد، وقوات سورية الديمقراطية تحديدا المدعومة أمريكيا، الى جانب بعض الفصائل الإسلامية المتشددة الى “المجاهدين” الجدد”، الذين يتولون محاربة القوات الروسية على غرار ما فعله نظراؤهم الأفغان ضد القوات السوفييتية في مطلع الثمانيات من القرن الماضي.
لم يكن من قبيل الصدفة ان يتحدث الرئيس رجب طيب اردوغان عن “الصفعة العثمانية” التي لم يجربها الامريكان في رده على الجنرال الأمريكي بول فونك، الذي هدد بالرد بعدوانية الأسبوع الماضي في حالة تعرض قواته في سورية الى أي ضربات تركية، بينما ذهب السيد دولة بهشتلي، زعيم الحزب القومي التركي المتشدد، وحليف الحزب الحاكم الاوثق، عندما توعد في خطاب له في انطاليا الولايات المتحدة بمواجهة خمسة اضعاف ما واجهته في فيتنام، وهذه إشارة على درجة كبيرة من الأهمية قد تشي بما هو قادم.
السيد مولود جاويش اوغلو، وزير الخارجية التركي، وصف زيارة نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون الى انقرة اليوم التي ستستغرق بضعة ساعات فقط بأنها اما ستؤدي الى تحسين العلاقات بين البلدين او انهارها، والانهيار هو الأكثر ترجيحا، والجملة الأخيرة من عندياتنا.
لا نعتقد ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيسمح بتكرار السيناريو الافغاني في سورية، والتضحية بالانجاز الكبير الذي حققه على ارضها منذ تدخله العسكري عام 2015، ودفع ثمنه دما ومليارات الدولارات، مضافا الى ذلك انه يقود تحالفا قويا يضم قوى إقليمية عظمى مثل ايران وتركيا و”حزب الله” في لبنان، الى جانب سورية ومعظم العراق، ووجود قواته في سورية يتسم بالشرعية لانه بناء على طلب من الدولة، على عكس التواجد الأمريكي الذي جاء تسللا، ولا يحظى بأي غطاء شرعي، مثلما تؤكد الادبيات السورية والروسية دائما.
***
دعونا نعكس هذا السيناريو الافغاني الذي يكثر الحديث عنه هذه الأيام، ونقول ان الولايات المتحدة هي التي سقطت في مصيدته هذه المرة، وانها قد تدفع ثمنا غاليا ومهينا من جرائه في سورية والعراق، حيث يوجد لها اكثر من ثمانية آلاف جندي الى جانب رهط من المتعاقدين العسكريين.
أمريكا التي فشل مشروعها في اطاحة النظام في سورية، على غرار ليبيا وقبلها العراق، باتت مكروهة في معظم دول المنطقة باستثناء الاكراد حلفائها الجدد، والإسرائيليين حلفائها القدامى، واذا انتهت زيارة تيلرسون الى انقرة بالفشل، وانهيار التحالف التركي الأمريكي الذي استمر سبعين عاما، فان قمة إسطنبول الثلاثية (بوتين، روحاني، اردوغان) قد تؤسس لبداية انطلاق مقاومة ضد قواتها، وربما ضد حلفائها في المنطقة أيضا.
قرقعة طبول الحرب في المنطقة تتعالى وتطغى على كل ما غيرها، ونحن لا نتحدث هنا عن السلام ومشاريعه التي جرى قبرها أمريكا، والأيام والاسابيع المقبلة حبلى بالمفاجآت التي قد تتواضع امامها مفاجأة اسقاط الطائرة الإسرائيلية “اف 16″، وليس لدينا ما نضيفه في هذا المضمار، وما علينا الا الانتظار، على ارضية التفاؤل بالنتائج.
عبد الباري عطوان/ رأي اليوم