بعد انكشاف التحالف الامريكي الصهيوني- الرجعي العربي، وخروجه إلى التصريحات العلنية، وبدون مواربة، يمكننا اليوم ان نقول بأن انتفاضة فلسطين عبر هباتها الشعبية ضد الاحتلال تشكل بطولة نادرة، على مقاومة الاحتلال .
ان إنحياز الادارة الامريكية ورئيسها المطلق لكيان الاحتلال، بعد اعتبار العاصمة الأبدية لفلسطين (القدس) "عاصمة أبدية" لكيان الاحتلال الصهيوني، وإعلان نيته نقل السفارة الأميركية إلى أحد أحيائها ، حيث لمسنا الصمت الرسمي العربي على ذلك، باستثناء الشارع العربي واحزابه وقواه التقدمية ، وما يجري داخل الأراضي الفلسطينية ومخيمات اللجوء والشتات، من خلال هبات الشعب الفلسطيني المتنقلةٍ .
من هنا نرى ان مواجهة "صفقة القرن" ومشاريع التصفية تتطلب استنهاض كل الطاقات وتطوير الهبات الشعبية الى انتفاضة شعبية متواصلة ، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي من اجل صون تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والاستقلال والعودة.
لقد بات واضحا، وأكثر من أي وقت سبق، خصوصا بعد "قرار القدس الترامبي"، وما بدأ يتكشف من شظايا "صفقة القرن" وبعض الاصطفافات الإقليمية إلى جانبها، والانحياز إلى جانب "مواجهة صفعات "صفقة القرن" تستوجب الخروج من حال المراوحة والتفكك" من اجل حماية المشروع الوطني، وصيانته من سيل التراجعات، وسبل التخلي عن مبادئه الكفاحية ، فالشعب الفلسطيني وخاصة شبابه وشاباته الذي يشكلون بطولة جيل جديد بفاعليته وعنفوانه، جيل يتجاوز كل أزمات الأجيال التي مضت على طريق المقاومة، ويعرف طريقه ببصيرة نافذة، ووعي كبير، جيل أكثر صلابة من جيل سبق، وأكثر وعياً من جيل سبق، وأكثر جذرية من كل الأجيال.
ان ما يقوم به شابات وشباب فلسطين من خلال هبات الغضب يومي الثلاثاء والجمعة في فلسطين يكشفون امام عيون العالم وجه كيان الاحتلال القبيح، وهم يرسمون خارطة جديدة للمقاومة، بصلابة الشجعان بالحجر والسكين، كما فعلت صفعة عهد التميمي التي زلزلت كيان الاحتلال دفاعا عن كرامتها، لأنها كانت صفعة الكرامة والعز من فتاة فلسطينية ترفض الاحتلال والاستيطان ومصادرة الأراضي، كما ترفض الفكرة الشيطانية التي يتبناها ترامب وبعض حكام العرب والتي تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، واعتبارها بقايا تاريخ لابد له أن ينزاح من طريق التطبيع بين العرب والصهاينة.
بالرغم من هذا الواقع المرير، فإن فسحة من التفاؤل، لا تزال تطل وتحيي الأمل، بتغيير المعادلة، وهذا يتجسد بالانتفاضة الفلسطينية المستمرة بمواجهة المشروع الامريكي الصهيوني ، مما يتطلب من الجميع تحمل المسؤولية.
إننا ندرك المخاطر المحدقة بشعبنا وقضيتنا، ونتحلى بأعلى قدر من المسؤولية تجاه هذه المخاطر وأهمية مواجهتها بكل الجدية المطلوبة من خلال الاسراع بانهاء الانقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة والعمل على عقد المجلس الوطني الفلسطيني من اجل رسم استراتيجية وطنية تستند لكافة الاشكال الكفاحية والثوابت الفلسطينية المتمثلة في حق العودة للاجئين وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
إن الجدية التي تنطلق من إدراك حقيقة الأزمة التي نعيشها، وعمق المأزق الذي وصلنا إليه تقتضي معالجة الوضع بأسلوب يختلف عما تم التعامل به حتى الآن وبعيداً عن الارتجالية والاستخفاف، وعن سياسة تسجيل النقاط ، والبحث عن القاسم المشترك هي السمات التي حكمت العمل الفلسطيني الجبهوي طيلة السنوات الماضية، وهي التي حمت المجتمع الفلسطيني وساحاته المختلفة من الانشقاقات العميقة، وهي التي حافظت على منظمة التحرير الفلسطينية كإطار ورافعة للعمل الوطني الفلسطيني في ظل تقلبات السياسة العربية والدولية.
وفي ظل تساقط أوراق الضغط العربية والدولية، أو على الأقل جفافها، يبقى العامل الذاتي الفلسطيني الورقة الأساس التي يعول عليها، والتي يجب أن تحظى باهتمامنا الأول، ولا ينكر أحد أن هذا العامل جرت الاستهانة به، وساهمت عوامل داخلية وخارجية في تهميشه وإضعافه، حتى بات يعاني من خلل كبير في بنيته السياسية، وفي علاقات قواه وفعالياته السياسية بعضها ببعض، مما أوصلنا إلى الواقع المؤلم الذي نعيشه من تزايد الثغرات في جبهتنا الداخلية بما تطرحه من احتمالات الصراع الوطني.
هذه النظرة التي لم تقلل من أهمية السعي لتوظيف الانتفاضة واستثمارها سياسياً، إلا أنها كانت على الدوام تبحث عن فتح آفاق استراتيجية أمام هذه الانتفاضة تمكنها من إحداث نقلة نوعية على المستوى الفلسطيني وتفعيل وتطوير الفعل الشعبي العربي للنهوض من اجل دعم القضة الفلسطينية.
ختاما: إن التناقض الرئيسي هو بين شعبنا وبين الاحتلال بمختلف أشكال وجوده العسكرية والاستيطانية والاقتصادية ، تتطلب من جميع القوى ان تستنهض دورها في دعم الانتفاضة والمقاومة الشعبية ، وفي المعركة الدائرة مع الاحتلال ، حيث سيأتي اليوم الذي تحكم فيه الانتفاضة سيطرتها على الأرض والشعب معاً، حينها سيبزغ فجر الحرية والاستقلال والعودة .
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي