انشغل الاعلام الفلسطيني والعربي والدولي بالحديث والتكهنات والتوقعات لما يسمى بصفقة القرن المزمع اعدادها من قبِل الرئيس الامريكي دونالد ترامب، هذه الصفقة ليست أمريكية بقدر ما هي من اعداد واخراج اسرائيلي؛ ولكنها ستطرح بلسان أمريكي كون أن الإدارة الامريكية ما زالت تعتبر أو تُنصب نفسها راعية حصرية لعملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين، هذه الصفقة لن تنصف الفلسطينيين ولن تكون نزيهة سيما أن أمريكا منحازة تماماً للإسرائيليين وآخر دليل قاطع على ذلك هو اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، فكيف لراعي عملية السلام أن يكون وسيطاً نزيهاً بعدما أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق ليعيد التاريخ مئة عام للوراء ويجدد مأساة الشعب الفلسطيني من جديد.
معطيات الانحياز الامريكي لدولة الاحتلال سهلت على السياسيين والقيادة الفلسطينية تحديد معالم صفقة ترامب على أنها منحازة وهدر وهضم للحقوق الفلسطينية التي لم ولن يتنازل عنها فلسطيني حتى لو كان طفلاً في سنواته الأولى من عمره اتكأ على مقاعد الدراسة وتعلم حقوقه الواجبة والتي على المجتمع الدولي تلبيتها.
وفقاً لما تناولته وسائل الاعلام مؤخراً عن معالم صفقة القرن والتي تلخصت في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين وأن تبقى القدس القديمة تحت سيطرة دولية فهنا يوجد تناقد واضح فكيف ان تكون عاصمة بلا سيطرة، وحق العودة تم اسقاطه ببقاء اللاجئين حيث يقيمون الآن فهذا يعني تجديد معانتهم وشهدناها في ما يسمى بالربيع العربي وكيف عانا اللاجئين الفلسطينيون من تشريد وتجويع وبطش الجماعات المتطرفة في مخيم اليرموك وما يعانوه أيضاً في مخيمات لبنان والعراق، وغور الأردن الذي سيصبح تحت السيطرة والسيادة الاسرائيلية وأن تبقى المستوطنات الكبرى في أماكنها داخل حدود عام 1967 مع نقل بعض المستوطنات العشوائية، فإذاً ماذا تبقى للشعب الفلسطيني من سيادة وحقوق.
تبقى المعركة بين القيادة الفلسطينية من جهة وامريكا واسرائيل من جهة أخرى في الساحة الاوربية حيث تجتهد القيادة الفلسطينية في تلك الساحة لنزع الاعتراف الاوربي كدفعة واحدة بالدولة الفلسطينية الامر الذي يصعب تحقيقه لأن الدول الأوربية لا تريد خسارة الدور الامريكي في عملية السلام ولا ترغب بتأزيم العلاقة مع أمريكا أو اسرائيل لاعتبارات خاصة بينهما تتمثل في مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية، واما الدور العربي فلا رهان عليه سيما أن امريكا تنوي طرح صفقة القرن من احدى العواصم العربية وبالتالي ستبقى قيد البحث والنقاش واحتمالية الضغط على القيادة الفلسطينية بقبولها أو التباحث في بنودها وعلى كل الاحوال سيكون الموقف الفلسطيني في مأزق سيترتب عليه نتائج تؤثر مستقبلاً على الحالة الفلسطينية.
صفقة القرن عبارة عن وصفة سياسية لهضم الحق الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 والذي أقره مجلس الامن من خلال قرار 242، أي أن العملية السلمية وصلت إلى طريق مسدود إذا بقى الموقف العربي ضعيفاً ولم يكن داعماً للموقف الفلسطيني وكذلك الموقف الاوروبي الذي حاول أن يمسك العصا من المنتصف رغم عدم وضوح موقفه.
ناهيك عن الموقف الفلسطيني الذي لم يرى النور حتى اللحظة موحداً ومازالت القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس يواجه تحديات وانتقادات كثيرة من بعض الفصائل الفلسطينية لرؤيته السياسية ومواقفه تجاه دولة الاحتلال ولم يحظى بدعم هذه الفصائل في الوقت الذي تعبر فيه عن رفضها لصفقة القرن وما تتعرض له القدس الشريف من انتهاكات، وهذا ما شهدناه مؤخراً بعد خطابه في المجلس المركزي ومجلس الأمن، وهذا ما شجع امريكا ودولة الاحتلال أن تتبجح في اعداد صفقة سياسية تبعثر حقوق الشعب الفلسطيني بالإضافة لما وصلت إليه حال الدول العربية.
بقلم/ أحمد شاهين