من الملاح العامة لصفقة القرن التي قدمها امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور صائب عريقات،خلال اجتماعات المجلس الثوري لحركة فتح والتي عقدت في رام الله لمدة ثلاثة أيام وانتهت امس،حملت عنوان "إملاءات الرئيس ترامب المرحلة الجديدة فرض الحل"....نجد بان هذه الصفقة تصفية شاملة للقضية الفلسطينية،ولن يتمخض عنها دولة فلسطينية،بل حكم ذاتي محدود وأبدي،تقام سلطته على المعازل (ألف وباء) ،أي "كانتون" بلدي موسع وسموه ما شئتم ،جمهورية امبراطورية ..اجعلوا له رئيساً ووزراء وسجاد احمر،ولكن في النهاية هذا لن يغيير من الواقع شيء ...الصفقة المقترحة هي تتبنى مشروع نتنياهو والقوى الصهيونية المتطرفة للحل بنسبة لا تقل 95%،فالمشروع الصهيوني المقترح للحل والذي يجري ترجمته الآن على الأرض،عبر ال" تسونامي" الإستيطاني الذي يغرق مدينة القدس بعشرات ألالاف الوحدات الإستيطانية،ويوسع مساحتها لتصبح (10)% من مساحة الضفة الغربية،وما يجري من عمليات تطهير عرقي تطال الوجود العربي الفلسطيني في المدينة مسلمين ومسيحيين،وتطبيق السيادة والقوانين على مستوطنات الضفة الغربية،هو المشروع الذي حمله نتنياهو الى واشنطن عندما إلتقى الرئيس الأمريكي في الخامس عشر من شباط /2017 في واشنطن،مشروع السلام الاقتصادي،تأبيد وشرعنة الاحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بأموال من صناديق عربية ودولية،مقايضة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني برشى ومشاريع اقتصادية،وفي ذلك اللقاء طرح نتنياهو مشروعه بالتفصيل لا عودة لحدود الرابع من حزيران/1967،ولا للدولة الفلسطينية غربي نهر الأردن،والقدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية،والكتل الإستيطانية الكبرى تضم الى إسرائيل،والأمن الخارجي والحدود والأجواء والبحر والمياه والموجات الكهرومغناطيسية تحت السيادة الإسرائيلية.
صفقة القرن،صفعة العصر هذه تبنت بالكامل كل ما طرحه نتنياهو،قرار المتطرف ترمب وادارته المتصهينة اعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال،ونقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس في يوم نكبة الشعب الفلسطيني،وتصفية قضية اللاجئين،عبر تجفيف الموارد المالية لوكالة الغوث واللاجئين " الأونروا" وإلغاء صفة التوريث لكلمة اللاجىء،تلك الوكالة الشاهد الوحيد على مأساة شعبنا وتقاعس المجتمع الدولي،بل انحيازه الى جانب دولة الاحتلال في منع تطبيق القرار الأممي (194)والذي في جوهره دعا الى عودة اللاجئين الى ديارهم التي طردوا وشردوا منها بفعل العصابات الصهيونية،وهذه الوكالة أيضاً شاهد على الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الأرض والإنسان الفلسطيني..وفي إطار اعلان الصفقة يتحضر ترامب لقرار أخر بالموافقة في المرحلة القريبة على قرار ضم الكتل الإستيطانية الكبرى لدولة الاحتلال...وغيرها من القرارات التي تجعل إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستحيلة،بل وصفة لإقامتها في السماء وليس على الأرض.
عندما وقع الفلسطينيون على اتفاقية أوسلو الكارثية، والتي لم تتطرق الى دولة فلسطينية بالمطلق،قال ثعلب السياسة إسرائيلية المغدور بيرس ما منحناهم إياه حكم ذاتي،فليسموه ما يشاؤون دولة امبراطورية المهم هو حكم ذاتي محدود.والآن البعض فلسطينياً وعربياً،وخصوصا من هم عراب للمشروع والخطة الأمريكية،عرب "الإعتلال" من يسمون بأنفسهم بعرب الإعتدال،يحاولون تجميل صورة الصفقة بإستغلال أي تصريح امريكي للقول بأن الصفقة تشتمل على قدس او لا تصفي قضية اللاجئين...الخ،في محاولة قذرة للخداع والتضليل وتبرير انهيارهم وسقوطهم المدوي،فترامب واضح لا لدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس،فليخترع الفلسطينيون لهم عاصمة خارج جدار الفصل العنصري،وبالتحديد ما ورد أبو ديس،واللاجئين ربما يعيدون بضعة ألآلاف منهم كحالات إنسانية الى قطاع غزة او الضفة الغربية وحتى من هم مشارفين على مغادرة الدنيا الى الداخل الفلسطيني- 48 -،ويقولون لنا ها هو حق العودة قد تحقق؟؟؟؟.
