ثمّة قراراتٍ اتخذتها قيادة مُنظّمة التّحرير عبر مسيرَتها في تمثيل الشّعب الفلِسطيني حتّى أصبحت هذه القرَارات ليست خطأً فحسب، بل خطيئةً إذا ما نظرنَا إلى النّتائج والآثار المُترتّبة عليها، إضافةً إلى تلك القرارات، والإرتباكات وحالة عدم تقرير الموقف مع حالة الزّمن والحالة الوطنيّة وتشابُكاتها والحالة الإقليمية وتشابُكاتها أيضًا. تتّخذ اللجنة التنفيذية لمنظمة التّحرير قرارًا جديدًا بتحديد موعد انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بمن حضر في أواخر شهر إبريل القادِم، ليست هُنا المُشكلة، بل المُشكلة في الزّمان والمكان ولوحة التّشكيل وبيانُها لهذا المجلس المُزمع عقده.
بدايةً، أن يُعقد المجلس الوطني الفِلسطيني بمن حَضر وفي نفس المكان في رام الله هَذا يعني أنّ كثيرًا من أعضاء المجلس الوَطني ممن هم خارج الوطن هم تحت رغبة الإحتلال في الحضور من عدمه، وهذا ينسجم مع توافُقيّات عبّاس ومقاييسُه الخّاصة لمن سيحضُر هذا المؤتمر الذي يفترض به أن يُمثل الكلّ الفلسطيني، سواءً من الفصائل أو النّقابات أو المُستقلين أو نشطاء، هذه حقيقةٌ أولى. أمّا عقد هذ المجلس وبدُون الوصول إلى قواعد صحيحة لمصالحة وطنيّة شاملة، ومصالحة فتحاوية شاملة، يعني ذلك أنّ عبّاس مُستمر في نهج الإنفصال، أي إنفصال الضّفة عن غزة، وهذا التّوجه يُجسّد طُموحات شريحة عملِت على ذلك مُنذ زَمن، وكان يعرفُها عرفات ويتعامَل معها بحذرٍ، وهذه حقيقةٌ ثانية.
الحقيقةُ الثّالثة، أنّ السيّد عبّاس يضرِب عرضَ الحائط بكُلّ المُؤسسات التّنفيذية والتّشريعية والتّمثيليّة للشّعب الفلسطيني، فهُناك قواعد أساسيّة يُجمع عليها الشّعب الفلِسطيني والفَصائل، وهو اتّفاق القاهرة الذي يتم تعطِيل تنفيذ بُنوده، ويُمثّل هذا الاتّفاق طُموح إِنجاز المرحلة لوضع مُعالجاتٍ لما سبق من أخْطاء، وإيجاد تمثيل حقِيقي للشّعب الفلِسطيني بعد أكثَر مِن عقدَين لم ينعقِد فيهِما المجلس الوَطني الفلِسطيني، والحقيقة الرّابعة، لِماذا لم يلتزِم عبّاس واللّجنة التّنفيذيّة لمنظّمة التّحرير الفلِسطينية بِقرار وتوصيات إجتمَاع القِيادة المُؤقتة لمُنظمة التّحرير والمُنعقد في بيروت في مطلع عام 2017.
لا أعتقِد أنّ عبّاس قد قرّر عقدَ هذا المَجلس بدُون إرشاد أو ضُغوط داخليّة، وهذا يُذكّرني بإجراء الإنتخابات بضُغوط أمريكيّة في عَام 2006 والتّمهيد فيها لإنقسام أُفقي وعمُودي في داخِل حركة فَتح، وفي داخل المُجتمع الفلسطيني والنّظام السياسي الفِلسطيني، وهُنا أذكّر بالآتي:
1- من الّذي دفع لإنتخابات عام 2006 بتوصِيات أمريكية؟
2- مَن الذي دفَع لفكرة البرايمرز في حركة فتح؟
3- من الّذي يقِف في وجه وحدة حركة فتح؟
4- من الّذي أوقَع حماس في فخّ الانتخابات؟
5- من الذي كلّف حَماس بتشكيل الحُكومة؟
6- من الّذي لم يُسلّم حكومة حَماس الدّوائر الحُكومية؟
7- من الذي تَرك غزّة دُون قيادات للسّلطة؟
8- من الّذي طلَب من المُوظفين مُغادرة أماكِن عملهم؟
9- من الّذي يُحاصر غزّة؟
10- من الذي يعاقب أهل غزّة؟
بالتّأكيد أنّ أهل غزّة والشّعب الفِلسطيني يعرفُونه جيّدًا، وبالاضَافة المُباشرة للإجابة، أنّه عبّاس الذي يعمَل بدُون مَلل أو كَلل على تدمِير كُلّ شيءٍ في الحياة الوطنيّة الفلِسطينية. لا أدري كيفَ يُمكن أن يتّخذ المجلِس الوطَني الذي قرّرته تنفيذيّة عبّاس قَرارات حاسِمة لصَالح الأيقُونة الوطنيّة في ظل الإحتِلال ومُراقبته، والكُنترول من قِبله على من يحضُر أو لا يحضُر، أعتقد أنّه من الطّبيعي لو كَان هُناك توجّه وطَني فنحنُ لسنا ضدّ انعقاد المجلس الوَطني، بل هذا مطلَب ضرُوري في هذه المَرحلة، ولكن هُناك آليّات لانعقاد هذا المجلس تتمثّل في الآتي:
1- إنهاء ملف المصالحة.
2- عقد الإطار المُؤقّت لمُنظمة التّحرير الفلسطِينية، وتحديد موعِد لانتخابات المجلس الوطنِي، وتَشكيل لجنة تحضيريّة لذلك.
3- تحدِيد انتخابات رئاسيّة وتشريعيّة.
4- تحديد موعِد لانعقاد المَجلس الوطَني خارج الوَطن، بحيثُ يُمثل الكلّ الفِلسطيني من خلِال انتخابات حُرّة.
أعتقد أيضًا، أنه بدلًا من أن يُعقد المجلس الوَطني في رام الله بتشكِيل مبتُور ومحصُور، كان يُمكن لعبّاس وتنفيذيّة عبّاس أن تُطالب أولًا بفكّ العقُوبات عن غزّة، وثانيها تنفِيذ قرَارات المَجلس المَركزي الصّادر عن مُنظمة التّحرير الفلسطيّنية، وثالثُها تشكيِل حُكومة أو هَيئة انقاذ وَطني انتقاليّة لتنفيذ المُتطلّبات السّابقة.
أعتقد أنّه كان مِن المُلائم أن تنظُر تنفيذيّة عبّاس للواقِع الوَطني قبل أن تبصُم بالأصَابع العشْر لمنهجيّة عبّاس وبرنامجِه الذي أصبَح مكشُوفًا للجميع، إنّه يسعى بكُلّ جُهد من خِلال كُل القرارات التي يتّخذُها على مُستوى مُنظمة التّحرير أو السّلطة الفلسطينية أو الحُكومة إلى انفصَال الضّفة عن غزّة، فستبقى مُشكلة قِيادة مُنظمة التّحرير وتشكيلاتُها الفصائليّة هي مِن المِحن المُزمنة التي تُواجه الشّعب الفلسطيني، والتي شارَكت بفعاليّة في كلّ القرارات التّدميريّة والمُؤسفة على مَدار هذه المَسيرة المُؤلمة والفاشِلة، ولازالت قيادة مُنظمة التّحرير ترتكب الأخطَاء تِلو الأخطاء إلى أنْ تصِل إلى الخَطيئة التي سيترتّب عليها أزَمات لا يُمكن حلّها كالمشرُوع السّياسي والمرحلي الذي اتّخذته في العَام الرّابع والسّبعين من القرن المَاضي والإعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و 338 ومُصادقتها على اتّفاقية أُوسلو التي مَازال عباّس في آخر خِطابٍ له في مجلس الأمن يُذكّر المُجتمع الدّولي بها وبنصُوصها، أمّا الشّعب الفلسطيني لازَال يعيش كَوارثها ومصَائبها.
بقلم/ سميح خلف