خطاب الرئيس محمود عباس في مجلس الامن

بقلم: عباس الجمعة

لقد تابعت باهتمام خطاب الرئيس محمود عباس أمام مجلس الامن الدولي، وحاولت التركيز بكل كلمة، وفقرة، وجملة من الخطاب، والنظر بها بعمق شديد بعيدًا عن أي عاطفة أو خلفية سياسية تتخذ أحكام مسبقة على الخطاب وخاصة التاريخ التي مرت بها القضية الفلسطينية منذ سبعة وسبعون عاما اي من النكبة حتى اليوم، حيث اكد خطاب الرئيس أن إسرائيل مشروع استعماري يهدف إلى تجزئة المنطقة، وأنه لن يقبل صفقة القرن وجدد الرئيس رفضه أن تكون الولايات المتحدة وسيطًا، وطالب برعاية متعددة لعملية التسوية، وهدد بقطع العلاقات مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، وشدد على مواصلة اللجوء إلى المؤسسات الدولية، بما فيها مجلس الأمن للحصول على العضوية الكاملة، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والانضمام إلى المزيد من المنظمات الدولية، والسعي إلى الحصول على اعترافات جديدة بالدولة الفلسطينية.

من هنا نرى ان الرئيس تناول بخطابه المسيرة التاريخية للشعب الفلسطيني منوهًا لإقتلاع شعبنا، ومجتمعنا الفلسطيني المنظم والذي ساهم برسم وكتابة تاريخ الشرق وهي حقيقة ثابتة ،، إضافة لاستعراض العديد من المفاصل السياسية والنضالية لشعبنا، أي أن مقدمة الخطاب جاءت موفقة وثابتة، وقوية عبرت عن الكل الفلسطيني، ولا أعتقد أن هناك من يعارض أو ينتقد هذه المقدمة التي وصفت الصراع وقدمته بصورته الفعلية والحقيقية، ثم بدأ الرئيس بسرد مفاصل الحالة الفلسطينية، وسرد مراحلها التاريخية بطريقة واقعية متزنة وافقت بين الرأي العام الدولي بشقيه الرسمي والشعبي، وبين تطلعات الشعب الفلسطيني بحقه في دولة فلسطينية عاصمتها القدس، خالية من الاحتلال وقطعان مستوطنيه، ومحاولات التغيير الديموغرافي التي تقوم بها إسرائيل في القدس، والعديد من القضايا والتي أهمها تأكيده على استمرار المفاوضات ولكنه اشترطها بتحديد سقف زمني، وأن تؤدي لدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، خالية من المستوطنات.

امام كل ذلك بقي الرئيس حاملا غصن الزيتون الذي قدمه للعالم أن يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه وحريته بدولة فلسطينية، في مواجهة الأسرة الدولية مطالبا اياها ان تقف موقف الحزم أمام إسرائيل وقفزها على صهوة المقررات الدولية، وأن يضطلع العالم بقواه الحية بتخليص الشعب الفلسطيني من الإحتلال بما إنه الشعب الوحيد الذي لا يزال محتلًا ، أمام تعنت الولايات المتحدة وإسرائيل وتنكرها للحقوق الفلسطينية.

ولكن الرئيس لم يتحدث عن مقاومة الشعب الفلسطيني فركز على السلام والمفاوضات، وهي أحد المآخذ على الخطاب حيث كان بإمكان الرئيس تشريع المقاومة الشعبية بكل أنواعها واشكالها، خاصة انه يقف على منبر مجلس الامن الدولي ، وباعتبار المقاومة شرعتها قوانين الامم المتحدة كحق للشعوب المحتلة لنيل حريتها، وتحقيق استقلالها.

ورغم هذه الملاحظة الا ان الخطاب اكد على خطوة للإندفاع للأمام نتاج حالة اليأس التي وصل إليها من التفاوض لأجل التفاوض مع العدو الإسرائيلي، ولإدراكه بأن إسرائيل لن تقدم شيء للشعب الفلسطيني عبّر هذه المفاوضات الفضفاضة الفارغة، وهو بذلك وضع العالم بصورة ما يجرى، وألقى بملعبهم كرة القضية الفلسطينية، وتأكيد تمسكه بحقوق الشعب الفلسطيني ووضع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في مواجهة الرأي العام الدولي والعربي.

ورغم ذلك فإن المشهد الفلسطيني لا زال يحوم في غموضه السياسي العام، ولا زالت معالم الحالة الفلسطينية غير واضحة ومعلومة، فهي تحتاج لقوة دفع وإصرار على مواصلة الطريق الشائك والمعقد، حيث رفع العصا بوجه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ولكي تستمر هذه العصا مرفوعة لابد وأن يزيد تمسك الرئيس الفلسطيني بما طرحه في مجلس الامن وقبل ذلك في الأمم المتحدة .

الشعب الفلسطيني يقف اليوم أمام مفترق طرق في مواجهة حلقة جديدة من الصراع الاستعماري على الأرض والحقوق الوطنية الفلسطينية، مما يتطلب تصعيد المقاومة الشعبية بكافة اشكالها لدحر الاحتلال ومستوطنيه، مع أشكال النضال الأخرى السياسي الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والنقابي .

وعلى هذا الطريق فأن الشعب الفلسطيني قادر على مواجهة المشاريع البديلة وقرارات ترامب وصفقة القرن، وخاصة ان خطاب الرئيس اكد فيه على ان القضية الفلسطينية تحررت من القبضتين الامريكية والاسرائيلية، من خلال العودة الى المنظمة الدولية ،وهذا يستدعي عدم العودة مطلقاً الى هذه القبضة من جديد، وان يتعزز هذا التوجه الى المؤسسات الدولية وعقد مؤتمر دولي بحضور جميع الاطراف لتطبيق قرارات الشراعية الدولية مع استمرار الحراك الشعبي على الارض.

ان الرد على كل ما تتعرض له القضية الفلسطينية يكون بانهاء الانقسام وتطبيق المصالحة وتنفيذ قرارات المجلس المركزي وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ورسم استراتيجية وطنية تستند الى التمسك بخيار الانتفاضة والمقاومة مع استمرار العمل الدبلوماسي .

ختاما : لم يبقىَ امام الشعب الفلسطيني ما يخسره، فهو يقدم التضحيات الجسام ، وكل انتصار دبلوماسي يجب ان يكون حجر الاساس لتعزيز الانتفاضة الشاملة في كل الميادين، بطريقة اكثر قوة وصلابة وابتكاراً حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال .

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي