من يقف وراء تفجير غزة ؟

بقلم: رامي الغف

سؤال كان ولا زال عنوانه ثلاثة عشر مليونا حرا وشريفا فلسطينيا بالداخل والخارج يمثلون كل ألوان الطيف السياسي والنضالي الفلسطيني، من يقف وراء التفجيرات والحرق والتدمير والتخريب والترهيب في الوطن، هل هي أدوات القاعدة؟ أم إنها داعش؟ أم هم عملاء إسرائيل؟ أم هو الاحتلال نفسه؟ أم هي دول وأجندات اقليمية خارجية؟ أم هم من يكرهون العزة والكرامة لشعبنا ويعيشون بيننا؟ أم أن هناك لغز محير؟ قد يجمع الكل أو يستثني الكل!!

من تابع التفجير الإرهابي الجبان بحق رأسيي الشرعية الحكومية والامنية في الوطن الفلسطيني والوفد المرافق لهما لقطاع غزة، اشتم فيها رائحة استخبارية نتنة، وعندما يُشار إلى دور استخباراتي في جريمة ما، فإن الباب يبقى مشرعاً على شتى الاحتمالات، ولكن الأنظار تتجه عادة صوب أصحاب المصلحة والأهداف التي ينوون تحقيقها بهذه الفعلة النكراء أو تلك.

هذا التفجير الإرهابي جاء في توقيت توصل لبعض الحلول ما بين حركتي فتح وحماس على دمج الالاف من الموظفين في اجهزة ووزارات الحكومة وبعد أيام قلائل من انتهاء محادثات بين الرئيس محمود عباس والوفد المصري المتواجد في القطاع والذي لا يألوا جهدا من أجل إنهاء حقبة الإنقسام البغيض وتمكين حكومة التوافق برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، وهذا الإتفاق الذي قيل أنه قد عبّد الطريق لأول مرة منذ أعوام، لحل الأزمات المتفاقمة في قطاع غزة، قد أغاظ أعداء المصالحة والتدخلات الاقليمية الدولية من هذه الدولة او تلك وثمة محور ( لم يعد طويلاً ولا عريضاً على أية حال)، ما زال يقرع طبول الفرقة والإنقسام، ومن مصلحة هذا المحور، أن يفعل ما بوسعه لإجهاض فرصة الحل الوطن والسياسي الفلسطيني هذه المرة كذلك، كما أجهض من قبل، فرصاً مماثلة.

لكن ما سبق، ليس سوى قراءة واحدة (من قراءات عديدة)، لحدث التفجير الإرهابي في قطاع غزة، فثمة من تحدث عن مسؤولية أشخاص اعتادوا تنفيذ عمليات إرهابية قاتلة كما حصل في السابق مع الشهيد مازن فقها ومحاولة إغتيال اللواء توفيق ابو نعيم، وثمة من تحدث عن مسؤولية تنظيم اعتاد تنفيذ عمليات إرهابية في داخل غزة كما حصل من تفجير للمركز الثقافي الفرنسي، وثمة من يرى أنها قد تكون من صنيعه صهيونية من النمط الذي عرفناها وألفناها على امتداد السنوات الثلاثين الماضية بحق قيادات فلسطينية وخاصة خارج الوطن، وليس مستبعداً أن يتهم اشخاص مرتبطين مع داعش، ففي عالم اللامعقول، تبدو جميع السيناريوهات وأكثرها غرابة ممكنةً.

على أية حال، نحن لا نعرف ما الذي حدث بالفعل، والمأمول أن تكشف قوات الامن في قطاع غزة عن نتائج تحقيق شفاف ونزيه، بملابسات هذه الفعلة النكراء، بعيداً عن التوظيف السياسي المُعتاد في هكذا ظروف.

يبدو إننا بحاجة إلى مزيد من الصراحة والجرأة لمناقشة ومعرفة تفاصيل ما حدث بالضبط في قطاع غزة، فذلك التفجير الإرهابي الذي أسفر عن تفجير موكب رئيس حكومة التوافق الحمدالله والوفد المرافق له، سيترتب عليه مستقبلا المزيد من التدهور والفلتان الأمني والاختلال السياسي إذا لم نضع النقاط على الحروف للخروج بشعبنا ووطننا إلى بر الأمان.

إن الحديث عن قطاع غزة هو حديث عن قطاع الصامدين والمبتلين والفقراء والمناضلين والذي يقطنه أكثر من 2 مليون ونصف نسمة، ينقسم إلى مدن ومخيمات وقرى وأحياء كبيرة، ومنذ احتلاله من إسرائيل وحتى هذا اليوم تم تجاهله من الخدمات والبرامج التأهيلية والإعمار والتنمية والنماء وبقي أفقر بقعة في العالم، فتم تجاهل البؤساء والفقراء والمسحوقين والمعطلين والمرضى والأمراض والأوبئة والفقر الذي يعاني منه، تم التغافل عن حالات البطالة ونقص المستشفيات والأندية والمراكز، تم التغافل عن الحالة المزرية التي وصل إليه القطاع، ليتم تصويره من الصديق قبل العدو على انه قطاع المشاكل والتمرد.

ومن الواضح أن هناك فعلا تعاون لضرب كل مقومات القطاع وقطاعاته المختلفة وضرب المشروع الوطني بأكمله، وهناك مؤامرة صهيونية إقليمية دولية تحاك ضده وجماهيره منذ فترة للقضاء عليه وإنفصاله، فلقد شهد هذا القطاع الكثير من الإستهدافات والاعتداءات والتي كان أخرها ثلاثة حروب وحصار شامل عليه وحرق الأخضر واليابس فيه، أضف إلى ذلك عمليات الاستهداف لشبابه ورجاله وأطفاله واعتقال قياداته.

ولننتقل إلى ما حصل من تفجيرات بحق موكب الحمدالله خلال زيارته للقطاع، والتي تؤشر على حقائق أمنية خطيرة ومستجدات ينبغي الوقوف عندها فورياً والتساهل او التسامح فيها ينذر بمستقبل امني مظلم، فالتفجيرات تحمل بصمات واحدة او متشابهة تهدف إلى إحداث فتنة وانقسام وتشرذم آخر، خصوصاً وأن المستهدفين هو رئيس الحكومة ووزير الداخلية ومسؤول جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، فهذا النوع من التفجيرات المنظم والمنّسق بشكل عالي الدقة يدلل على وجود أيادي خبيثة منظمة مدعومة من قبل جهات تدعم بالمال والأنفس والتخطيط الدقيق.

ما حدث يوم الثلاثاء من تفجير لرأسيي الشرعية الحكومية والامنية ومرافقينهم كان أقلّ مما هو مُتوقع لأن أعداء الشعب الفلسطيني يحاولون جاهدين أن يُلحِقوا بنا أكثر دمارا وتخريبا، فشعبنا اعتاد على مسلسل الحروب والتفجيرات والإرهاب الصهيوني، وبدءوا يميزون هوية فاعليها سواء كانوا الإسرائيليين او عملاءه او البعض من طيور الظلام الذين يتغلغلون بيننا، وهوية الفاعلين الذين قاموا بالتفجيرات ليسوا الا إمعة وأجندة لنفوس صهيونية خبيثة متغلغلة في مفاصل الوطن نتيجة الانقسام المقيت للقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني واقامة الدولة الفلسطينية المنشودة.

إن شعبنا كره أن يسمع أسباب وتحليلات عن سر ما يحصل في وطننا من الحالة المزرية التي يمر بها، والكل يعلم أين الداء وأين الدواء، لـذلك فما سأكتبه هو استعراض للحالة وليس للتعريف بالأسباب ونترك القاري أن يحكم ويستنتج، ما كنت أعتقد إني سأعود بـذاكرتي إلى قصة السلحفاة والأرنب التي تدلل على غرور الأرنب حيث سبقته السلحفاة بحيلتها وخسر الأرنب لحماقته، ولكن قصتنا معكوسة الأدوار مع بعض التشابه بتلك القصة الرمزية.

