أعلنت إسرائيل على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الجيش يسرائيل كاتس، مساء السبت 13ديسمبر/كانون الأول 2025، عن اغتيال القيادي البارز في "كتاب القسام" الجناح المسلح لحركة "حماس"، رائد سعد، في غارة استهدفت مركبة على شارع الرشيد غرب مدينة غزة، واسفرت عن استشهاد عدد من الفلسطينيين.
وقال نتنياهو وكاتس في بيان مشترك إن "استهداف رائد سعد جاء رداً على إصابة جنديين من جراء انفجار عبوة ناسفة في جنوب قطاع غزة، اليوم السبت. وجاء في البيان، الذي نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أنه "رداً على تفجير حركة حماس عبوة ناسفة أسفرت عن إصابة قواتنا اليوم في المنطقة الصفراء بقطاع غزة، أصدر نتنياهو وكاتس تعليمات بتصفية سعد".
وأضاف نتنياهو وكاتس أن سعد "كان أحد مهندسي مجزرة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكان منخرطاً في الأيام الأخيرة في إعادة بناء تنظيم "حماس" الإرهابي، وفي التخطيط لشن هجمات ضد إسرائيل وتنفيذها، فضلاً عن إعادة بناء قوة هجومية، في انتهاك صارخ لقواعد وقف إطلاق النار والتزامات "حماس" بموجب احترام خطة (الرئيس الأميركي دونالد ترمب".
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن "الاستخبارات ستواصل تعقب قيادات حماس بغزة مع التركيز على شخصيات شاركت في مجزرة 7 أكتوبر"، فيما نقل موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر أمنية قولها:" إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بعملية اغتيال رائد سعد بعد 20 دقيقة من التنفيذ".
وقالت المصادر لـ"يديعوت أحرونوت ":" إسرائيل خاطرت بإثارة غضب الولايات المتحدة باغتيال رائد سعد (..) ولا توجد أي علاقة بين عملية اغتيال رائد سعد وخرق حماس لوقف إطلاق النار".
وذكرت "يديعوت أحرونوت على لسان المصادر بأن المؤسسة الأمنية شهدت خلافات بشأن تنفيذ عملية اغتيال رائد سعد، فيما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "قواتنا في القيادة الجنوبية منتشرة وفقا للاتفاق وستعمل لإزالة أي تهديد فوري".

وأكد الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) في بيان مشترك اغتيال سعد. ونشر الجيش على صفحته بموقع "إكس" فيديو للحظة استهدافه، مشيراً إلى أنه "كان من بين آخر المقاتلين المخضرمين البارزين المتبقين في قطاع غزة".
وفي وقت سابق اليوم، نفَّذت مُسيَّرة إسرائيلية هجوماً جوياً على مركبة من طراز "جيب" على شارع الرشيد الساحلي، جنوب غربي مدينة غزة، ما أدى لاستشهاد 4 فلسطينيين على الأقل، وإصابة عدد آخر، بعد أن أطلقت الطائرة 3 صواريخ باتجاه المركبة ومحيطها، لقتل كل من بداخلها.
وبينما لم تؤكد أي مصادر فلسطينية هوية الشهداء، ذهب الجيش الإسرائيلي إلى أن الهدف هو القيادي البارز في "كتائب القسام" الجناح المسلح لحركة "حماس" رائد سعد، وعدد من مرافقيه.
وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن إسرائيل حاولت اغتيال سعد في أثناء تنقله إلى شمال القطاع، لافتة إلى أنه مؤخراً تمت الاستعدادات لاغتياله في مناسبتين على الأقل خلال الأسبوعين الماضيين، وتقرر إلغاؤهما في اللحظات الأخيرة.
سنتحرك في كل مكان نرصد فيه محاولة تقوم به حماس لاعادة اعمار قدراتها.
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) December 13, 2025
لن نسمح لاعدائنا ان يعيدوا اعمار قوتهم حيث سنبقى ملتزمين باتفاق وقف النار.
(فيديو من عملية القضاء على الإرهابي المدعو رائد سعد قائد ركن التصنيع في حماس) pic.twitter.com/MOaq267Ltn
ووفقاً لما ذكرته الإذاعة، فإن سعد أقيل من منصبه قائداً لقسم العمليات بعد عملية "حارس الأسوار/ سيف القدس" عام 2021، وتولى مسؤولية مناصب أخرى، منها حالياً ركن إنتاج الأسلحة، مشيرة إلى أنه يعمل حالياً على إعادة بناء الجناح العسكري لـ"حماس"، ويعدّ الرجل الثاني في التنظيم بعد عز الدين الحداد، كما أنه كان المسؤول الأول عن تجهيز خطة اقتحام الحدود التي عُرفت سابقاً باسم "جدار أريحا".
وبحسب قناة "12" العبرية، فإنه أُطلق على العملية اسم "العشاء الأخير"، مشيرة إلى أنها جاءت رداً على إصابة جنديين بجروح طفيفة، إثر انفجار عبوة ناسفة بقوة إسرائيلية على حدود غزة في الأيام الأخيرة.
فمن هو رائد سعد؟
في مارس/آذار 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي - على ما يبدو أنه عن طريق الخطأ - أنه اعتقل سعد في "مجمع الشفاء الطبي" بمدينة غزة، ولكن تبيَّن أنه لم يُعتقَل.
وقالت مصادر حينها لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إنه كان في تلك الليلة مشارِكاً في اجتماع مع مخاتير ووجهاء كانت إسرائيل تحاول تجنيدهم، لخطة إقامة سلطات محلية، وقد غادر المكان قبل ذلك.
