عبّاس ليس رئيسًا.. بل مُغتصبًا!

بقلم: سميح خلف

قد يرحل عبّاس عن السّلطة بشكلٍ أو بآخر، ولكنّه سيرحل وهو مغتصبٌ لتمثيل وقرار الشّعب الفلسطيني، مُقرصنًا منذ عام 2009 على السّلطات الثّلاث، التّنفيذية والتّشريعية والقضائية، ويُسن القوانين كيفما يريد ويشتهي، ويُشكّل القضاء كما يريد، ويُجمّد عمل المجلس التّشريعي، ويُصدر عدّة مراسيم رئاسية لمعاقبة حماس على حدّ قوله، إقصاء وتَهجير وعقاب شريحَة كبيرة من أبناء فتح، ومن تيّار أبو عمّار، إلا من بصم له بالعشر، ويدّعي أنه يحافظ على مسيرة عرفات في حين أن عرفات تمرّد على واي ريفر، وتمرّد على التّنسيق الأمني وأشعلَها انتفاضة، ولم يكُن أبو عمار يومًا ضد الكِفاح المُسلح والمقاومة، بل أنهى حياتَه شهيدًا شهيدًا شهيدًا، سواء اختلف معه البعض أو إتفق في الماضي، وكما أسلَفت، يبدُو أنّ عبّاس قبِل بنهايته وهو على كُرسي اللّاشرعية، على كُرسي المُقرصن على قرار الشّعب الفلسطيني ومُقدّراته، يقُول عبّاس في آخر إجتماع للمجلس الثّوري أنه قد لا يرونه ثانيةً، فإذا كان هذا الشّعور لديه، لماذا لا يُنهي حياته بوِحدة فتح وعودة مناضلين وقَادة إلى صفوفها من جديد، لِماذا لا ينهي سطوة المُتنفّذين في فتح والسّلطة والمعروفين "بجغرافيتهم" عبر مسيرة هذه الحَركة، أليسَ جدِيرًا به بعد أن عرف نهايته بأي شكل من الأشكال سواءً ربانية أو غير ربانية، أن يبيّض صفحته أمام الشّعب الفلسطيني؟.

كيف بنت حماس مؤسسّاتها بعد إنقلابها -  كما يُسمّونه-  على الشّرعية؟، ولِماذا لم يتّخذ عبّاس تلك القرارت والمراسيم الرّئاسيّة والعِقاب ضدّ غزّة إلا بعدَ عشر سَنوات؟، إذا كان حريصًا كما يدّعي على وحدة الشّعب الفلسطيني والبرنامج الوَطني، حَماس خلال عشر سنوات بَنت سُلُطات سياديّة ومُؤسسات سياديّة، وعبّاس يعلَم أنه لا يمكن تجَاوزها الآن، هذه حقيقة، سواءً اختلف أو اتفق البعض مع حماس، ولكن حقيقة أيضًا أن عبّاس كما أعطى زمنًا للإنقسام وتكريسُه، أعطَى زمنًا للإستيطان وتكريسُه، وتَحت ذريعة المُفاوضات والتوجّه للمُجتمع الدّولي، غير أنه مازال يخشى للآن التّقدم ل22 مُنظمة دوليّة منظرًا دورًا جديدًا للولايات المُتحدة الأمريكية لتُنفّذ صفقتها التي لم تُعلن عنها للآن، بل كلّ ما يحدث إعلاميًا هي حالة دراسة لرُدود الأفعال الشعبيّة والإقليمية من خلال تسويق بعض الأفكار.

طبعًا، المُصالحة وصلت لطريقٍ مسدود، بالممالطة وما يُسمى بالتّمكين والتّسكين والرّواتب والجباية وغيرها، ولم يُفكر أحد كيف يندفع الواقع الفلسطيني لمواجهة قرار ترامب، أو مواجهة تهديد يحدث لإنهاء أي وحدة بين شطري الوطن، هذه حقيقة ثالثة، لا يهُمّنا ما يتناوله عبّاس لفظيًا، كمُسكّنات من عقار "البنادول" الرّديء، حول وحدة الشّعب الفلسطيني والاستمرار في المُصالحة وغيره، فالزّمن يأكلنا والتّوقيت أيضًا، وليس لدينا فائض من الوقت لنسمع هذه الترّهات والتّعتيم والألفاظ الموجّهة سيكولوجيًا وعاطفيًا، ولكن الحقيقة الرّابعة أن غزّة تُذبح من الوريد إلى الوريد، ليس بِقرارات الإحتلال، ولكن بقرارات المُهيمن على السّلطة قرصنةً وفرض أمر واقع على شعبٍ أعياه الفقر والتّفكير في رغيف الخبز ومُستقبل الأبناء والرواتب، من أين تلك القوّة لرئيس يُمارس أبشع أصناف التّعذيب على شعبه، أهي إرادة الشّعب وقرارُه، أم قوّة عبّاس كما أفرد قادة الإحتلال من وجود الإحتلال في حدّ ذاته، ومن قوى إقليمية تستهلكه زمنيًا، كالحديد الذي يصدأ وينتهي إذا ما قرّرت تلك القوّة إنهائه، هذه حقيقةٌ خامسة.

بالتّأكيد أن هذا المقال سيُثير البعض من "المُسحّجين" وأصحاب الرّتب التي لا تزن أكثر ما تحتويه من نُحاس، أقول وقُلت للضّمير الوطني سابقًا والآن، أقُول لهم: أين قرارات المجلس المركزي؟، وهل حكومة رامي الحمد لله التي تجتمع مع قادة الإحتلال أتت من إرادة رامي الحمد لله أم هو مجرّد دُمية في يد عباس، وهل كان الصّراع الذي قاده محمود عبّاس ضدّ عرفات لصلاحيّات رئاسة الوُزراء أعطاها لرامي الحمد لله؟، أم أتى برئيس وزراء ضعيف، يحب أن يكون مختالًا ويحكم في أسوأ مرحلة يمر بها الشّعب الفلسطيني ليزيد الحالة تدهورًا؟. عندما انتُخب عبّاس، انتُخب في أجواء ٍ غير طبيعية وغير مُتوازنة حركيًا وسياسيًا ووطنيًا، وانتهت هذه الحُقبة التي تخبّطت فيها حركة فتح نتيجة عدّة قرارات اتّخذها في حينه، وبعد انتخابه. قد يكون عبّاس مُحقًا في قرصنته لأنه وجد شعبًا تتلاطشه معالم الفقر والأرق والضّعف، وحركة أقصي منها شُرفائها عبر مسيرة، فكان الواقع يقول أنّ عبّاس كما نَقل عنه أحد الإخوة عندما قال:"الشّعب الفلسطيني خرا.. ويبوس ايده وجه وضهر إذا حصلتله دولة في الضّفة وغزّة!".

 

سميح خلف