فالقوى الوطنية والإسلامية والتجمعات السياسية والأحزاب والفصائل والحركات وليس حكومة التوافق وحدها هي سلحفاة خانتها الحكمة وحطم جلدها السميك موجات التخبط السياسي، وحيرتها علامات الوقوف والممنوع وتغيير الاتجاهات المقامة من قبل المحتل الصهيوني، ففي كل خطوة تخطوها فرحة جذلة نراها تعود القهقرى خطوات، وضاعت مرة وسط انقسام ونزاع حزبي بغيض، وتارة بين سياسات المحتل الخرقاء من منع تحقيق الأمن والأمان والاستقرار في الوطن، وبين تشنجات وتشرذمات بعض القوى والفصائل الوطنية والإسلامية والسياسية بعضها مع بعض ولدواعي تافهة منها المحاصصات ومنها أزمات مالية ووظيفية، وأخرى على الصلاحيات بين الحكومة هنا وهناك، وفي كل مرة يصلح الخطأ بخطأ مثله أو أفدح منهُ وكان على السلحفاة أن تحمل همَّ ملف قطاع غزة المثقل بالجراح والهموم، وهو إحدى تبعات حروب المحتل المجنون، ونظرت السلحفاة خارج الحدود لعلها تجد ماءً فلم تجده لا في المجاز ولا في الحقيقة! بل وجدت صحراء من العلاقات السياسية الملغومة في الحقيقة والمجاز!!

كان الأرنب الصهيوني خبيثاً لبس رداءً البراءة والمظلومية، وهو يقفز هنا وهنالك ويتغذى على ما يرمى له من جزر عربي يرمى له هنا وهناك فيقتل ويدمر الزرع والحرث بلا أي وازع أو ضمير تحت مسمع ومرأى من العالم، والأرنب هنا لا يلتزم بأخلاقية السباق بل هو يعمل بريموت كنترول أمريكي إقليمي عربي، وفي كل يوم يعلق على رقبته أوسمة من فضائيات الخزي والعار العربية الخ.

والمشكلة أن الشعب لم يدخل الحلبة بعد، وهو إما يتفرج أو يتشاغل أو فئة أخرى من مسؤولي هذا الشعب في الصباح يعمل مع السلحفاة وفي الليل يبيت في أحضان الأرنب!!! ولكي تصل السلحفاة إلى النهاية عليها أن تتوجه إلى الشعب!! وقد أكون أكثر صراحة إذا قلت يجب أن تبادر الحكومة والقياده للشعب والوقوف بجانبهم ودعمهم بكل ما يملكون من اجل مستقبل مزهر ومشرق لهم بإقامة دولة مستقلة ونظام سياسي ديمقراطي، ولا تظنوا أن الأرنب الصهيوني سيتوقف عن حماقاته ما دام الجزر أي كان مصدرة متوفر، لذلك فمن الأساس هنا التركيز على التكامل والتنسيق فيما بين القيادة والحكومة والشعب والفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، في نطاق دوائر الوضع الذاتي جميعها، ومنها التوصل فورا لإنهاء الإنقسام وإتمام المصالحة وتشكيل حكومة وحده وطنية، وبحيث أن لا تتضارب المجهود أو تتناقض أو يكون بعضها على حساب البعض الآخر، فليس من حق أحد هنا أن يقع في الخلل، وليس من حق أحد هنا وهناك أن يضعف وتائر الصمود والتحدي ورص الصف والوحدة الوطنية الفلسطينية، وليس من حق أحد أن يخل بمسيرة الوصول إلى هدف إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين والمغتربين هنا وهناك.

أخر الكلام:

اعتقد جازما ان هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الوطن الفلسطيني هي مرحلة من الخطورة بمكان انها من سترسم خارطة طريق فلسطين لعدة عقود قادمة وهي مرحلة استثنائية ومفصلية تحتاج الى قيادات وجهود استثنائية وتغليب للمصالح العليا على اي مصلحة فئوية ضيقة.

 

بقلم / رامي الغف*

*اعلامي وباحث سياسي