ما بعد الإنفجار ليس كما قبله ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

ما يواجه الشعب الفلسطيني وقضيته وقيادته وأطره الرسمية من تحديات داخلية وخارجية، إقليمية ودولية، تُعَدُ الأخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته، إن محاولة الإعتداء والإغتيال الآثمة والجبانة التي تعرض إليها موكب رئيس الوزراء الفلسطيني د. رامي الحمدالله والفريق الحكومي المرافق له صباح الثلاثاء 13 مارس 2018م بعد دخول الموكب بدقائق إلى غزة عبر معبر بيت حانون، يمثل قمة وذروة التصعيد في هذه التحديات الداخلية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، رغم كافة الجهود السابقة لإنهاء الإنقسام وإستعادة وحدة السلطة الفلسطينية.

على كافة القوى الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس وحركة فتح، التوقف عند هذا الحادث الإجرامي والإرهابي، وعدم المرور عليه مرور الكرام، وإعتباره مجرد حادث عرضي وعابر، حركة حماس لازالت تمثل سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة منذ إنقلابها على السلطة، والمتحكم في إدارته على كل المستويات، وبالتالي هي المسؤولة المباشرة عن هذا الحادث، كما هي المسؤولة عن أمن كافة المواطنين في قطاع غزة منذ إنفرادها بالسيطرة عليه وإقصاءها لكافة القوى التي تعارضها في ذلك.

إن المسؤولية الوطنية تفرض على حركة حماس ليس مجرد فتح تحقيق شكلي في هذا الحادث وشجبه وإستنكاره، وتعليق اللائمة على الذريعة الجاهزة وهو العدو الصهيوني، وإنما يفرض عليها تحمل المسؤولية الكاملة في فتح تحقيق موضوعي نزيه وشفاف وكشف من خطط ووجه ونفذ هذه الجريمة ذات الغايات الدنيئة، وتسليمه للقضاء الفلسطيني كي ينال جزاءه وفق القانون، حتى لا تقع حركة حماس أو أي من أجنحتها في دائرة الإتهام، وتثبت براءتها وتؤكد جديتها في رفض هذا الأسلوب في التعاطي مع الشأن الداخلي مهما تضخمت الخلافات وإختلفت الرؤى، لأن الحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي، والإبتعاد عن العنف والإرهاب لتحقيق الغايات السياسية الحزبية والفصائلية يمثل صمام الأمان لوحدة الشعب الفلسطيني ووحدة قواه.

إن الغايات السياسية لهذا الإنفجار الذي إستهدف رئيس الوزراء الفلسطيني ورفاقه باتت مكشوفة للقاصي والداني، وأولها إستهداف المصالحة الوطنية الفلسطينية وتكريس الإنقسام، ولذا كان الرَّد المباشر على ذلك من دولة رئيس الوزراء أنه أكمل مهمته التي كان متجهاً إليها برباطة جأش قلَّ نظيرها، مصراً ومؤكداً على الإستمرار في القيام بواجبه نحو وطنه وشعبه ونحو إتمام المصالحة، وتأكيد وحدة الوطن والقضية، ووحدة السلطة، رافضاً أن يوجه الإتهام إلى حركة حماس وإنما يتهم القوى المعادية لوحدة الشعب وقضيته، معلناً إصراره وإصرار القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن على تفويت الفرصة على أعداء المصالحة وأعداء الوطن من قوى داخلية وخارجية سواء، هذا الفهم والتقدير للقيادة الفلسطينية لهذا الحادث، يجب أن يقابل من حركة حماس بالتعاطي الإيجابي مع إستحقاقات المصالحة الفلسطينية، في إستكمال إنهاء الإنقلاب وتمكين الحكومة الفلسطينية من إستلام كافة مهامها في قطاع غزة تماماً كما تقوم بمهامها في بقية مناطق السلطة في المحافظات الشمالية، دون تلكؤ أو تسويف أو إختلاق للذرائع، وإضاعة مزيد من الوقت، فعلى حركة حماس إنهاء وإزالة كافة العقبات الإدارية والأمنية التي لازالت تعيق تمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها كافة وفي مقدمتها تحقيق الأمن للجميع، وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، وإطلاق مسيرة البناء والإعمار ومعالجة كافة القضايا التي أنتجها الإنقلاب وسوء إدارة حركة حماس لقطاع غزة وما خلفه من كوارث إجتماعية وإقتصادية ونفسية على مدى أحد عشر عاماً، وعلى حركة حماس مراجعة خطابها السياسي والتعبوي القائم على الشعبوية والجهوية والمظلومية، والتخوين والتكفير، الذي من شأن إستمراره أن يولد الحقد والكراهية وأن يقود إلى العنف والإرهاب الداخلي، وينسف وحدة نسيج المجتمع ويهدد السلم الأهلي والمجتمعي للشعب الفلسطيني، المعروف بتوحده وتسامحه مع نفسه.

لذا نقول أن ما بعدَّ هذا الإنفجار والعدوان ليس كما قبله، لقد وصلت السكين إلى رأس المشروع الوطني، والخطط الإقليمية والدولية جارية وقائمة على قدم وساق في العلن وفي الخفاء للإجهاز على هذا المشروع الوطني الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية ويناضل الشعب الفلسطيني من أجله طيلة العقود الماضية، ويفرض على الكل الفلسطيني الإرتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية وإزالة كافة العوائق من طريق إتمام المصالحة، وإسقاط كافة الذرائع من يدِ المتآمرين على وحدة الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني المتمثل في دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود الأراضي المحتلة عام 1967م، وإفشال مشروع إقتطاع قطاع غزة وإلحاقه بسيناء، وتبديد الضفة وتشريع الإستيطان فيها وتقطيع أوصالها، وعزل مدنها بعضها عن بعض تهيئة لإتمام جريمة التبديد للوطن والتهجير للشعب، فهل تدرك حركة حماس خطورة اللحظة التاريخية التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني وقضيته، وتنتقل من مربع التفرد والتحزب والأيديولوجيا، إلى مربع الوطنية والمشاركة والتكامل والتوحد، وتصليب البناء الفلسطيني الداخلي، لمواجهة هذه اللحظة التاريخية الأخطر في تاريخ النضال الوطني والقضية الفلسطينية ؟! أسئلة في إنتظار الإجابة.

إن الكل الفلسطيني ينتظر الإجابة والتحول بالممارسة وفي الواقع وليس عبر بيانات وتصريحات خادعة يفندها الواقع ...!

في الختام نحمد الله على سلامة الأخ رئيس الوزراء الفلسطيني ورفاقه في الوفد الحكومي الذين تعرضوا إلى هذه المحاولة الدنيئة والجبانة، ذات الغايات والعواقب الوخيمة، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس