يَبحث النّظام السّياسي الفِلسطيني ومُنذ إنطلاقة الثّورة الفلسطينيّة عن إقامة الدّولة الوطنيّة على الأرض الفِلسطينية بمنظُور الحلّ المَرحلي الّذي تم التّوافق عليه في المجلِس الوطَني الفلسطيني في دِمشق، وهو بِمثابة الهَدف الإستراتِيجي لمُنظّمة التّحرير الفلسطينية، قد نتّفق ونَختلف على مَنهجيّة التّطبيق وفِهمها وما أتت به القَناعات للقيادة الفِلسطينية الّتي تعوّدت أن تتِم مسَاعيها من أجل هذا الغَرض ومِن تحت الطّاولة مع الإحتِلال، والّتي أفرَزت إتّفاق أُوسلو وسُلطة الحُكم الذّاتي بعيدًا عن المُكون المُؤسّساتي سواء لِفتح أو الفَصائل أو مُنظمة التّحرير، بل كَان مِن المَطلوب تصديق تِلك المُؤسسات على الإتّفاق وكَان مَطلوب من المَجلس الوطنِي في عام 1997م التّصديق على حَذف كُل البُنود المُتعلّقة بالصّراع مَع دولة الإحتلال. المُؤسّسة الفِلسطينية وَهِنة وضَعيفة بَعد التّحول من أداء الثّورة إلى أداء الدّبلوماسية والسّياسة فِي مطلع السّبعينات مِن القَرن الماَضي، وبالتّالي القرار الفلسطيني الوَطني لَم يكُن يُعبر عن مَوقف مُؤسسة بل كَان يُعبر عن قُوة ما يتحكّم بالمال ومَا له مِن دعم إقليمي ودولي ونُفوذ،. مُناخات كَثيرة عمِلت على إِفراز مِثل تِلك الحالة والتي أثّرت على البَرنامج الوَطني وصُولًا لأُوسلو وحَالة الضّياع مَا بعد أُوسلو، فَلم يعُد شيئًا مفهُومًا في قامُوس السّياسة والبَرنامج الوَطني إن كان موجودًا فعلا!.
الحركة الوطنيَة الفلسطِينية بدأت من فَتح إلى آخِر فَصيل تفتقِر فعلًا لبرنامِج وطَني له ثوابت ورَكائز يُمكن البِناء عليها بدُون تراجُع أو تحوّل. النّظام السّياسي الفِلسطيني المعمُول به مُنذ السّتينات مِن القَرن المَاضي يتمثّل - في مُنظمة التحرير الفلسطِينية ولجنتِها التّنفيذية ومجلِسها المَركزي المُنتخب من المجلس الوطني، وينبثِق عَن هذِه المُؤسّسات الدّائرة السّياسية والعَلاقات الخارجيّة والإعلام والجَيش والأَمن ومُؤسسات فرعيّة أُخرى ولمُنظمة التّحرير رئيس للجنة التّنفيذية وأمين سر. أتت أُوسلو لتكُون خطأ وخطيئةً باسم مُنظمة التّحرير لتُفرز سُلطة الحُكم الذّاتي والتي سَحبت صلاحيّات المُنظمة لتتحدّث باسم الشّعب الفِلسطيني وبقِيت مُنظمة التّحرير كِيان هامِشي موضُوع على الرّف لِحين الطّلب باعتِبارها تَنال إعتراف دولِي وإقليمي، مِن المفرُوض أنّ السّلطة تخضَع لمُنظمة التّحرير وقِيادتها، ولكن للأسف ما أفرزه النّظام السّياسي الفلسطيني لأسطُورة القائِد الأوحد المعمُول بها للآن جعلت المُؤسّسات الفِلسطينية مثل لُعبة الثّلاث ورقات في الكُوتشينة يلعَب فيها القائد الأوحد بأوراقِها كما يشَاء بدُون حِساب أو مُراقبة أو مُراجعة. رئيس مُنظمة التّحرير هو رئِيس السّلطات التّشريعية في المُؤسسة الفِلسطينية، وهو رئِيس السّلطات والمُؤسسات التّنفيذية والمُؤسسات الفرعيّة من أمن وخارجيّة وماليّة وكُل شيء في المُؤسسات الفَرعية رُبما حتى القَضاء ولم يكن هناك فصل بين السلطات. هذه هي مُناخات وماهيّة النّظام السّياسي والوَطني الفِلسطيني لوقتِنا الحَاضر، ولكن بعد فَشل وعُقم كينُونة القَائد الأَوحد وتهمِيش المُؤسّسة وما أتت به من وَبال على الشّعب الفِلسطيني، واشتعال الصّراعات لخليفَته في الضّفة، وتبادُل المُتصارعين التّرويج الإعلامي وكَيل الإتهامات كلٍّ منهم للآخر، ورسائل تُرسل عَبر الأثير والدّوائر الضّيقة للإحتلال تارةً وتارةً أُخرى للشّعب الفِلسطيني، هذا مِن جانِب أمّا الجانِب الآخَر وهو ذات أهميّة وهو جانِب الإحتلال ورسَائله من تَوسيع لصَلاحيات الدّائرة المَدنية بقِيادة يُوئاف مِردخاي مُنسق شُؤون الحُكومة الإسرائيلية في الضّفة، والّتي قَال عَنه صائب عُريقات بأنّه القائِد الفِعلي للفسطينييّن في إشارة مِنه بعدم وُجود السّلطة فِعليًا وهِي رِسالة من أمِين سِر اللّجنة التّنفيذية الذي عيّنه الرّئيس بدَلًا مِن عَبد رَبه في تكهُّن أنّه الأقْرب لخِلافة عبّاس. الرّئيس عباس يُشغل المُتصارعين مع بعضِهم البَعض فيوعِز لماجِد فرج أن يُصدر تصرِيحات مُهينة وطنيًا بمُقاومة رجال الأمن للنّشطاء ومَنع عمليّات ضِد الإحتلال، ويتبيّن فِيما بَعد أنّ الرّئيس عبّاس هُو من يتحمّل مِثل تلك المواقف وهَذا ما تبيّن في لقائِه الأَخير مَع وَسائل الإعلام.
