رغم أنني لست ممن يؤيدون التصنيف الانساني لرجل أو إمرأة، إلا أن التقليد العالمي الموروث يفرض علينا أن شهر مارس هو شهر المرأة حيث تكثر الاحتفالات والكتابات والأعياد بيوم المرأة ويوم الأم .. وإذا أردنا أن نأخذ الموضوع بصورة ايجابية فلم لا ؟ فليكن الأمر من جملة الاحتفالات بالأعياد وكرصيد يعزز من قيمة المرأة بذاتها.. وعند تقييم الحضور النسائي الفلسطيني تاريخاً وحاضراً، ومحاولة تأطيره ضمن سياسة أو استيراتيجية معينة اتبعتها المرأة الفلسطينية لإثبات وجودها في واقع يكاد معه التفرد أمراً مستحيلاً، يتبادر إلى الذهن على الفور استيراتيجية "المحيط الأزرق" .
وهذه الاستيراتيجية هي نظرية اقتصادية في المقام الأول ترتكز على مفهوم أساسي هو الابتكار، بمعنى القدرة على خلق مجال جديد بعيد عن التنافس التقليدي لتستطيع النجاح. وسميت بالمحيط الأزرق للإيحاء بأنها آمنة وبعيدة عن خطر الحيتان الكبرى. فهل استطاعت المرأة الفلسطينية على مدى عقود طويلة إيجاد محيطها الأزرق؟؟
بشكل عام نجد أن النساء يلجأن دوما لحلول مبتكرة وخلاقة لتيسير حياتهن، وبالقياس مع باقي الكائنات الأخرى فإن نسبة استسلام المرأة للواقع ضئيلة، فهي شخص عنيد ولحوح. وبشكل خاص فإن الواقع المختلف الذي تعيش فيه المرأة الفلسطينية جعلها تتميز عن نساء العرب، وتسعى لمحيط أزرق يضمن لها ابتكار الحياة. فهي تخوض حربين: الأولى، الحرب الحتمية المتمثلة في التقاليد وسيطرة المجتمع الذكوري لإثبات ذاتها. والثانية، الحرب القومية التي تهدف للدفاع عن الأرض والبيت والولد. وكلا الحربين تتداخل مع الأخرى بفعل المرأة الفلسطينية ذاتها بحيث جعلت نضالها ضد المحتل جزء من مشروع تحررها وكيانها المستقل، وبالتالي أصبحت النتيجة تراكمية تصب في صالحها.
وحين نعود للتاريخ، نجد أن المرأة الفلسطينية سبقت الرجل في تأسيس منظمات مجتمع مدني فلسطيني تخدم أهدافها، فقد عقد أول مؤتمر نسائي فلسطيني في القدس أواخر أكتوبر 1929 والذي انبثق منه قيام جمعية الاتحاد النسائي العربي، بل إن أول مظاهرة سياسية قامت بها المرأة قد سبقت ذلك التاريخ بمراحل فكانت في العام 1893 ضد إنشاء مستوطنة في قرية العفولة. وكانت جمعية زهرة الأقحوان أول منظمة نسائية فدائية مسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي أنشئت في العام 1948. وتتوالى الأمثلة منذ ذلك الوقت فتاريخنا وحاضرنا يزخران بالشهيدات والأسيرات والمناضلات والرائدات والمكافحات، دلالة على أن المرأة الفلسطينية مصممة على ابتكار مكان يخصها ككينونة مستقلة بجانب موقعها الرباني بالطبع كأم أو أخت أو زوجة أو ابنة .. أي أنها رائدة استيراتيجية المحيط الأزرق.
وعلى الرغم من تراجع صورة المرأة الفلسطينية في العشرين سنة الأخيرة بفعل الموجة العالمية للتخلف .. إلا أن عنفوان تلك الصبية المحاربة "عهد " قد جاء ليثبت مرة أخرى أن الفلسطينية الجميلة ستبقى دوماً عنواناً للابتكار والإبداع وقادرة على اختراق كل المحيطات الزرقاء.
بقلم: د. أماني القرم