الديمقراطية .... أحد صانعي الارهاب!!

بقلم: وفيق زنداح

قد يستغرب البعض من عنوان مقالتي ....بالتناقض الشاسع ما بين الديمقراطية والحرية ...وما بين الديكتاتورية والاستبداد والظلامية التي ينشرها الارهاب التكفيري .
لكن توضيح فكرة المقال وفلسفتها الفكرية قائمة على أن مساحة الحرية الفردية ....والحريات العامة ...والديقراطية السياسية .... وتأسيس الاحزاب وانتشارها .... وحرية الصحافة والاعلام وتعدد مصادرها ..... وما وصل اليه الاعلام الالكتروني وشبكات التواصل من فضاء خارجي ..... يصل بالكلمة الي ابعد مدي .... دون ضوابط واحكام ....وحتى دون حساب للقائل .....او الناشر .
الأيدولوجيات والافكار بمجملها وقد استمرت منذ تأسيسها ....وحتي يومنا هذا لعقود طويلة بل تمخض عنها المزيد من الافكار والابداعات ..... وحتى الاجتهادات ..... والي درجة المصالح الشخصية .... والنزاعات والصراعات .....التي زادت من تعدد الافكار ....كما تعدد الاحزاب والحركات من الاخوان المسلمين ..... والماركسية اللينينية ..... والفكر القومي والبعثي ....والشيوعي .... وما بينهم من خليط لأفكار وأحزاب وحركات سياسية ...... تشكل بمجموعها مجمل الخارطة الحزبية ..... للقوي السياسية العربية ..... المنتشرة بطول وعرض الوطن العربي .
منذ عقود طويلة كنا نعيش الخلافات والتباينات والاجتهادات ......وكانت الافكار والايدولوجيات متضاربة ....متناقضة ....متباينة ..... لكنها كانت مختصرة بالصفوة الفكرية .....والعاملين بمجال السياسة..... وليس على مستوي القاعدة الشعبية التي كانت تخوض حياتها بالعمل والانتاج ....وتوفير ظروف ومتطلبات الحياة في ظل حكم سياسي بأولوياته ..... مصالح الجماهير ..... وفي ظل اعلام حكومي ....بأولوياته الرأي العام ..... وفي ظل فكر حكومي وطني قومي تعتنقه الاغلبية العظمي من الناس .
كان الجميع يعرف حدوده ومكانته ..... ولا يقبل على نفسه بالتجاوز .... أو التناقض .... والي حد الصراع واحداث الخراب ..... وحتى الي احداث المناكفات والتجاذبات..... على قاعدة أن الوطن تحكمه الضوابط والقوانين في ظل نظام سياسي قوي ....وفي ظل ارادة أمنية لا تسمح بالصراعات الخفية والعلنية .....وفي ظل أفكار وايدلوجيات لا تخرج عن اطار التنظير والحديث وربما الحوار بينها..... وفي أكثر تقدير سياسي ايجاد حالة ائتلاف سياسي يتجسد على أرضية التوافق والمبادئ والاهداف التي تتجمع لمصالح الوطن والشعب وهذا ما كان معمول به ...... في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر من خلال الاتحاد الاشتراكي .....والاتحاد القومي ....وما كان معمول به في سوريا في ظل الجبهة التقدمية برغم أن البلدين ما يحكم ويقرر ويصنع قرارهم السياسي .... المصريين في مصر .... والبعثيين في سوريا والعراق .
وحتى وصلنا الي هذه المرحلة السياسية ....خاضت الشعوب ثورات عديدة ومقاومة عنيدة ..... ورفض كامل لوجود القوي الاستعمارية على أرضها ..... لقناعة ثابتة ....لا تقبل الشك ولا التأويل ......أن الشعوب لا يمكن لها أن تتقدم .....وأن الدولة لا يمكن أن تتحقق ....وأن السيادة لا يمكن أن تكون كاملة وذات سيادة ....الا في ظل زوال الاستعمار وانهاء وجوده .
القوي الاستعمارية القديمة بالمنطقة العربية .....وقد تركت خلفها جذور الفتنة ....والصراعات الخفية ..... والايدلوجيات المتضاربة ....والافكار المتناحرة .....في ظل مخطط قديم جديد ..... كان المراد من وراءه انهاك قوة الشعوب ....وتفتيت الدول .....وعدم توفر مقومات القوة .
ما تم زراعته ..... من طائفية وفتن داخلية وأفكار متناقضة ..... كانت تظهر وتختفي بحسب المرحلة السياسية .... ومجمل الظروف والمتغيرات والتقلبات .
حتى جاءت مرحلة ما يسمي بالربيع .....وما طرح من مشاريع أمريكية ..... وما تم تغذيته لبعض العناصر ...... الراديكالية ذات الافكار الدينية الاسلامية .....والتي بنوا عليها أمال كبيرة .... في أن يعودوا الي المنطقة واحكام السيطرة عليها من خلال سيطرة تلك القوي .
ولكن حتى يتم ذلك لابد من شعارات الديمقراطية والحريات العامة والخاصة ..... وسيادة القانون ....والعدالة الاجتماعية .... وحقوق الانسان وكلها عبارات جميلة وذات مغزي وهدف ...... ولا يختلف عليها اثنين .... ولكن كل يفهم معانيها بطريقة مختلفة ومغايرة ......ويهدف لتحقيق اهداف واغراض متباينة .
حاول العرب بكل جهدهم ومواقفهم السياسية..... وحتى تعاونهم الاقتصادي .....وحتى خطابهم الاعلامي والثقافي ....أن يثبتوا للعالم الغربي والولايات المتحدة أنهم يحرصون على الديمقراطية ..... كما حرصهم على الحريات العامة والخاصة ..... كما حرصهم على حرية التعبير وتعدد الاحزاب واجراء الانتخابات الحرة والديمقراطية ....كما حاولوا أن يثبتوا للعالم الغربي وأمريكا ..... أنهم ضد الفساد المالي والاداري والسياسي وأنهم يؤمنون بالشفافية والمحاسبة ..... وأنهم يعملون بكل جد واجتهاد على بناء مجتمعات حديثة خالية من الشوائب ....والسلبيات .
وقف العرب على مدار سنوات طويلة بموقف الدفاع والتبرير .....ومحاولة اثبات أنهم يقتربون من المجتمعات الغربية .....بديمقراطيتهم وحرياتهم ..... واعلامهم المفتوح وتعدد مصادره ..... وشبكات التواصل والتكنولوجيا التي أصبحت بتناول كل فرد .
ما حاول العرب اثباته واقناع الغرب وأمريكا به ......لم يكن كافيا .....بالنسبة لهم بل عملوا على تغيير الانظمة ..... وأن يحددوا المعايير والأسس والمواقف التي يتم بناء عليها اختيار هذا الرئيس من ذاك الرئيس .... واحداث الخلل والاضطراب داخل هذه الدولة أو تلك ..... تحت مسمي الثورات ....والتغيير ..... ومصالح المجتمع .... وكلها وقد أثبتت أنها ضد الدول ومؤسساتها .....وضد المجتمعات واستقرارها ..... وضد الاقتصاد ونموه .
نجحوا عند البعض ...... وفشلوا عند البعض الاخر .... لكن السيناريو المكتوب ....والبديل القائم لكافة الاحتمالات موجودا وبالامكان تحريكه ....كما بالامكان تمويله وتسليحه .....وحتى نقله ....وحتى اعطاء الاوامر ... لمن يخدمون عليهم .... ولمن يأتمرون بأوامرهم .... ولمن يعملون على تنفيذ مخططاتهم ....مثال قطر وتركيا والتنظيم الدولي للاخوان.
كان القرار بصناعة الارهاب في ظل مساحة الديمقراطية القائمة .....والحريات المنتشرة .... فلا قيود ....ولا موانع فالمساجد مفتوحة ..... وأداء الصلاة من أركان الاسلام ..... وحلقات الدراسة والتنوير والدعوة مسألة دينية لا حظر عليها ولا خوف منها ..... والتحرك والسفر واقامة العلاقات ما بين المؤسسات كما ما بين الاحزاب المتقاربة بأفكارها وتوجهاتها ..... ليس ممنوعا .....كما أن التمويل من مؤسسة الي مؤسسة .... ومن مؤسسة الي حزب أو حركة ..... ليس ممنوعا أو خطرا على الامن القومي ..... حتى أن التدريب والمشاركة بالمؤتمرات الاقليمية والعالمية حتي المحلية ليس في اطار الممنوعات ..... في ظل التبادل الثقافي والمعلوماتي ....والعلاقات الانسانية ما بين المجتمعات .
هذه الأجواء والمعطيات وما بين مقاصد الخير ..... ومقاصد أهل الشر ..... تم زراعة الارهاب وتم انتشاره ....كما تم تمويله وتسليحه وتحركه ..... والتخطيط له لتنفيذ مخططات خبيثة لا علاقة لها بالاوطان ....ولا علاقة لها بالمجتمعات .....حتى لا علاقة لها بالاديان .
المطالبة بالديمقراطية والحريات العامة والخاصة ....وحرية الاعلام والتعبير .... والتبادل الثقافي ما بين المجتمعات والتعاون الوثيق ما بين المؤسسات ..... وحرية الحركات والاحزاب السياسية وانفتاحها ..... مع العالم الخارجي .....وغيرها الكثير نعتبرها في الاطار الطبيعي .....بل بالاطار المقبول .....بل نعمل باجتهاد ومثابرة ..... على تعزيز كافة المبادي والقيم والعلاقات بهذا الشأن
لكننا لم نحسب للحظة واحدة .... ولم نترك لأنفسنا المجال .....لمجرد التفكير بحقيقة الامور وتفاصيلها ..... وأبعادها ..... وأنه من خلال هذه العناوين .....كانت التدخلات....وكانت المخططات .... والتي ولدت هذه الجماعات الارهابية التكفيرية والتي تم تغذيتها وتطوير قدراتها .... ونشرها داخل العديد من الساحات .....وتحت مسميات عديدة ..... تحكمها المصالح الشخصية والجماعية ..... وتحركها قوي الشر ....لتغذية الارهاب داخل العديد من المناطق ...استغلالا لحالة الديمقراطية القائمة ..... والحريات السائدة..... وما حاولت القوي الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطها السياسية والاقتصادية .... والاعلامية .... لأجل اعطاء المزيد من الديمقراطية والحرية ....كما حريات الاعلام ووسائله المختلفة ......وتعزيز حقوق الانسان....ونشر التقارير الدورية ..... والدولية .... لأغراض سياسية .... الهدف منها الاساءة لبعض الدول التي لا تتماشي وسياستهم ... ومواقفهم .... وأهدافهم .... وهي معروفة للجميع .
القارئ العزيز ربما لا يري كثيرا من الخطر الشديد ......من وراء الديمقراطية والحريات العامة والخاصة ..... وحتى حرية الاعلام وتعدد مصادره .... وحتى امتلاك شبكات التواصل ..... وقول كل انسان ما يشاء من مواقف ...... وبناء العلاقات وتبادل المعلومات والتعاون مع المؤسسات الداخلية والخارجية ..... وكأنها مصالح تخدم الوطن والمواطن .... وهي بجزء منها صحيح .... لكنها بجزء أخر ....أو بأجزاء أخري قد تسبب أضرارا عديدة ..... ثبت صحتها .... وحدوثها ..... ونتائجها .... داخل العديد من الدول العربية ....والتي دفعت ثمنا باهظا نتيجة لمثل هذه العلاقات .
من هنا كان لعنوان المقال حول أن الديمقراطية تعتبر أحد صانعي الارهاب ..... مسألة طبيعية وفي سياقها ..... ولها اسبابها .... ومدلولاتها .... كما لها جذورها ....ونتائجها .... والمقصود الممارسة الخاطئة للديمقراطية ..... كما الافرازات والنتائج الخاطئة .....كما الاستغلال والاستثمار الشرير والارهابي لحالة الحريات القائمة .... واحكام القانون وضوابطه ...واستغلال كل ذلك .... لمصالح ارهابية ..... وليس في اطار المنافسة السياسية والديمقراطية وحرية الرأي ومصالح الاوطان .
على قاعدة ....... أن الديمقراطية تعتبر ثقافة وممارسة ..... يجب أن تكون متأصلة بعلاقاتنا ....وبحياتنا .... الاجتماعية والسياسية ..... كما أنها متأصلة ومتجذرة بمجتمعاتنا ..... وليس صحيحا أن الديمقراطية مرتبطة بالنخب السياسية ..... أو الثقافية أو الاجتماعية ..... بل هي حالة عامة وثقافة سائدة ..... وهذا ما لم يتوفر...... بل مجتمعاتنا تتناقض والي حد كبير مع مفهوم الديمقراطية وممارستها ....والتي جعل من جبهاتنا الداخلية وساحاتنا العربية .....فرصة لاستغلال هذه الثغرات ....والتلاعب على الارض العربية ....وبعقول المواطن العربي .... التلاعب بمتطلباته وظروفه ..... حتى وجدنا ......أننا قد وصلنا الي مرحلة المساهمة ....بصناعة الارهاب التكفيري..... والذي يشكل خطرا داهما ..... على مجتمعاتنا .....على حاضرنا ومستقبلنا .... والذي يجب اجتثاثه من جذوره وعدم القبول به .... وأن تعاد صياغة مفاهيمنا الديمقراطية والثقافة الدينية .... والاجتماعية .... على أسس متينة وقوية..... قادرة على تعزيز الديمقراطية الحقيقية وممارستها بما يخدم المجتمعات .... وليس بما يوفر الثغرات ....وبمن يستغل هذه الثغرات..... للتخريب والدمار واثارة الفتن ...وممارسة الارهاب الاسود .
هذه الملاحظة تحتاج الي المزيد من الدراسة والتحليل والاستنتاج للخروج ببحث شامل ..... حول ما جري ويجري..... وما هو قائم .....حتى يمكن معالجة الظاهرة من جذورها .... داخل عقول البعض.....وسلوكيات البعض الاخر ..... كما يجري معالجتها على أرض الميدان بقوة السلاح ....وبارادة التنمية .... كما يجري الان بالعملية الشاملة سيناء 2018 .... والتي تحقق انجازات ونتائج ايجابية حتى البيان الثالث عشر.... والذي يؤكد على خسائر الارهاب ....كما يؤكد أن الحريات والديمقراطية .... وحرية التعبير .... ومؤسسات المجتمع المدني كلها بمجملها وجدت في ظل الاعلام الديمقراطي ....لخدمة الانسان والمواطن والبشرية ..... لكنها بالتأكيد لن تكون بخدمة الجماعات الارهابية والتكفيرية ....ومصيرها الحتمي .
الكاتب : وفيق زنداح