تَحدّثت بَعض الدّوائر في فَتح بأن الرئيس سيعيّن نائبًا له مَا لم يحدُث طاريء، ويُصرّح يعالُون وليفني ونتنياهُو بأنّ السلطة تنهار رويدًا رويدًا، وماذا سيفعلُون عِند انهيارها، وفي نفس السّياق قَد يُطرح نَفس الأسئلة على الفِلسطينيين، ماذا الذي يجب أن يفعلوه عند إنهيار السّلطة في ظل تمسُّك الرّئيس بعدم عَقد الإطار المُؤقت لمُنظمة التّحرير وانعقاد المَجلس الوَطني والمُؤتمر السّابع لِفتح والدّخول إليه بوِحدة فتح وليس انقسامِها، وهي الحَصانة والضّامنة لتماسُك القَرار الوَطني بعد رَحيل عبّاس. قد يقُول البَعض أنّني مُتشائمٌ بِخصُوص الواقِع الفِلسطيني ما بَعد عبّاس بالرّغم من أن كثيرًا هم من تحّدثوا سَواء مِن قِيادات الإحتلال أو غيره بأنّ عباس هو آخرُ رئيسٍ للسّلطة، وهُنا قد يقُودُنا الحَديث لنُلقي نظرةً على المُناخ السّائد لِنرى أن 60% من أَراضي الضّفة تحت سَيطرة الإستيطَان وهي تمثل المنطقة سي التي تَحتوي على 176 مُستوطنة و190 بُؤرة استيطانية، ونسبة 65% من الغُور تَحت سَيطرة إسْرائيل، والآن لا حُلم بعد لدَولة تضُم الضّفة وغَزة وقد تُهدد الوِحدة الجُغرافيا والسّياسية في كلاً من الضّفة وغزة، وواقِع غزّة مفهُوم وواضِح ولكن مَاذا عَن واقِع الضّفة بعد عبّاس، هل ستكُون مرحَلة الفوضَى القبليّة والفصَائلية والمَناطقية أم صِراع بينَ الأجهِزة التي ترتَبط باتفاقيّات مع الإحْتلال أم أقاليم لإدَارات محليّة مدَنية تحت سيطَرة مَردخاي؟، نَأمل أن لايكُون ذلك.
إذا تنبّه الرّئيس وقام بكَسر بعض الإملاءات الإسرائيليّة والأمريكيّة وأسرع في مُصالحة فَتحاوية ومُؤتمر حرَكي يضُم الجَميع بدُون العَبث في مُكوّناته ومِن ثم مُراجعات وحِساب وعِقاب يُؤدي لمركزيّة وثَوري تُعيد بِناء البَرنامج السّياسي للحَركة تبويبًا لوِحدة وطنيّة مع الفَصائل الوطنيّة والإسلاميّة وتحدِيث المَجلس الوطني ومن ثُم إعلان الدّولة الفِلسطينية كَواقع تَحت الإحتلال وفَتح مَجال المُقاومة بكُل أصنافِها فإننا نستطِيع في هذه الحَالة بِناء المُؤسّسة المسؤولة بقيادة المُؤسّسة وليسَ الفَرد، فقد يكُون لمُنظمة التّحرير رئيسًا ولفتح رئيسًا وللسّلطة رئيسًا وبالتّالي نصِل لقيادة جماعيّة تُنهي قِصّة الزّعيم الأوحَد الدّكتاتور الذي أهدَر كثيرًا مِن الطاقات الفلسطينيّة وأهدر كثيرًا من برنامج وطني كان قد يوقف الإحتلال عن استيلائه على معظم الضفة الغربية.
وكلمة أخيرة ان لم يحدث ما أسلفت ذكره فقد يكون مستقبل الدولة في غزة، أما الضفة فقد تكون مجرد الحاق إداري سواء لغزة أو الشرق أو اسرائيل أو كلاهما، وهي تجمعات سكانية، وقد نخسر كثيراً من هذا البرنامج الذي يمثله الرئيس على طريق فقداننا جزء عزيز ومهم وعمق فلسطيني في الضفة ليلحق بأراضي فلسطين المحتلة عام 1948.
بقلم/ سميح خلف