غزة.... والانتحار !!

بقلم: وفيق زنداح

قضية شائكة أكبر وأشمل .... من أن يتم التطرق لها من خلال مقال لكاتب ...للبحث حول اسبابها ...دوافعها .... وظروفها العامة والخاصة ..... وما يجعل من شاب بمقتبل العمر أو فتاة بريعان شبابها ....أو أب يقوم بقتل ابنه أو أمه ..... وما تشهده الساعات الاخيرة والايام الماضية من محاولات عديدة .... للانتحار الذي حرمه الله سبحانه وتعالي .... وفي ذات الوقت يتعارض مع تعاليم ديننا .... ومجتمعنا ...ثقافتنا وأخلاقياتنا ....حتى أنه يتعارض ويتناقض مع تطلعات وأمال شبابنا الصاعد .....والذي ينظر للحياة بمنظور الامل المتجدد .... ليوم أفضل ...ولظروف أحسن ...ولمستقبل منشود .

المسألة خطيرة ....ولا تحتاج الي مجاملات وكلمات فضفاضة..... وشعارات خاوية ....ومواقف لا تسمن ولا تغني من جوع ....وخزعبلات اعلامية ....بمحاولة رمي الكرة بالملعب الاخر .....وتحميل طرف للمسئولية ..... دون طرف أخر .... وكأننا لا نعيش على أرض الواقع ....ونري بأم اعيننا ....ونسمع بأذاننا .... ونشرب من مياهنا الملوثة ....غير الصالحة للاستعمال الادمي .... ونأكل من خضروات بعضها مسموم ....ولحوم يعلم الله من أين تأتي ....ودواجن يتم تربيتها وزيادة وزنها خلال أيام وهواء ملوث ...كما البحر الملوث ....حشرات تزداد بعددها وكبرها .... ولا نعرف مصدرها ....وبطالة متفشية في تصاعد مستمر ..... وانهيار شبه كامل ..... بالقطاع الاقتصادي والتجاري ... والصناعي .... ورجال أعمال وتجار معظمهم داخل السجون ....وحالات ادمان تزداد ولا تقل ....وحالات يأس واحباط ....طالت العديد من الشرائح المجتمعية .... والمهنية .... والطبقية .... وانسداد للأفق .... حول مستقبل مجهول .... في ظل واقع مؤلم .... وبائس .

الفرد يعاني ...والاسرة تعاني....والمجتمع يعاني ...والناس بمجموعهم أصبحوا غير قادرين على تحمل تبعات أحوالهم ..... وواقع حياتهم

شعب مؤمن بالقدر وما قسم له ...ولا يعترض على مقدار الرزق .... كما لا يعترض على مستوي المعيشة ..... ولا ينظر لميسوري الحال.... بنظرة حسد أو كراهية .... لكنهم دائمي السؤال .... حول الغناء الفاحش والمفاجئ .... وحول الفقر والتدهور المفاجئ الذي أصاب البعض .

بكافة الاحوال ...... ظروف غزة .... الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ....ليست خافية على احد بل مكشوفة .... الي حد التعري .....ولا تجد من يغطيها ويستر عورتها .... ويحفظ لها مكانتها وتاريخها ..... وتضحياتها عبر عقود طويلة .

نعيش على ارض غزة ....وكانها ليست غزة التي تعرفها ونعيش فيها منذ عقود طويلة ....وأهلها كأنهم ليسوا بأهلها ...والمعروف عنهم.... وما يميزهم وما يوصفون به بالشهامة والكرامة .... بالكبرياء والنخوة ....والصمود والتضحية .

كل شي مقلوبا ...ومتناقضا .... مع الذاكرة التي نعيش عليها ....ومع الواقع التي تعايشنا معه على مدار عقود طويلة ..... الا تلك الفترة الانقسامية السوداء ....والمستمرة منذ 11 عام .... والتي زادت من ضراوة الاوضاع ....وحده الكوارث والازمات ...وجعلت كل شي ممكن ومتاح ....حتى امكانية بيع أطفالنا .... وأعضاء من أجسادنا .... ولن أقول أكثر من ذلك..... لأنكم تعرفون الحقيقة ....وتحاولون التستر عليها ....وهذا لا يعفي أحد من مسئولياته .

ترك الانسان للعواصف العاتية ..... وللظروف القاهرة .... ولاحتمالية الانحراف .....والادمان والقيام بالسرقة.... وحتى القتل والاغتصاب ..... وحتى الانتحار ..... بحالة فقدان التوازن النفسي والعقلي ..... نتيجة لظروف عامة وخاصة ..... لها علاقة بأوضاع نفسية اجتماعية اقتصادية ..... عائلية .... تجعل من الفرد فاقد للتوازن النفسي والعقلي ....والدخول بحالة من الاكتئاب المرضي ....والنفسي .... دون علاج ومتابعة ...ودون ظروف أفضل لتحسين أحواله ....ومتابعه مشاكله .

بطالة متفشية .... زادت عن حدها .... ودخل مفقود .... وحالة فراغ كامل أصاب البعض من ما لا يمتلكون الصبر المطلوب .... والثقافة والوعي ..... وحتى امكانية الاستناد على أخرين.... ليدخلوا بمنزلقات لا يعرف مداها ومخاطرها .

حياة غير مستقرة بكل ما تحمله الكلمة من معني ..... وأفكار تاخذ بالشباب الي حيث المجهول والخطر الشديد .... ولا يمتلكون الخبرة والقدرة على مواجهة ذاتهم .... والظروف المحيطة بهم ....بل يجدون من الشيطان أقرب من المتابع لشؤونهم .....والذي يمكن أن يخرجهم من أزماتهم ... وهواجسهم وكوابيسهم .

