غزة ... موت بطيء ... وحلم الانقاذ !!!

بقلم: وفيق زنداح

الان وقد وصلت اوضاع غزة الى اخر ما يمكن ان تصل اليه ... من ازمات وكوارث ومصاعب حياتيه وانسانية ... في ظل تدني مستوى الخدمات ... الى الحد الذي لا يوصف من كهرباء ومياه ملوثة وغير صالحة للاستخدام الادمي ... الى بطالة تصل الى اكثر من 65 % ... وبذات النسبة وصول الناس الى معدل فقر بذات النسبة ... في ظل بطالة بالالاف من الخريجين الجامعيين ... وفي ظل اوضاع تجارية تنهار بصورة متسارعه ... وفي ظل افلاس مالي وشيكات مرتجعة ... واغلاق للمحال التجارية والمصانع والورش بأعداد تزداد يوما بعد يوم ... ومن مزروعات وانتاج زراعي لا تتوفر قدرة الشراء لدى الناس .
اسواق شبه خاليه من المارة .. واصحاب محلات لا يجدون ما يمكن ان يغطي التزاماتهم .
غزة من الصحة ورعايتها المفقودة ... الى الحالة الاجتماعيه ورعايتها الغائبة ... الى الحالة الانسانية والمتابعه المغيبة ايضا ... أي ان التقارير الدولية التي تتحدث عن غزة وعن اوضاعها قد اقتربت من تأكيد احصائياتها وتوقعاتها حول النتائج التي يمكن ان تصل اليها .
غزة وظروفها ... احوالها .. امكانية الحياة فيها ... ازدياد مصاعب سكانها ... مسألة لا نقاش فيها .... لكن مثل هذا الحديث والذي اوصلنا الى ان امريكا تطلب من قطر الداعمه للارهاب ان تتعاون مع دولة الكيان لانقاذ غزة ... تحتاج الى وقفة ... بل تحتاج الى وقوف الفصائل الفلسطينية التي لا منها ولا عليها ... ومواقفها السلبية ... وعدم مقدرتها على المساعده ... بل كل ما لديها من امكانية القول هوا الكلام .... والتصريح ... والنقد ... وتحميل المسؤوليات ... أي انهم يسلكون الطريق الاسهل ... الذي يمكن ان يقال بجلسة عائلية ... او على قارعة الطريق ... او على احد المقاهي .
وحتى نكون بصلب غزة واوضاعها ... يجب ان نبدأ بأن غزة لأهلها .... ولمؤسساتها الشرعيه وهي جزء من السلطة الوطنية وان حكومتها حكومة التوافق الوطني ... حتى وان كانت غير موجودة ... وحتى ان لم تقم بكافة واجباتها ... وان المرجعية العليا هو الرئيس محمود عباس باعتباره رئيس السلطة الوطنية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين ورئيس اكبر تنظيم فلسطيني هو حركة فتح ... أي ان المسؤولية التي نتحدث عنها ... لا تتحدث عن اسباب الوصول الى ما نحن عليه .. ولكنها تبحث بايجاد الحلول والمعالجات السريعه ... لما وصلنا اليه من ازمات متفاقمة واحوال سيئة وظلم ذوي القربي والذي يصعب الحديث فيه ... والشكوى منه ... والصراخ حوله ... والانتقاد له بصورة جارحة ... وخارجة عن المألوف .. وعن السياق الوطني والديمقراطي الذي نؤمن به .. والذي نلتزم بإحكامه ومفرداته ومقرراته .
غزة ان تموت ببطئ ... وان تتعدد الاحلام لانقاذها ... لا يوفر لنا عوامل الاسناد والدعم المطلوب .. ولا يغير لنا من الواقع شئ ... بل يزيد من حالة طحن الماء والهواء .. وترديد الاحاديث وابراز الشكاوي ... وتحميل حكومة التوافق للمسؤولية ... ومرة للرئيس محمود عباس باعتبار القائلين انه يملك كافة مفاتيح الحل لازمات غزة .
وحتى نكون محللين للرأي العام .. وملتزمين بمهنية كتابة الرأي وحتى لا نخرج عن الموضوعيه والاتزان .. وحتى نضع النقاط على الحروف .. وحتى لا نخلط بالكلام والاوراق ... وحتى لا نمرر مواقف احد ... على حساب أحد اخر... يجب ان نبدأ القصة من بدايتها ... وان نحللها ... وان نحرص بأمانة مهنية على قول الحقيقة ... برغم مرارتها ... وما يمكن ان تحدثه من زعل البعض ورضى البعض الاخر ... فنحن بموقف الصراحة وعدم المجاملة موقف المصارحة والمكاشفة وعدم اخفاء اسباب ما نحن عليه ... وما وصلنا اليه .... وحتى المخاوف والاخطار التي يمكن ان نأتي عليها ... ونحن لا ندرس ابعادها واسبابها وارضيتها الخصبة ... وما يمكن ان تولده من ظهور حالات تطرف نتيجة لحالة عامة يسودها الفقر ... وعدم المبالاة والتجاهل الواضح ... لمشاكل وازمات الناس ... وهذا ما يستحق التوقف امامه كثيرا ... ومعالجته سريعا ... وعدم التمهل والبطئ في اعطاء دراسة تحليلية معمقة ... ومعالجة سريعة مخططة ... حتى لا نصل الى مرحلة الندم ... والعض على اصابع اليد .. كما يقال (بعد خراب مالطا) .