المأساة والكارثة أننا كلفسطينيين،وكأننا نكتشف أمريكا ودورها وانحيازها الى جانب دولة الاحتلال الآن في طرحها للحل وفق الإملاءات،وكأن ربع قرن من المفاوضات العبثية والدوران في الحلقة المفرغة،لم تكن كافية لنا لكي نكتشف عقم الحل وتحصيل الحقوق عبر هذا الخيار التفاوضي العقيم،الذي جربنا كل أشكاله مفاوضات سرية وعلنية وأخرى عن قرب وعن بعد،والنتيجة مزيد من الخسارة وضياع الأرض والحقوق.
مع نهاية المرحلة الإنتقالية لأوسلو،كانت كافية لأي عاقل ان يكتشف بأن مسار المفاوضات العبثية وخيارها لن يقود الى حل وإقامة دولة فلسطينية،بل إدارات أمريكية متعاقبة تدير الصراع وتمكن إسرائيل من فرض وقائع على الأرض عبر الإستيطان والتهويد،وتبيعنا أوهام وشعارات،ولتأتي الإدارة الأمريكية الحالية المتصهينة،لكي تضعنا أمام الواقع الصادم،الإنتقال من الإنحياز التاريخي الى جانب دولة الإحتلال للمشاركة الفعلية في العدوان على شعبنا.
المصيبة والكارثة بان دولة الاحتلال بمختلف تلاوينها الحزبية،بقيت ثابتة على استراتيجياتها ومواقفها لا قاطعة للدولة الفلسطينية،ولا لوقف الإستيطان،حتى عندما قاد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيري المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لمدة تسعة شهور،كان نتنياهو يبتزنا ونقبل بالإبتزاز،إطلاق دفعة اسرى يقابله إقامة وحدات استيطانية جديدة.
الان بعد كل هذا الوضوح ما زالت العديد من الدول العربية،دول المحور الأمريكي تمارس الضغوط على قيادة السلطة الفلسطينية،لكي لا ترفض الخطة الأمريكية،بل التعاطي بإيجابية معها،وهم يريدون للقول للسلطة الفلسطينية بانه يمكن " حلب الثور".
من غير المشرف لقاهرة المعز وعبد الناصر ان تعلن صفقة القرن،صفعة العصر من عاصمتها،وخصوصاً بان عدوان عام 2014 على مقاومتنا وشعبنا في قطاع غزة،شن في ظل وجود وزير خارجية إسرائيل أنذاك "تسيفي ليفني" الى جانب وزير الخارجية المصري أبو الغيط،الذي هو رئيس الجامعة العربية الان.
المأساة بأن الصفقة ستعلن،وما زلنا كفلسطينيين قيادات تتصرف بنفس النمطية والرتابة،وتستمر في المناكفات والتحريض والتحريض الداخلي،والتمكين وعدم التمكين،وشرعية وعدم شرعية سلاح المقاومة،ولا تعمل على تحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية،عبر إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية ،والتوافق على برنامج وطني،ورسم استراتيجية ورؤيا موحدتين،تقومان على الصمود والمقاومة،بل نهرب الى الأمام بتحميل بعضنا البعض المسؤوليات،والتنصل من تطبيق القرارات الصادرة عن المؤسسات الفلسطينية مما يضعف ويمس بهيبتها وصدقية قراراتها،حيث لم يجر تطبيق توصيات المجلس المركزي الأخير والتي جرى احالتها للجنة التنفيذية،بالتحلل من التزامات أوسلو سياسياً وامنياً واقتصادياً،بل وجدنا تكثيف في اللقاءات مع زعامات دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية.
هذه مرحلة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني،بحاجة الى قرارات جريئة،تستوجب توقيف العبث والتجريب بالحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني، مرحلة تستوجب مغادرة وضع "البيض" الفلسطيني في سلة محور عربي،متواطىء ومشارك في تصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني،علينا ان نفتح الخيار والقرار والتحالفات الفلسطينية على أرحب فضاء عربي- إسلامي دولي،بحيث يشكل ذلك مظلة قوية لحماية قضيتنا ومشروعنا الوطني،علينا أن نمد الجسور بقوة نحو لبنان وسوريا وطهران وروسيا والصين وتركيا،وغيرها من الدول والعواصم الفاعلة،حتى لا نخسر ذاتنا،فما يسمى بالمبادرة العربية للسلام هذا " الصنم" الذي أعلن عنه في قمة بيروت آب 2002 ،يجري ترحيله وركله من قمة عربية الى أخرى،ويجري الهبوط بسقفه لكي تقبل به إسرائيل،ولستر عورات البعض عربياً،ولكن تلك العورات أكبر من ان يسترها شجرة توت وليس أوراق،فالعرب المنهارين،ليس لديهم أي بديل او آليات تلزم إسرائيل وأمريكا القبول بتلك المبادرة،بل يواصلون الحديث عن أمريكا كوسيط لا غنى عنه في المفاوضات،وبدلاً من أن تقدم 54 دولة عربية وإسلامية على معاقبة أمريكا تجارياً واقتصادياً،وتغلق سفاراتها في بلدانها،نجد ان عواصمها ستستضيف مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية – أمريكية،ولذلك علينا ان لا نعول سوى على وحدتنا وتصليب جبهتنا الداخلية،والبحث عن أفاق وخيارات أخرى .
بقلم/ راسم عبيدات