مشاكل الناس بغزة حدث بلا حرج

بقلم: رمزي النجار

منذ الانقسام وأهل غزة يعيشون جملة من المشاكل التي رافقتهم طوال السنوات الجحاف بحق الوطن والشعب والمشروع الوطني، وهي سنوات صعبة عايشها الناس بكل مآسيها وأزماتها، ومشاكل غزة بالجملة أوصلت الناس الى مرحلة ما تحت الصفر في ظل انعدام تام لكل مقومات الحياة باعتراف العدو قبل الصديق، ولا تتوقف تلك المشاكل عند مشكله بحد ذاتها بقدر تفاقم المشاكل من كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والصحية والنفسية وغيرها الكثير التي لا يمكن القفز عنها وان حاول البعض تبسيطها إلا أن الشمس لا تغطي بغربال، فالمشاكل حدث بلا حرج فعلى سبيل المثال وليس الحصر عدم استدامة الكهرباء والمحروقات، وانعدام فرص العمل للخريجين والشباب والمزارعين والصيادين، ولا وظائف ورواتب والتقاعد والقروض تلاحق الموظفين، والدواء مفقود والامراض منتشرة والموت المفاجئ نتيجة الضغوط النفسية، والمحلات التجارية غير قادرة على سداد إيجار محلاتها في ظل انعدام الحركة الشرائية، وعدد من الجمعيات الاهلية التي تخدم الاطفال والمعاقين وكبار السن على وشك الاغلاق، وانهيار القطاع الخاص، والاونروا بصدد تقليص خدماتها للاجئين وغيرها من المشاكل المتراكمة على قلوب وعقول الناس التي تعصف بالمجتمع الغزاوي.
وبلا حرج المشاكل التي تمر بها غزة واضحة وملموسة وظاهرة للجميع للطفل قبل المسئول، فالجميع في غيبوبة من فعاليات المجتمع المدني من أحزاب وحركات وجمعيات والسلطة الحاكمة، وفي ظل العناد والمكابرة لا أحد يرغب بالتنازل من أجل انقاذ حياة الناس، ولكن السؤال إلى متي بقاء تلك المشاكل في ظل غياب الأفق ومن يتحمل المسئولية عن وصول الناس إلى هذه الحالة المعيشية السيئة وما يرافقها من حالة اليأس والاحباط من هذا الحال المعقد على كل المحاور، حيث باتت لقمة العيش شبة معدومة في غزة وما بقي للناس سوي التنفس في ظل المشاهد المعقدة التي تنغص حياتهم والخوف من المستقبل الغامض، فلا احد معفى من المسئولية لأنها مسئولية تضامنية، ودعوات الناس المظلومة سوف تلاحق المسبب في حياته عن ازدراء هذا الوضع المعيشي لأهل غزة والمس بكرامتهم، ولما ذهبت معظم الدساتير والقوانين في العالم بالنص صراحة على احترام الكرامة الإنسانية، وأقرت للإنسان مجموعة من الحقوق الأساسية يمكن ربطها بفكرة الكرامة، ومن أهمها حق الأمن المعيشي ويقصد به حق الفرد في توفير لقمه عيشه في أمان واطمئنان دون رهبة أو خوف أو ابتزاز.
بكل تأكيد هذه المشاكل الصعبة والمعقدة التي تعاني منها غزة في مختلف مناحي الحياة مست بشكل مباشر كرامة الناس في معظم جوانب حياتهم المعيشية، ولا حرج بأن يعلم القادة وأصحاب القرار بأن الكرامة الإنسانية أهم ما تبلور عنه نضال المجتمع الإنساني لانتزاع حقوقه الإنسانية عبر تاريخ طويل من أجل نيلها، بعدما رفضت العنصرية والعبودية والاسترقاق والظلم والاستبداد، مما جعل الأمم تنادى إلى تكريس الاعتراف بآدمية وكرامة الإنسان في المواثيق الدولية والدساتير، وقد فاقت رسالة الإسلام في التكريس والمعالجة بتعميق مبدأ الكرامة في قولة تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"، وإذا كانت صفة التكريم تظل ملازمة للوجود الإنساني، فإن أي مساس أو انتقاص أو أي اعتداء على كرامة الإنسان المعيشية يعد تعذيباً نفسياً وجسدياً بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو مجرمٌ فضلاً عن أنه محرم، لأنه يمثل إنكار كرامة الإنسان الأصيلة، وانتهاك سافر لحقوق الإنسان وحقوقه الطبيعية المتأصلة به منذ أن وجد على وجه الأرض.

باعتقادي أنه ليس علينا حرج أن نذكر ونطرح المشاكل التي يعاني منها أهل غزة واجري على الله اذ ان على الديك الصياح لا ان يطلع النهار، وكلى أمل أن يلقى مقالي أذانا صاغية وقلوب مؤمنة من صناع القرار والمسئولين عسى ان نبدّل ما بأنفسنا حتى يبدل الله حالنا المزرية بأحسن حال "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ويبقي أن نقول متى ستبدأ عجلة ايجاد الحلول ومعالجة مشاكل غزة بالدوران لإنهاء مأساة الناس المنكوبة على كافة الصعد للعيش بحياة كريمة أسوة بباقي البشر؟!

 

د. رمزي النجار