ما نحن عليه اليوم في غزة أسبابه عديدة ..... منها السياسي .... الاقتصادي .... الاجتماعي .... التربوي .... الاعلامي .... الديني .... التعليمي .... اضافة الي مجموعة من العوامل ذات العلاقة بالكثافة السكانية ....وتدني مستوي الدخل ...والبطالة .... وقلة العمل .... وحالة الفراغ والادمان .... وما نسمع على مدار اللحظة من حالات القتل والانتحار ....السرقة والانحراف ..... مما يدلل على حالة فشل مجتمعي ....وعلى كافة الصعد والمستويات .

اجيال شابة تترك ....للعالم الافتراضي ...ووسائل الاتصال والتكنولوجيا ..... وما يشاهدوه ....ويسمعون ..... وما يمكن أن يؤثر بالعديد منهم لعدم امكانية قدرته الثقافية والفكرية .... والنفسية .... من مواجهة مغريات ما يري ويشاهد ويسمع .

المسألة كبيرة وخطيرة ..... بل معقدة ومتشابكة .... من حيث أسبابها ودوافعها ..... وطريقة حلها ..... وما تسفر عنه نتائجها المخيفة .... التي لا يقدرها البعض ....كما لا يحسب لها البعض الاخر..... باعتبار أن الانسان لدينا الاقل قيمة من أي شي أخر ..... فالموت كما الحياة ..... والفقر كما الغني ..... والجائع ....والمريض كما غيره من الاصحاء .

لم يعد للانسان قيمة ومكانة .... برغم أن ديننا وتعاليمنا قد جعلت من الانسان أحسن مخلوقات رب العزة والجلالة ..... وقد خلقه الله للحياة .... وليس للعذاب .... خلقه للحياة ....وليس للانتحار ..... الذي حرمه الله كما حرم قتل كل نفس بشرية .

هذا البلد الصغير والمزدحم بسكانه ...وما يعيش به ما يقارب 2 مليون ذات تاريخ طويل ..... وفيه الكثير مما يفقده الاخرون ..... لكنه يعيش أزمة حادة ..... وصلت الي أبنائه ...والي أجياله الصغيرة..... وحتى أجياله الكبيرة .

الجميع يتحمل مسئولية ما الت اليه الامور ..... ولا أحد يستطيع التهرب من مسئولياته ..... فهذا القطاع يسجل عليكم ....وفي دفاتركم .... وأرشيفكم .....الذي لا تتطلعون عليه ...وفي قائمة ذنوبكم ....التي ستحاسبون عليها لأنكم قصرتم ....وثبت عجزكم .... وقد فشلت فشلا ذريعا ....ولا زلتم تكابرون .... وتجادلون ....وتتنكافون .... مع مطلع كل صباح تصدرون اليأس والاحباط ...وتقتلون بداخلنا كل امال ممكن أن تتجدد .

وكأنكم لا تقرأون أخبار الانتحار ....والقتل اليومي ...والسرقات ....البطالة المتزايدة ....والامراض المتفشية ..... لا تقرأون عن نسبة الجوع والفقر ..... ولا تقرأون عن من يعيشون بالعراء .

بصراحة .... أنا لا أعرف لمن أتحدث .... ولكنني أكتب باسم المحرومين .... الجائعين .... العاطلين عن العمل .... باسم اليائسين المحبطين ....أخاطب الفاشلين..... العاجزين الفاسدين.... الذين لا زالوا يتمسكون بعروشهم ...ولا زالوا على مواقفهم وعنادهم ..... لا زالوا لا يتحركون بإحساسهم وعواطفهم.... وفكرهم ..... ولا تهزهم من ينتحر او يشنق نفسه .....أو يقتله أبيه .... أو من يقوم على قتل امه ....لا تهزهم هذه المشاهد فهم في بروج عالية ..... لا يراهم أحد ...ولا يريدون أن يروا من يموت ....ويمرض.... ويجوع ....لم يعد لنا من شيء يمكن أن نجامل به أحد.... بل ليس لدينا الا أن نقول وسوف نقول أكثر ....اذا لم تتوقف هذه المهزلة ....وهذا الاستهتار بالإنسان .... والذي يطول أبنائنا.... وفلذات أكبادنا .... وحتى يبقي السؤال حول أصابع الاتهام .... والمسئولية .... لما الت اليه أمورنا .... والتي تتعدد بمستوياتها .... وأسمائها .... ما بين السياسي ....الثقافي ...الاعلامي .... ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الانسان ..... الجامعات والمدارس .... المساجد ... الشؤون الاجتماعية والباحثين الاجتماعيين ....والشباب والرياضة ....والنوادي والمنتديات ...الفصائل السياسية .....هذه مسئولية مجتمعية .... لها عناوينها العديدة ...من رجالنا وكبارنا وعائلاتنا ..... وحتي أسرنا الصغيرة ومتابعتها المستمرة لأبنائها .... لأنهم الأعز على قلوبنا ونحن الاحرص عليهم ...ولنترك أهل السياسة والفصائل .... ولتهتم كل أسرة بأبنائها .... بعد أن فقدنا الأمل بأن هناك ما يمكن أن يرعي مصالحنا ... ويهتم بشؤوننا ....وبأمننا المجتمعي .

بقلم/ وفيق زنداح