ترامب – نتنياهو والتطرف الأعمى ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

المتتبع لسياسات ومواقف الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب، يدرك مدى تطرف وفجاجة وعشوائية قرارات الإدارة الأمريكية، التي طبعت بالطابع الشخصي للرئيس ترامب وفريقه الأكثر يمينية بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والذي يعبر عن حالة ضعف وتراجع في مكانة الولايات المتحدة التي حظيت بها بعد إنتهاء الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفيتي وزوال حلف وارسو، هذا الإرتباك في مواقف الإدارة الأمريكية بدا واضحاً للعيان في أكثر من مكان وفي أكثر من قضية حتى مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة من أوروبا إلى الشرق الأوسط ... إلى آخره من مناطق الصراع والنفوذ والتي بات الموقف الأمريكي يتسم فيها بالتراجع والتردد والتناقض، والمثال الأوضح في منطقتنا العربية وحربها على الإرهاب الذي كانت حاضنته الأساسية ومولدته الرئيسية منذ سبعينات القرن الماضي، ومن هنا يأتي التناغم بين هذه الإدارة الأمريكية وقيادة اليمين الصهيوني الحاكم بقيادة نتنياهو .. والتماهي في شرعنة التطرف الصهيوني ودعمه بمختلف الوسائل والمواقف التي وضعت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في خندق واحد في مواجهة الشعب الفلسطيني بل وفي مواجهة المسيحيين والمسلمين ومواجهة القانون الدولي والشرعية الدولية والتي أسهمت الولايات المتحدة نفسها في سنها وإقرارها، وبالتالي فإن المواقف التي إتخذتها إدارة الرئيس ترامب بشأن إعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني في 06/ 12 / 2017م، ومن ثم التأكيد على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيكون يوم 14 / 05/ 2018م رغم ردة الفعل الفلسطينية والعربية والدولية على هذه القرارات والمواقف المتماهية مع اليمين المتطرف المتحكم في الكيان الصهيوني، دليل واضح على تخبط إدارة الرئيس ترامب وفجاجتها وعشوائيتها وتطرفها في آن، كما هي مؤشراً آخر على تراجع مكانة الولايات المتحدة على المستوى الكوني وتخليها عن دورها القيادي في حفظ الأمن والسلم الدوليين الذي تدعيهما وتتستر بهما لتبرير تدخلاتها في الكثير من الصراعات والقضايا الدولية، ومؤشراً أيضاً على إستمرار وتنامي عزلتها الدولية.

إن هذه المواقف المزدوجة والمتطابقة بين إدارة الرئيس ترامب وحكومة الكيان الصهيوني، لن تجد من يساندها من دول العالم كافة حتى بما فيهم الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة والكيان الصهيوني في أوروبا، هذه المواقف والقرارات تجعل من إقامة السلام في فلسطين والشرق الأوسط أمراً مستحيلاً، وتخلق مناخاً مواتياً لنمو الإرهاب وإزدهاره، إن سوء تقدير إدارة الرئيس ترامب والكيان الصهيوني لرد الفعل الفلسطيني أولاً ومن ثم العربي الإسلامي والمسيحي وكذلك الدولي، على هذه القرارات والمواقف قد شجعه على تبني هذه الرؤيا المتطرفة إزاء أم القضايا في المنطقة قضية فلسطين وأركانها الأساسية: (مسألة القدس) (ومسألة اللاجئين) (ومسألة الحدود) وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة الدولة وعاصمتها القدس.

كما يبدو للعيان أن ما أدركته شعوب العالم ودوله والكيان الصهيوني نفسه بشأن الشعب الفلسطيني وصموده وتحديه للمشروع الصهيوني الإستعماري وما أدركه الكاتب الصهيوني اليساري (جدعون ليفي) والذي سبق له أن عبر عن ذلك في مقالة له قال فيها (يبدو أن الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقِ البشر) مدللاً على ذلك بإستعراض صور الصمود والتحدي في وجه الهجمة الإستعمارية الصهيونية على مدى قرن كامل من الزمن دون كلل أو ملل متوارثاً هذه الحالة جيلاً بعد جيل، ثورات وإنتفاضات، وتعزيز قدرات البقاء والصمود داخل فلسطين وخارجها، فالشعب الفلسطيني بات حقيقة واضحة غير قابلة للإنكسار والخضوع أمام هذه الهجمة وأمام هذه المواقف الخرقاء والرعناء للثنائي ترامب - نتنياهو، والذي ما زال يختبر هذا الصمود والإصرار لدى الشعب الفلسطيني على نيل حقوقه المشروعة كاملة في وطنه فلسطين ...!

بكلمة أخيرة نقول أن هذا التطرف الصهيوأمريكي إزاء الشعب الفلسطيني وحقوقه ليس دليل قوة وإنما هو دليل على إنكسار المشروع الصهيوني الذي لازال يتعامى عن حقائق الواقع على الأرض، كما هو دليل على ضعف الإدارة الأمريكية وخضوعها لليمين الصهيوني الأعمى الذي يتجاهل واقع المتغيرات الإقليمية والدولية والذي يرفض هذه السياسات وسيكون داعماً لصمود ومطالب الشعب الفلسطيني ولحقوقه في وطنه فلسطين ...

فالفلسطينيون نعم (من طينة أخرى غير قابلة للإنكسار) عصية على الخنوع والخضوع والإستسلام والتخلي عن حقوقهم في وطنهم مهما طال أمد الصراع، وهذا ما يعبر عنه الموقف الفلسطيني اليوم قيادة وشعباً، فهل يدرك ذلك السيد ترامب وإدارته ومعهم نتنياهو والكيان الصهيوني ومتطرفيه من أجل أن يحل السلام في المنطقة ..؟!

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس