مصر ... واستراتيجية الامن القومي

بقلم: وفيق زنداح

تاريخ مصر ومواقفها ... سياساتها الخارجية ... كما دعمها الدائم للحقوق العربية والفلسطينية ... لا تحتاج الى تأكيد ... كما لا تحتاج الى اعادة طرح مراحل التاريخ ... ومحاولة اقناع من لا يريدون الاقتناع .

فالمواقف المصرية معروفة وثابتة ومعتمده بالسياسة الخارجية المصرية ... والذي تؤكده مصر بكافة المواقف ... دون لبس او غموض ... ودون ادنى قبول بمن يحاول التشكيك والتأويل لمصالح قطرية او ايدلوجية او اقتصادية ... تتناقض بمجملها مع المصالح العربية ... واولوياتها القومية .

مصر التي نعرفها منذ زمن طويل وعبر تاريخ مشرق ... يؤكد لنا حقيقة مواقفها ونزاهة سياستها ليس منذ عام او عقد او قرن .... لكنه تعبير عن مواقف تاريخية ارتضت مصر لنفسها بحكم تاريخها ... حضارتها ... ثقافتها وجغرافيتها ومواردها ان تعزز من كافة مواقفها ... وان لا تسمح بتجاوز مواقفها او احداث اختراق بصلب ومضمون سياستها .

مصر ذات الفضل الكبير على العرب اجمعين ... لا تحتاج الى شكر وتقدير وثناء ... كما لا تقبل بالتدخل بشؤونها والعبث بأمنها .... ومحاولة تصيد ازماتها من خلال جماعة او افراد ... لا وجود لهم على الخارطة السياسية ... لكنهم يزاحمون ... ينتقدون ... يحاولون التشهير والتجريح .... بما يحقق مصالحهم الذاتية وانانيتهم المفرطة ... ودون ادنى حساب لمصالح مصر وامنها القومي .

مصر عبر التاريخ كانت الداعم والمساند لكافة الثورات العربية من الجزائر الى اليمن ... كما كانت الداعم والمساند للانظمة القومية بالعراق وسوريا ... كما كانت الحاضنة والداعمة والمساندة لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد .. كما كانت حاضنة للثورة الفلسطينية المعاصرة وعلى رأسها الشهيد الزعيم ياسر عرفات .

أي ان مصر تاريخيا ... وواقعيا ... ومستقبلا ... تسير بخطى ثابتة وواثقة ... ووفق حسابات سياسية قومية ... وبما يخدم الامن القومي العربي ... بما فيه الامن القومي المصري والفلسطيني ... ولا يمكن لمصر ان تسمح بأدنى محاولة للعبث ... او القفز عن خطوط حمراء تم رسمها بالسياسة المصرية منذ عقود طويلة ... ولا زالت سياسة ثابتة ... وبكافة المجالات والمستويات ... والتي لا تسمح لصغير او كبير ان يتجاوزها ... او يتلاعب بها ... لان الكبار لا يمكن ان يقبلوا بأن يتلاعب بهم الصغار ... والاقزام ... ومن لا يتم رؤيتهم على الخارطة ... والذين لا تاريخ لهم .... ولا حضارة تسندهم ... ولا واقع يوفر لهم امكانية الوقوف أمام المارد المصري ... الذي يعرف طريقه .... كما يحدد اهدافه وفق اولويات قومية وطنية ... ودون أدنى تدخل بالشؤون الداخلية لأي بلد عربي .

مصر تحترم نفسها ... وتفرض احترامها على الجميع ... بحكم سياسة متوازنة ... وحسابات سياسية لا تشوبها شائبة ... ولا يعتريها غموض ... سياسة واضحة تستند لمواقف ثابتة تخدم مصر ... كما تخدم اشقاءها ... وجيرانها من العرب .

وبحكم مكانة مصر التاريخية ... وجغرافيتها الممتدة مع قطاع غزة وسكانه .. وما يميز علاقة القطاع بمصر والتي تتعدى ... وتتجاوز أي علاقة تاريخية او جغرافية يمكن الحديث حولها .

ومن منطلق السياسية الخارجية الثابتة وركائزها وتاريخها الطويل والممتد ... وبحكم الامن القومي العربي ... المصري الفلسطيني ... وفي ظل اخطار ومخاطر ... لا يسلم منها احد ... وحتى لا تتوفر أرضية خصبة للارهاب ... والتدخل الخارجي من بعض دول الاقليم .... كما من بعض اجهزة الاستخبارات .