لنعود الى غزة ... هذا الجزء الجنوبي الضيق بمساحته الجغرافيه ... وبكثافته السكانية العالية ... التي تصل الى ما يقارب الى 2 مليون نسمة وسيطرة حماس عليه بقوة السلاح بانقلاب يناير 2007 وما قامت عليه من احلام ... وما تم البناء عليه من امال بأن تكون غزة لحماس منفردة ... ومقررة ... وان تعمل بكل ما لديها ... ومن يقف وراءها ... لاجل التربع على القيادة والامساك بزمام الامور ... خاصة وانها حركة سياسية كبيرة لها شعبيتها ولها نسبتها داخل المجلس التشريعي ... كما لها قوتها العسكرية ... كما لها مرجعياتها الخارجية الداعمه والمسانده لها ... فلا مانع من الابقاء على غزة تحت حكمها وسيطرتها ... هذا هو حال غزة ... وما وصلنا اليه .
اولا من حق حركة حماس ان تحلم وان تبني الامال .. بأن تكون القيادة ... وان تتحكم بالقرار ... و ان تسيطر كما يحلو لها .. وان تستعرض قوتها .. وان ترفض ما تراه مناسبا .. لا معارضة لها ... ولا تناقض معها ... في ظل فصائل صغيرة لا تريد المنافسة وليس لديها الطموح للسعي وراء القيادة .
الا ان الامال والاحلام وحق المنافسة تعتبر حقا مشروعا ... الا انها ملزمة لمن يحلم ويأمل ان يكون ... وليست ملزمة للجميع ... على قاعدة ان من يحلم بالقيادة عليه ان يمتلك ادواتها ... متطلباتها ... تبعاتها ... استحقاقاتها ... نتائجها .
الحكم ليس مسمى وظيفي يتم اتخاذه ... لكنه يخضع لقواعد وأسس وقوانين والتزامات ... ومسؤوليات يتحملها الحاكم بكافة الظروف ولا يقبل على نفسه بأن يكون حاكما لمرحلة ... وغير حاكم لمرحلة اخرى ...هذا اذا جاء الحكم نتيجة لقرار ديمقراطي ولانتخابات حرة وديمقراطية ... وفي ظل مؤسسات قانونية لها مرجعياتها ... ومعترف بها ... وهذا لا ينطبق على حماس بل ينطبق على السلطة الوطنية .
الا ان ما يحدث عندنا ان حماس هي من تسيطر ... من تحكم ... من تقرر ... من تقول (نعم) ومن تقول (لا ) ولكنها بذات الوقت لا تمتلك اداوت الحكم ... كما لا تمتلك اشتراطاته ... واستحقاقاته ومتطلباته ... وتحمل نتائجه للاخرين ... هذه المنازعة القائمة يقف بينها 2 مليون فلسطيني يعيشون أسوأ ظروف حياتهم ... وبكافة المجالات .. ووصلوا الى حد الجوع والفقر والى حد المرض وعدم العلاج ... والى حد عدم وجود الخدمات .
ليس من المنطق ... كما ليس من الوطنية وروح المسؤولية .. كما ليس من النظام ... كما ليس من قانون المؤسسات والمرجعيات .... ما نحن عليه الان .
الان ... نحن نسير بمواقف عنترية ... وبسطوة القوة .. وبحكم السيطرة والجميع يأخذ 2 مليون فلسطيني ليستند عليهم بقراراته وحتى يوفر الغطاء لاخطاءه ... وهذا ليس من العدل والحكمة والقانون .. وحتى علاقاتنا الوطنية .
حماس تقول انها قد تركت الحكم ... والحكومة ... وانها قد حلت اللجنة الادارية .. وما قبل ذلك قالت حماس انها قد تركت الحكومة ولا تترك الحكم .
واليوم وبطريقة مختلفة لا تتمكن حكومة التوافق من مهامها ومسؤولياتها ... ووضعها في الموقف الذي يلزمها باداء واجباتها ومسؤولياتها .. وحتى يتبين لنا من المقصر ... ومن المعطل .
حماس لديها ملف الموظفين الذين عينتهم ... وتتمسك بهم باعتبارهم ابناءها ومن المنتمين لها .... وحكومة التوافق لها وزاراتها ومؤسساتها وموظفيها .. ولقد قالت باجتماعها الاخير انها بحالة التمكين الحقيقي يمكن لها ان تستوعب 20 الف موظف من اللذين عينتهم حماس ... فكان الرد سريعا ان عدد الموظفين 40 الف وليس 20 الف وكأن حكومة التوافق قد قررت ان تستوعب 20 الف او حتى 10 الاف .. او حتى موظف واحد ممن عينتهم حماس ... على اعتبار ان هذا الملف يحتاج الى اموال طائلة وهو ليس الملف الوحيد في ظل عشرات الالاف من الخريجين الذين لهم حق العمل ... كما حق من يتم تقاعدهم دون وصولهم الى سن التقاعد .
أي ان الامور متشابكة .. متضاربة ... متناقضة .. ولا نستطيع ان نمسك بطرف الخيط ... حماس تحكم القطاع ولا تقدم للقطاع شئ يذكر ... والامور الحياتية متوقفة والظروف المعيشية سيئة .. والخدمات متدنية ... والناس تعاني بكافة تفاصيل حياتها والازمات تتفاقم .... والظواهر تزداد من الانتحار الى الادمان ... وحتى الى قتل الاباء للابناء ... وقتل الابناء للامهات ... حالة لم نعتاد عليها وليست من اخلاقياتنا وديننا وعاداتنا .. لكنها وقد ظهرت ولا زالت حماس تتمسك بالجباية والقضاء والامن وتريد من حكومة التوافق ان توظف موظفيها الذين عينتهم ... وان تدفع لهم رواتبهم ومستحقاتهم .
بهذه الطريقة ... وبهذا المضمون ... وبهذه الالية ... وبهذه الثقة الغائبة ... وبهذه النوايا غير الحسنة ... ستزداد أمور غزة صعوبة وسوء ... ولا نعرف الى اين يمكن ان نصل .
حركة حماس نعود ونقول انها شريك اساسي بالوطن ... وانها حركة سياسية وطنية ... نحترمها ونقدرها .. لكنها اخطأت كثيرا ... ولا زالت تخطئ ... بل لا زالت تصر على اخطاءها ... ولا تعطي المجال برغم كل ما تقول انها قد سلمت كل شئ ... لكن الحقيقة لم تسلم شئ ... وانها لا زالت تسيطر وتقرر وتستطيع ان تفعل ما تشاء ... ولا يجب على حماس ان تبحث عن مخارج خارج اطار السلطة الوطنية ... لانها محاولات فاشلة ولن يكتب لها النجاح .
لذا على حماس ان تركز جهدها وطاقاتها وفكرها ... واليات قرارها .. باتجاه الواقع الذي عليه حماس .. كما الذي عليه قطاع غزة .
حركة حماس ليست بالوضع الافضل ... وقطاع غزة بالوضع الاسوأ .... وهذا لا يعني ان تتنازل حماس عن أي حق لها ... اذا كان هذا حق .. كما ليس لها ان تكسب ما ليس حقا لها ... وعليها ان تتقدم خطوات للامام .. وان لا تعقد المشهد بأكثر مما هو معقد وحتى لا نكون داخل بورصة عالمية ... وصل بها الحال الى شراكة قطرية اسرائيلية برعاية امريكية ... وكأن حماس دون قصد تنفذ صفقة القرن ....لان النوايا الاسرائيلية الامريكية .. وكما يعرف الجميع ... النوايا القطرية الخفية وليس المعلنة لهم توجهات خاصة تتعارض مع مصالحنا الوطنية العليا ... ولا يمكن ان يقدموا لنا لأجل عيوننا .... ومحبة بنا .. ودعما لصمودنا .
اذا اين المخرج ؟؟؟
انني ارى بعض النقاط التي يجب ان تؤخذ بالاعتبار :-
اولا :- تنفيذ اتفاق القاهرة الاخير وتمكين حكومة التوافق والاستمرار بدعم واشراف مصر الشقيقة وعدم المماطلة والبطئ في تنفيذ أي بند من بنودها .
ثانيا :- تمكين حكومة التوافق بصورة كاملة وشاملة وعدم وضع العقبات امامها ... حتى نرى ونلمس انجازاتها وما يمكن ان تعالجه من احوالنا وظروفنا السيئة .
ثالثا :- يجب ان نغير من فكرنا وثقافتنا واسلوب تعاملنا .. وان نعزز من الثقة بيننا .... وان لا نزيد المصاعب لأنفسنا وان نسهل على بعضنا البعض امكانية العمل ... لأننا يجب ان نلاحظ اننا نتحدث ... ونعارض ... دون ان نعمل ... وننجز .... ونغير من معطيات الواقع .
رابعا :- اذا ما وصلت الامور الى استحالة معالجة ما نحن عليه ... ونحن بالفعل قد وصلنا الى هذه المرحلة ... ليس أمامنا الا الانتخابات الرئاسية والتشريعية والعودة للشعب الفلسطيني لاختياره الحر ... وتحديد قيادته ... وانهاء هذا الفصل المأساوي الاسود من تاريخنا .

الكاتب : وفيق زنداح