بسام الأقرع ونظرة والوداع الأخيرة

بقلم: سامي إبراهيم فودة

حتى الموت المفجع في غزة أصبح لا يمكن أن تقام طقوسه دون أن تجد له عراقيل وعوائق من صنع سماسرة الوطن وتجار لصوصه,هؤلاء مصاصين دماء الأطفال وسارقين أحلام الملايين وخاطفين الابتسامة المرسومة على شفاه الأيتام والمحرومين,كل شيئا فقدناه ولم يعد لنا أحلام حتى الوطن الذي كان يستباح ضاع,فماذا تبقى لنا أمام صمت شواهد القبور وساكنين أبراج العاج والقصور,أعزيكم وأعزي نفسي بأمة قادتها ذبحت شعبها من الوريد إلى الوريد...
كنت أتصفح على مواقع السوشيال ميديا وفجأة وبدون سابق إنذار تسمرت عيناي على وقع خبر مؤلم ومفجع تعتصر له القلوب وتدمع له المقل وصرت في حيرة من أمري ولم اصدق من هول الصدمة وفاجعة الخبر التي ضجت مضاجعي وانتزعت ابتسامتي وهزت كياني وشوشت أفكاري ورجفت له كل خلجات أنفاسي وحواس أركاني وهمست في ذاتي قائلاً قدر الله ما شاء فعل يا لها من دنيا فانية ذاهبة لا يبقى إلا وجه الأنام الواحد الأحد القاهر الصمد,هي تلك الصورة البهية التي أعرف صاحبها ولم تفارقني أكثر من ثلاثين عاماً ونيف لصورة أحد الأصدقاء المناضلين الصناديد الذي يحمل في داخله نزق الثوار الرفيق الثائر المناضل والمارد المتمرد والناشط الحقوقي البارز في مجال حقوق الإنسان والأسير المحرر ومدير وحدة التدريب في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان انه المناضل الفلسطيني القدير المرحوم / بسام الأقرع صاحب الأخلاق الحميدة والسمعة الطيبة والسيرة العطرة والابتسامة الساحرة التي لا تفارق محياة..
عندما سللت قلمي لأكتب بمداد سائل حبري اجتاحني البرد في تلك اللحظات وتمدد داخلي وتجمدت أطرافي وتوقف وريد الكلمات مذهولة أمام المصاب الجلل وقد طأطأ رأس قلمي وانحنى إجلالاً وإكباراً على رحيل فقيدنا الكبير وصديقنا الحبيب/ بسام الأقرع"أبو علي"ماذا أقول في يوم ترجل فيه الفارس الثائر عن صهوة جواده صاحب المواقف الشجاعة والنبيلة والإنسانية والحس المرهف,الرجل الهادئ الوسيم المبتسم صاحب القلب الأبيض الكبير الصادق في انتماءه والمخلص لوطنه عن عالمنا ولكن لم ترحل ذكرياته الجميلة وسيرته العطرة وستبقي ذكراك خالدة في وجداننا إلى الأبد,
لقد عرفته منذ كنت في ريعان شبابي في مخيم جباليا في فترة الثمانينات عندما كنت لاعباً في فريق الصقر نأتي إلى ساحة شعبية والتي كانت تسمى يومها بالمنتزه وقد حل مكانه سوق المخيم حالياً,فكان العديد من الفرق الرياضية من خارج المخيم وداخلة تشارك في بطولات كرة القدم يطلق عليها أسماء الشهداء ومن الفرق التي كانت تشارك في هذه البطولات/ فريق الصقر- الطليعة- الفاخورة والسكة الرياضي- الوحدة الرياضي- العمل الرياضي - التعاون الرياضي- النجوم جباليا البلد الرياضي- فريق بيت لاهيا محمود البدي- فريق بيت حانون- فريق الهدف الرياضي- فريق أهلي جباليا- فريق تل الزعتر- فكان في أوائل التسعينات مدرب خدمات جباليا ومعه اللاعب الرياضي نافذ رزق ومن أصدقائه في الملاعب/ طلال أبو الفحم - جبر قرموط - محمد الحجار- مجدي النجار-عادل صافي- بشير إسماعيل- جمال سرحان ورفيق الحملاوي وكثير من الأسماء الموقرة لهم كل احترام,فكان رجل مناضل وشعلة في العطاء ومٌنظر تنظيمي ومثقف سياسي وناشط رياضي ومن كوادر الجبهة الشعبية,ومدافعاً عن حقوق شعبه وقضيته العادلة وله بصمات بارزة في فضح العدو الصهيوني وكشف اللثام عن وجه القبيح,كما تعرض للاعتقال عدة مرات في غياهب السجون الإسرائيلية ولم يتوقف عن مواصلة نضاله ضد الظلم والاضطهاد والاحتلال الاستعماري لفلسطين...
وتم إلقاء نظرة الوداع الأخيرة في مخيم جباليا على جثمان الراحل بسام الأقرع والأبواب الالكترونية موصدة ومعبر رفح مغلق والذي يفصل مصر عن غزة وقد حال دون تمكن زوجته الكاتبة والشاعرة والصحافية دنيا الأمل إسماعيل من الوصول إلى غزة مع ابنتها التي ذهبت لمصر من اجل استكمال إجراءات التحاقها في كلية الطب ورغم كل المناشدات من اجل العودة يبدوا أن ضمائرهم قد جفت ولم تجد آذان صاغية لها من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمان رفيق عمرها وشريك حياتها قبل مواراثه الثرى والذي وافته المنية مساء الخميس الموافق 15 / 2 / 2018م إثر نوبة قلبية مفاجئة,حيث شارك في مراسم تشييع جنازته المهيبة ألاف المشيعين في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة بعد صلاة الجمعة من مسجد العودة الموافق 16/2/2018م ليوارى الثري إلى مثواه الأخير في مقبرة الفالوجا.
أتقدم باسمي وباسم آل فودة الكرام في الوطن والشتات عائلتي الكرام بخالص العزاء وصادق المواساة لعائلة الفقيد وحرمة الكاتبة الإعلامية / دينا الأمل إسماعيل
راجيا المولي أن يلهم أهل وذويه الصبر والسلوان ويسكن الفقيد واسع رحمته
إنا لله وإنا إليه راجعون.. البقاء لله ..


بقلم الكاتب// سامي إبراهيم فودة