ترى مصر نفسها أمام موقف قومي عروبي ... يجعلها تتحرك ... والى حد الحزم والحسم ... وليس الرجاء والتمنى ... بعد ان طال الانتظار .. وزادت المدة عن حدها ... ووصلت المخاطر الى حد العظم ... وأكل لحم البشر .... وبعد ان رأت مصر الحبيبة والشقيقة ان احباءهم بقطاع غزة ... وحتى من الاجيال الشابة التي لا تعرف مصر ومكانتها ودورها وما يميز علاقتها بالقطاع ... بعد ان رأتهم يقومون على الانتحار وشنق انفسهم .... وبعد ان تجاوزت السلوكيات كل ما هو طبيعي وانساني ... وبعد ان وصل القطاع الى حافة الهاوية .... وما أصابه من خلل كبير وكوارث عديدة ... وازمات متفاقمة ... على وشك الفلتان الامني ما بعد الكثير من السقوط الاخلاقي .

ترى مصر نفسها امام مسؤولية قومية لها علاقة بمكانتها ودورها ... كما لها علاقة بالامن القومي ... والذي لا يحتمل الجدال ... ولا المزيد من المزايدات والشعارات ... والتلاعب بالتصريحات .

مصر اليوم وفي رسالتها واضحة وحاسمة ... ان الانقسام الاسود لا بد له من زوال ... وان المصالحة بكافة مكوناتها لا بد ان تتجسد على الارض ... وان الوطن الفلسطيني والامن القومي لا يحتمل صغائر الامور... كما صغائر المواقف ... في ظل مخاطر محدقة ... واخطار قادمة ... وسياسة دولية ... ومبادرات عاصفة ... تحتاج الى ارضية قوية ... والى جبهة متماسكة ... والى مواقف واضحة .

الجميع في فلسطين يعرف الحقائق ... كما الجميع يدرك الحسابات ... كما الجميع يدرك مقومات القوة والضعف ... ولا مجال للمزيد من الكلام خارج الاطار ... وبذات الوقت مصر بحكم موقعها ومكانتها وسياستها الخارجية ... وعلاقاتها الدولية ... تعرف حدود المقبول والمرفوض ... كما تعرف حدود المسموح والممنوع ... كما تدرك أهمية الوقت .. وعدم القبول بإضاعة المزيد من الفرص .

الوفد الامني المصري برئاسة اللواء سامح نبيل ... الذي حضر الى وطنه الثاني والمرحب به على الدوام ... وما عليه من مسؤوليات بحكم مكانة مصر ودورها ... لا يحتاج الى المزيد من الاستماع ... ولا الى المزيد من التبريرات ... ولا الى المزيد من التخوفات ... والاعاقات والتعطيل ... بل يحتاج الى قرارات واضحة وصريحة وصائبة .... حتى نقلب هذه الصفحة السوداء .. وحتى نعيد الامور الى نصابها ... وحتى يعيش سكان القطاع بأمن وامان وبظروف معيشية ملائمة ... وحتى يمكنهم من التحرك .... والبحث عن لقمة العيش بكرامة وادمية انسانية .

لا يقبل ان يبقى القطاع وسكانه يعيشون ظروفا قاهرة ... وتزداد صعوبة مع مرور الوقت .... بل تزداد خطورة بعدد من يقومون على الانتحار... وما اوصلهم الى هذا الفعل المدان والمحرم دينيا وقانونيا .

القضية لم تعد ترف فكري ... او تنظير سياسي ... او مصلحة فصائلية ... او مصلحة شخصية ....بل القضية اصبحت أمن قومي يحتاج الى الحكمة والعمل باخلاص ... كما يحتاج الى معالجة جذرية لاسباب اوصلت الى هذه النتائج .

قدر مصر ... ان تكون بهذا المكان ... وبهذه المكانة ... وان تحدد الاولويات بما يخدم الامن القومي ... وبما لا يزيد من حالة التطرف والانحراف والادمان ... نتيجة الفقر والجوع والمرض والتعبئة الخاطئة.

لقد تحملت مصر الكثير ... ولا زالت تتحمل بحكم مكانتها ودورها رعايتها واشرافها على اتمام المصالحة ... وانهاء الانقسام .... بأسرع وقت ممكن ... ودون ابطاء ... او تعطيل او اعاقة ... فالوقت لا يسمح بالمزيد من اضاعة الوقت ... في ظل مخاطر وحسابات ... ربما تكون اشد بخطورتها ... اذا لم نحسن ترتيب اوضاعنا ... وتوحيد جبهتنا ... وان يخرج كلا منا عن اطار ثوبه وفكره ومواقفه .. ولنتوحد في مربع الوحدة ... وفي ظل الرعاية المصرية ... حتى يمكن انقاذ ما يمكن انقاذه .

بقلم/ وفيق زنداح