تزعّم غرينبلات مُؤتمرًا في البَيت الأَبيض للبَحث في سُبل الخُروج الإنساني لأَزمات قِطاع غزة بعدَ مَقال كان قد نَشرهُ بيّن فيه التّوجُهات الأمريكية للحلّ السياسي ومُستقبل الصّراع الفِلسطيني الإسرائِيلي، ويبدو أنّ هُناك تَعديلًا طَرأ على خِطّة بلير الإقتصادية الأمنيّة التي صَاغها للعَمل بها في مَناطق السّلطة الفِلسطينية وهذا ما أكّده وزير خارجيّة أمِيركا الأَسبق جُون كيري بالاستِمرارية في إحدَاث إخترَاق للتّسوية من خِلال مفهُوم الحلّ الأمني الإقتصَادي، وقد نُلاحظ هُنا أن الرّئيس ترامب يقطِف ثِمار السّياسات الأمرِيكية السّابقة ويدمِج بعضَها ببَعض، سواءً على مُستوى الأُطروحات التي تَتناول حلّ الصّراع مع إسرائِيل أو بلوَرة جُغرافيا سياسيّة للمنطقة بأسرِها من خِلال نتائج ما يُسمّى الرّبيع العَربي.
قَد نفهم مِن هَذا المُؤتمر وأُطروحاته والّتي كَان مَدخلُها البَحث فِي بَرامج إنسانيّة لتَطوير البُنية التّحتية وفكّ أزمَات قِطاع غزّة والتي حَضرها مُعظم دِول الإقليم وحُضور دَولي واسِع ماعَدا السّلطة التي رفَضت الحُضور والتّعامل مع الأُطروحة الأمريكيّة، في حِين أنّ دِول الطّوق كما ذَكرْت قد حضَرت هَذا المُؤتمر، وإذا كَان عبّاس قد أدَار ظَهره لأميركا بَعد قَرارها بنقل السّفارة للقُدس، فيبدُو أيضًا أنّ أمِيركا ودِول الإقليم قد أدَارت ظَهرها لرَئيس السّلطة وبدأت تطرَح مخَارج لأزمَات غزّة بعيدًا عن عُقوبات وفرضيّات محمود عبّاس لإعادَة الوِحدة الوَطنية لشَطري الوطن كما يدّعي.
الحلّ الذي طَرحه غرِينبلات هُو تعزيز للأَمن الإقليمي وخاصّةً الأمن المِصري والإسرائيلي والأُردني، وهي الدّول التي تحمِل المَفاتيح لأيّ نِظامٍ سياسِي فِلسطيني أو جُغرافيا سياسيّة فِلسطينية مُستقبلية، وبالتّالي عندما يُؤكد غرينبلات أنّ أيّ حلّ يجِب أن يَأخُذ في الحُسبان أمن إسرائيل ومِصر والأُردن فإنّ هُناك طَرح سياسيّ وتصوّر سياسي كاختِراق مِن خِلال الحالة الاقتصاديّة التي يُعاني مِنها قِطاع غَزة، إذًا ما هُو المُستقبل السّياسي الفِلسطيني والسّلطة الذي يُريد عبّاس أن يُحدث تنشيطًا لَها مِن خِلال مجلس وطَني قادِم بكيفيّة مُعيّنة وإعدادٍ مُعين، وماذا سيطرَح هذا المَجلس سياسيًا غير ما كَان قد تم طَرحُه سابقًا بحلّ الدّولتين على أراضِي 1967م ولكن يبدُو أنّ الإدَارة الأمريكيّة والأُوروبيين قد اتّفقوا على دولة فِلسطينية إلى جَانب إسرائِيل، ولكن ليس بالكيفيّة التي يطرحُها البَرنامج السّياسي الفِلسطيني بقيادة مُنظمة التّحرير، أي دولة مركزيتهَا غزة ويخضع لها ما تبقّى مِن الضّفة الغربية إداريًا في ظِل إشْراف إدارِي وأَمني أُردني إِسرائيلي على الضّفة وإشْراف أمنِي إدارِي مِصري على غزّة.
إذًا، هل نحنُ قادِرون على مُواجهة صَفقة القَرن على المُستوى الذاّتي والإقلِيمي؟، فيبدُو أنّ دِول الإقلِيم تُريد أن تُنهي الصّراع بقيادةٍ بديلة غير قِيادة محمود عباّس في الضفة الغَربية، قِيادة يتم التّوافق عليها فِلسطينيًا وإقليميًا في غزّة في ظِل قِيادة مُوحدة فلسطينية تتوَافق مع أُطروحات هذه الصّفقة وأبعَادها الدّيموغرافية على الإقليم وعلى المنسُوب الذاّتي.
