بعد إسرائيل… من المستفيد ومن الخاسر في تفجير موكب الحمد الله؟

بقلم: علي الصالح

تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله ومدير المخابرات العامة ماجد فرج، أو الادق القول محاولة اغتيالهما بعيد وصول موكبهما إلى شمال قطاع غزة وعلى بعد نحو300 متر من معبر بيت حانون، هي جريمة نكراء وعمل جبان ومدان بكل اللغات وأشد العبارات، فجبان من خطط وأجبن من نفذ.
فشل هذه الجريمة في تحقيق أهداف مرتكبيها، يعود إلى أن المتفجرات وضعت على ما يبدو على عجل، لأنه لم يكن لدى القتلة متسع من الوقت، خاصة أن الوقت بين الإعلان عن الزيارة ووصول الموكب إلى معبر بيت حانون، وعملية تفجير العبوة الناسفة، لم يتجاوز الـ15 ساعة فقط.
ولو كان النجاح قد كتب لهذه المحاولة، فإن نتائجها كانت ستكون كارثية، مجزرة حقيقية بكل المقاييس، وكانت ستقضي على أي آمال في المصالحة السياسية، على الأقل في المرحلة الحالية بين حركتي فتح وحماس، وربما كانت ستحرف بوصلة النضال الفلسطيني وتدخلنا مجددا في أتون الاغتيالات السياسية التي شهدها المسرح الفلسطيني في السبعينيات والثمانينيات ومطلع التسعينيات، تعيدنا إلى حقبة صبري البنا (ابو نضال) التي راح ضحيتها قادة من خيرة رجال الثورة، امثال الشهيد الصديق سعيد حمامي في لندن أواخر السبعينيات، وعصام السرطاوي في الثمانينيات في البرتغال، وانتهت باغتيال صلاح خلف (أبو اياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) وفخري العمري (أبو محمد) إضافة إلى16 قياديا في فتح ما بين 1990 وحتى 1993.
حذرت، في مقال سابق، بعد توقيع اتفاق تطبيق المصالحة في القاهرة في12 اكتوبر 2017 من احتمالات التخريب عليها من إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، أو من جماعات متربصة في غزة ليس من مصلحتها المصالحة، لأنها تتنافى وبرامجها ومصالحها وأهدافها وطموحاتها، وستعمل على تخريبها بوسائل شتى، منها زعزعة الأوضاع الأمنية.. أطراف في مقدمتها إسرائيل وأخرى قد تأتي من داخل الأطراف المتصالحة، بعضها مكشوف وبعضها خفي.
وقد وقع المحظور يوم الثلاثاء في محاولة اغتيال الحمد الله وفرج، وربما تكون الأطراف التي تقف وراء هذه الجريمة، هي الأطراف نفسها التي وضعت المتفجرات في سيارة اللواء توفيق أبو نعيم مدير الأمن في قطاع غزة، بعيد توقيع اتفاق القاهرة، لكن المقبل قد يكون أعظم. ومن أوصل الفاعلين إلى موكب الحمد الله وفرج وأبو نعيم من قبل، سيوصلهم إليهم، وربما غيرهم في المرة المقبلة، إن لم يجر القبض عليهم، ومن يقف وراءهم وتقديمهم للعدالة بأسرع وقت ممكن. وهذا يتطلب مزيدا من الحرص واليقظة الأمنية. فمن يمكن أن يكون هؤلاء؟ ومن يمكن أن يكون المستفيد؟
قبل الحديث عن الاطراف المحتمل تورطها في هذه الجريمة النكراء، لا بد من الإشارة إلى ألا مصلحة لحركة حماس من وراء هذه الجريمة، وأضرارها طالت الحركة، المسؤول الأول والأخير عن الأمن في قطاع غزة، فقد أضرت بهيبتها الأمنية وأظهرتها بمظهر العاجز عن توفير الحماية، إذن فإنه من غير المنطقي توجيه أصبع الاتهام إليها بالتورط أو تدبير التفجير، ولو كان لدى حماس النية في تصفية رئيس الوزراء ومدير المخابرات لابتكرت وسائل أخرى أكثر ذكاء ومضمونة النتائج، ولكن بالإمكان اتهامها بالتقصير في توفير الحماية وهذا ما حصل بالفعل. فمن يمكن أن يكون الطرف، أو الاطراف وراء هذا التفجير، الذي كان يمكن أن تكون نتائجه مدمرة، لو لم تتعطل العبوة الناسفة الثانية؟
الاطراف المستفيدة: إسرائيل أولا وأخيرا، والخوارج في فتح والرافضين للمصالحة في حماس، والرافضين للمصالحة في تنظيمات صغيرة رافضة لسياسات السلطة وبعض الجماعات السلفية التي تريد التخريب على حماس، وأخيرا أفراد ممتعضون ومتضايقون يحمّلون الحمد الله شخصيا مسؤولية الضائقة المعيشية والاوضاع الاقتصادية التي يمر بها قطاع غزة.
