هل يمكن للقدس أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية, وهل يمكن أصلا أن يكون هناك دولة فلسطينية في وطن مقطع الأشلاء بكل مكان فمن غزة المخنوقة من كل جهة إلى الضفة الممزقة الأوصال بالبوابات والأسلاك والمستوطنات إلى القدس المسلوخة بالنار عن أرضها إلى الجليل بلا نقب والمثلث بلا شاطيء والشاطئ بلا تراب, وهل الدولة ممكنة دون تحرير الأرض من الاحتلال, وهل تحرير الأرض من الاحتلال ممكن دون كفاح على الأرض يجعل من كلفة الاحتلال أعلى بكثير من مكاسبه التي يجنيها من مواصلة احتلال أرضنا, وهل الكفاح ضد لاحتلال ممكن دون إرادة وطنية فلسطينية صادقة وفاعلة على الأرض وهل الإرادة أصلا ممكنة دون وحدة وطنية حقيقة تلغي والى الأبد كل أصناف الانقسام بما يضمن أن يقف الجميع تحت سقف برنامج وطني واحد وموحد لكل الشعب وقواه بحيث لا يشذ عنه احد حتى انجاز الأهداف الوطنية المشتركة الأولى والمقبولة من الجميع, ولكي نصل إلى ذلك فان المطلوب أولا وقبل كل شيء ليس أن نواجه ترامب والاحتلال مفرقين وكل من بوابته بل أن تتوحد إرادتنا قولا وعملا وان لا تصبح رام الله واحدة من الأسلاك الشائكة المفروضة على غزة ولا أن تبحث غزة عن بوابة للخارج إلا عبر الطريق غالى القدس ومن القدس وان لا يجد المواطن الغزي نفسه أمام عقوبات غير معقولة تفرضها رام الله تماما كما الآخرين على بلده وناسه وعليه شخصيا بالتالي فالعقوبات لا تطال حماس بل تطال كل الناس هناك وقد أصبحت حياتهم لا تطاق وكيف يمكن لكل ذلك أن يكون وقيادة شعبنا منشغلة بالصراع على حكومة أصحابها أنفسهم يقولون إنها لا تحكم.
بالنسبة للمواطن الفلسطيني الغزي فان القدس ليست بوابة للخبز ولا للكهرباء ولا للماء والدواء والغذاء في غزة التي يعاني سكانها اليوم من كل أشكال المعاناة اليومية وبالتالي فان الناس الملهوفين على الخبز غير قادرين اليوم على التفكير بعروبة القدس وان استمرار الحصار عليهم سوف يقودهم حتما إلى البحث عن اقصر السبل للخلاص وهو القبول بإدارة مستقلة لقطاع غزة تنهي كليا الترابط الوطني مع سائر أجزاء الوطن الذي بات مقطع الأوصال في واقع الأمر لأشلاء وأشلاء فالوطن الضائع في حيفا ويافا له أشكال معاناته المختلفة عن معاناة القدس وعن معاناة رام الله وتوابعها وعن معاناة غزة وعن الشتات حدث ولا حرج ففي لبنان حكاية وفي سوريا حكايات وما تبقى من فلول الفارين من نار العراق ونار ليبيا ونيران الدنيا وغضب وعتب الكويت إلى أي مكان يؤويهم لا يعيد القدس ولا يكنس الاحتلال بل يوفر لهم مأوى لليلهم الطويل البائس.
هذا هو الحال الذي يعيشه الفلسطيني, وحال قيادة منشغلة عنه وعن قضيته الأم وقضاياه به لا له, فهل يمكننا بحال كهذا أن نواجه حرب ترامب وقنابل نتنياهو وكماشات العرب وكل يحاولنا على الرضوخ بأشكال وأشكال بما فيهم أولئك الذين يرون في ترامب مبعوثا إلهيا لإنقاذ البشرية وكأنهم يعتقدون أن التخلص من الشعب الفلسطيني وقضيته هي بوابة البشرية للحرية من كل شر على يد المبعوث الإلهي ترامب وقد يرى البعض اليوم في التراخي المعلن للقبضة ضد فلسطين وشعبها ومحاولة البعض العودة لسمفونية الدعم للشعب الفلسطيني تراجع عن الجريمة في حين أن علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقة لهذه النغمة الجديدة والتي أبرزها تصريحات ولي عهد السعودية عن أهمية القضية الفلسطينية لخادم الحرمين الشريفين الذي يغلق كفه ف يوهنا ويبسطها على مصراعيها في وجه ترامب, يغلق كفه وعقله عن فلسطين والقدس ويصمت عن احتلالها في حين يقدم الغالي والنفيس ارضاءا لأمريكا ترامب في حرب اليمن وجرائم تدمير سوريا والتطبيع مع دولة الاحتلال بلا خجل.
لا قدس ولا دولة ولا حرية ولا تحرير أبدا إن لم نخجل من أنفسنا أولا ومن كل مظاهر الخراب الذاتي من انقسام وعقوبات مفروضة منا علينا وخلافات على سلطة لا سلطة لها واستعدادنا للقبول بالآخر لا قبول ذواتنا فلا احد يمكنه تحقيق النصر على أعداء الخارج وهو يحارب ذاته في الداخل, لا احد يمكنه كنس الاحتلال جيشا ومستوطنين من على أرضه إن ظل منشغلا بخلافات داخلية لا مضمون لها سوى إضعاف الذات أمام الأعداء وتمكينهم منا, ولن يكون لنا بوابة لوطن حر ولا للقدس عاصمة إن لم نتقن نحن أولا كيف نكون سدا واحدا موحدا بلا ثقوب للريح والأعداء والمغرضين في صفوفنا وإلا فان ثقوب الريح وحدها من ستنتصر علينا لان أولئك الذين لا يؤمنون بذواتهم ولا يوحدون صفوفهم سيبقون أبدا صيدا سهلا لكل طامع أو راغب بهزيمتهم فالأسوار المثقوبة لا تصمد أبدا أمام ريح أعدائها.
بقلم
عدنان الصباح