أمِيركا وإسرَائيل قد اكتَملت مُخطّطاتهما في الضّفة الغربية، والجَميع يتّفق على ضَم الضفة الغربية أو إلحاقها بدَولة غزّة، هل نحنُ قادِرين على طرح برنامِج سِياسي واضِح يضع المُعالَجات بعُمقها الوطني والجُغرافي؟، وما هُو موقِف الشّعب الفِلسطيني من كُل الأُطروحات والسّيناريوهات، انتهى موضُوع القُدس، ولن يستطِيع أحدٌ مُواجهته حَسب المُناخات المَطروحة، والقُوى الذّاتية الفِلسطينية، وإسرائِيل تُسيطر على 45% من الضّفة الغَربية فعليًا تحت مسؤُوليات مُباشرة للإحتلال، أما غزّة ففيها سلاحٌ وفيها مُقاومة وفيها فَصائل، وأكبرُ تِلك الفَصائل المُسلّحة حَركة حَماس، حماس تَستطيع أن تُقاوم ولكن هَل تَستطيع أن تُقاوم جبهةً إقليمية دَولية كَاملة، في ظلّ خَنقٍ كامل لِقطاع غزة، أم ستَتعامل مع أُطروحات صَفقة القَرن ومع بَدائل للقيادة الفِلسطينية الحَالية، في ظلّ بَرنامج أعلَنت عنهُ حركة حماس في وثِيقتها ينُص على القُبول بدَولة على أراضِي عام 1967م أو في ظِل أُطروحاتٍ قَديمة جَديدة كهُدنة طويلة الأَمد مع الإحتلال. حَقّقت إسرائيل حُلمها كاملاً كما قال ناتنياهو في يهُودا والسّامرة، وبالتّالي نحن أصْبحنا في حالةٍ ضَبابية بخُصوص أُسس القضيّة الفِلسطينية ومقوّمَاتها وعَناصِرها.
ممرٌ واحِد في إتّجاه واحِد غير مُتعدّد الخُطوط والمُتوَازِيات والمُتقَاطِعات، ممرٌ وطَني يتعمّق بالذّات الفِلسطينية، مَكانها ووُجُودها وكيف تكُون ومَا هُو المَطلوب في هذه المَرحلة أمَام مَشاريع التّشتيت الديمُوغرافي والتّشتيت الثّقافي والتّشتيت المُجتمعي وغِياب الإبداع والحُلول الغَير نَمطيّة في وَضع المُعالجات في سَبيل إنقاذ الهويّة الوطنيّة الجُغرافيّة والثّقافية مِن مُخطّطات ما هُو مُعلن وغير مُعلن، وعِندما تكُون الإرادة الفِلسطينية قَد تحوّلت إلى إرَادات مُتفرّقة وانتقَلت من مَوقع الخُصُومات أو الخَصم السّياسي إلى لُغة وسُلوكيّات تُضفي واقِعها بلُغة التّناقض الرّئيسي.
الفلسطينيّون في مَوقف لا يُحسدونَ عَليه، وهذا بطبيعَة تَعامُل القيادة الفِلسطينيّة عبرَ أكثَر مِن عَقد مَع أبجديّات الصّراع والتي لمْ تخلُو من الأخطَاء والخَطَايا، حيثُ أصبَح مشرُوعهم الوَطني في مَهبّ الرّيح. تَراجُعات ثم تَراجُعات ومُؤثّرات ذاتيّة وإقلِيمية ودَولية تجعَل الإنطِلاق للأمَام للوِحدة خِيار وَحيد إلّا مَن خَرج عَن الصّف الوَطني ووضْع يده في يَد صفقَة القَرن، وهُنا نُركّز على قاعِدة أنّه يجِب أن يكُون هُناك برنامِج إستراتِيجي مع مِصر وبرنَامج إستراتيجي مع الأُردن مُدمجين في برنَامج واحِد يحَفظ الأمن القَومي العَربي ويحفَظ الحُقوق الفِلسطينية في ظِل برنَامج مُنظّمة التّحرير الذي اتّسم بسِياسة الوَاقعية كما يدّعون (الدّولة على حدود 1967م) وبدُون وَضع إستراتيجيّة مُوحّدة مع مِصر والأُردن فإنّ الفِلسطينيين سيَخسَرون كُل شيءٍ، فغزّة لن تقِف أمَام الكَون، وإن كَانت تتحلّى بالإرَادة والمُقاومة، ولا يُمكن أن نكُون طُوباويين إلى هَذه الدّرجة، بل يجب التّعامل مع الوَاقع بحذَر وبِدقّة ومِن خِلال تعبِئة عامّة وشَاملة للشّعب الفِلسطيني والقُوى الإقليميّة التي يُمكن أن تضَع تَعديلات كَثيرة على تِلك الصّفقة التي تنسُجها أمِيركا لِصالح إسرَائيل فَقطْ.
غزّة تُواجه التّدويل ولا نُريد أن نَبكي المَاضي، فكان يُمكن للمَاضي أن يضَع المُعالجات قبل حُدوث الحَدث وقبل تطوّر السّياسة الأمريكية بإدارَاتها المُختلفة لتضَع مِثل تلك الصّفقة، هُناك مُتغيرات ستكُون على مُستوى الإقليم أيضًا في تَذويب حُدود وإنشَاء مُدن ضَخمة، إذًا أين الفِلسطينييّن مِن تلك المُتغيّرات وأينَ الفِلسطينيين مِن قَناة البَحر الميّت، وأينَ الفِلسطينيين مِن حُقُول الغَاز على شَاطئ قِطاع غزّة التي جَعلت مِن القِطاع رقمًا مُهمًا بالنّسبة لأميركَا ودِول الإقلِيم بما فِيها إسرَائيل.
بقلم/ سميح خلف