أولا إسرائيل: تبقى إسرائيل ممثلة بزبانيتها وعملائها المتهم الرئيسي والمستفيد الأكبر من إرباك الوضع الفلسطيني، وهي بذلك تضرب أكثر من عصفور بحجر، الأول والأهم إشعال الفتنة بين الفلسطينيين بأطيافهم السياسية المختلفة، من السلطة الفلسطينية لحركات وفصائل وطنية وإسلامية، وإعادة المصالحة إلى المربع الأول، وضرب أي جهود ترمي لتحقيقها، وصرف الأنظار عن القضايا الأساس، وهي صفقة القرن، وإسقاط قضية القدس بعد قرار ترامب الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة اليها، وتصفية قضية اللاجئين عبر إنهاء وكالة غوث اللاجئين الفللسطينيين "الأونروا" بتجفيف الموارد المالية عنها، وتوطين اللاجئين في البلدان الرئيسية الثلاثة، التي تستضيفهم، وهي الأردن وسوريا ولبنان. ومحاولة إعاقة التحضيرات والجهود لإنجاح مسيرة العودة الكبرى نحو الحدود مع دولة الاحتلال، المقرر بدء فعالياتها في 30 مارس الحالي، وستنتهي بإقامة مخيم أو مخيمات العودة على طول الحدود، وربما اجتيازها، وهذا ما يرعب إسرائيل وأجهزتها الأمنية. أضف إلى ذلك إظهار أمن حماس، وهو المسؤول الأول والأخير عن الأمن في قطاع غزة بمظهر العاجز. وإعادة جهود المصالحة، إلى المربع الاول؛ وباختصار خلط الأوراق وإشعال نيران الحساسيات والصراعات في القطاع.
ثانيا: الخوارج في حركة فتح: فهؤلاء هم الطرف الأكثر تضررا في ما لو تحقق التقارب بين فتح وحماس وطبعا المصالحة، رغم أنها لم تحقق على مدى الأشهر الخمسة من عمرها، تقدما حقيقيا، لكن مجرد حرص الطرفين على الإبقاء عليها، وإن كان فقط أمام وسائل الإعلام، يرعب هؤلاء الذي حاولوا التصيد في المياه العكرة، فتحقيق المصالحة وعودة السلطة وأجهزتها بموافقة حماس، من وجهة نظرهم ومصالحهم، يعني قطع الطريق عليهم ووأد أحلام اعتقدوا أن تحقيقها كان على مرمى الحجر أو قاب قوسين أو ادنى.
ثالثا: أطراف في حركة حماس لا تريد لهذه المصالحة أن تنجح لعدة أسباب، أولها خلافات داخلية تنافسية. وثانيها خلافات سياسية، وثالثا رفض نهج السلطة وسياستها، وترى في عودتها إلى القطاع ضربة قوية لبرنامجها السياسي أو العسكري وسط الحديث عن سلطة واحدة وسلاح واحد، وهذا الشعار بالتأكيد لا يعجب الكثير في حماس.
رابعا: فصائل صغيرة متشددة ستفقد مسببات وجودها في حال عادت السلطة إلى قطاع غزة.
خامسا: حركات سلفية كتلك المسؤولة عن إطلاق الصواريخ بين الحين والآخر للتخريب على حركة حماس، وإثارة ردود أفعال عنيفة من قبل إسرائيل.
وسادسا: أفراد غاضبون، أو كما يطلق عليهم "ذئاب منفردة" غاضبة من حكومة الحمد الله، التي تحملها معظم الاطراف في غزة المسؤولية عن المعاناة المعيشية وتردي الأوضاع الاقتصادية، وترى فيها طرفا مشاركا للاحتلال في حصاره للقطاع منذ أكثر من 11 عاما. وأيا كان هؤلاء فإن أفعالهم تصب أولا وأخيرا في مصلحة الاحتلال وترسيخ الاحتلال وإضعاف الموقف الفلسطيني في مثل هذه الظروف الحرجة التي تحتاج إلى وحدة الصف الفلسطيني.
وأخيرا فإن التسرع والقفز إلى استنتاجات مغلوطة خطأ كبير، وقبل أن نلقي اللوم على جهة بعينها وتحميلها مسؤولية التفجير، لا بد من التحلي بالصبر، خاصة أن الهدف الأسمى هو الوصول إلى المجرمين، سواء كانوا عملاء اسرائيل أو خوارج أو غيرهم. ولا بد من إشراك أجهزة أمن السلطة في التحقيقات القائمة والتعجيل بها من اجل الوصول إلى الايدي الآثمة وقطع دابرها وتقديمها للعدالة.
واختتم بالقول بتكرار التأكيد على أن المستهدف من الانفجار هو وحدة الشعب الفلسطيني والمشروع الوطني الفلسطيني وخلط الأوراق وصرف الأنظار عن المعركة الأساسية مع الاحتلال، ومحاولة العودة إلى أسلوب الاغتيال السياسي المدان المرفوض بعدما غاب عن الساحة الفلسطينية لسنوات.

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"