وتؤكد مصادر من "حماس" لـ"الشرق الأوسط"، إن سعد هو المسؤول عن ركن التصنيع، كما أنه كان لسنوات مسؤولاً عن ركن العمليات في "كتائب القسام" داخل قطاع غزة، مشيرة إلى أنه عضو في المجلس العسكري العام، كما أنه كان مقرباً من محمد الضيف، ومحمد السنوار، وغيرهما من كبار القادة، وكان قائداً للواء غزة لسنوات عدة، وكان مقرباً جداً من القائد السابق للكتائب أحمد الجعبري.
عقود من محاولات الاغتيال
وبيَّنت المصادر أنه خلال الحرب الحالية نجا سعد من 4 محاولات اغتيال على الأقل، إحداها كانت في جباليا البلد شمال قطاع غزة، وقد نجا منها، بينما استهدفته غارة عنيفة في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، الذي ينحدر منه وعاش وتربى فيه، وذلك بعد أن قصفت طائرة حربية مربعاً سكنياً لاغتياله، ولكن تبيَّن أنه غادر المكان قبل دقائق من الهجوم.
ونجا سعد من محاولات اغتيال طالته على مدار عقود، من أبرزها إصابته في إحداها حين كان برفقة محمد الضيف والمجلس العسكري في منزل بحي الشيخ رضوان، عام 2003، وأُصيب أيضاً الضيف برفقته حينها.
وأشارت إلى أن سعد أشرف على سلسلة عمليات خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت نهاية عام 2000، بعد أن فرَّ من سجون السلطة الفلسطينية آنذاك، وقُتل وأُصيب خلالها كثير من الإسرائيليين، كما كان له دور في عملية تطوير الصواريخ وإطلاقها تجاه مستوطنات إسرائيلية، وكذلك في بناء قوة "القسام" على مدار عقود.
"جيل 2005"
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، كان سعد جزءاً مما يُطلق عليه جهاز المخابرات الإسرائيلي "جيل 2005"، وهم قادة ميدانيون برزوا خلال الانتفاضة الأولى، وقضوا سنوات في السجون الإسرائيلية والفلسطينية، واكتسبوا خبرة ميدانية في الانتفاضة الثانية.
ويرى هذا الجيل أنه مَن أجبر إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، ممهداً الطريق أمام "حماس" للسيطرة على القطاع وبناء قوة عسكرية بهدف مهاجمة إسرائيل، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت".
ويلقَّب سعد في أوساط قادة ونشطاء "القسام" باسم "الشيخ"، وكان مقرباً جداً من الشيخ أحمد ياسين مؤسِّس الحركة، وعمل في مكتبه سنوات، كما أنه كان قريباً من أحد أبرز قادة الحركة، إبراهيم المقادمة، وتزوَّج ابنته، ويطلق عليه اسم "أبو معاذ"، كما تربطه علاقة قوية بكثير من قادة "حماس" و"القسام" على مختلف المستويات، وجهَّز قوةً عسكريةً خاصةً لحماية عبد العزيز الرنتيسي، بعد أن حاولت السلطة الفلسطينية مهاجمة منزله بداية الانتفاضة الثانية.
وتؤكد المصادر أنه بعد انتهاء الحرب عمل مجدداً على محاولة بناء ركن التصنيع من جديد، وترتيبه إدارياً وهيكلياً، إلى جانب عودة عمل تصنيع بعض أنواع العبوات الناسفة وقذائف "الهاون" وغيرها.
#عاجل 🔻جيش الدفاع والشاباك قضيا على المدعو رائد سعد قائد ركن التصنيع في حماس وأحد مهندسي مجزرة السابع من أكتوبر
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) December 13, 2025
🔻هاجم جيش الدفاع والشاباك في مدينة غرة قبل قليل وقضيا على المدعو رائد سعد قائد ركن التصنيع في الجناح العسكري لحماس وأحد مهندسي مجزرة السابع من أكتوبر.
⭕️على مدى… pic.twitter.com/OnCY0rvml9
وبشأن رواية إسرائيل حول مسؤوليته عن خطة ما عُرف باسم "جدار أريحا" أو "القيامة" التي طُبقت في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قالت المصادر إنه حين كان سعد مسؤولاً عن قسم العمليات، كان أحد المُخطِّطين للهجوم منذ سنوات، وكان يعمل على التجهيز لتنفيذه في وقت أقرب، ولكن الفرصة لم تحِن آنذاك.
مكافأة الـ800 ألف دولار
وكانت "الشرق الأوسط" قد ذكرت بأنها انفردت في يناير/كانون الثاني 2024، بمعلومات حصرية عن خطة هجوم السابع من أكتوبر، وأكدت مصادرها حينها أن خطة اقتحام مستوطنات غلاف غزة ليست بجديدة؛ بل تم التفكير فيها وبدء الإعداد لها قبل حرب عام 2014، وعندما اندلعت تلك الحرب تم تجميد الخطة، قبل أن تتجدَّد المساعي بعد عام، وما إن وقعت معركة "سيف القدس" عام 2021، حتى تقرَّر في الجناح العسكري لـ"حماس" الاستعداد لها وتنفيذها حين تحين الظروف.
وبعد معركة "سيف القدس" تقرَّر نقل رائد سعد من مهامه الموكلة إليه في قسم العمليات إلى قسم ركن التصنيع، فيما يبدو بسبب فشل تطبيق تلك الخطة خلال تلك المعركة.
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، يتجلى دور سعد الاستراتيجي في المكافأة التي رصدتها تل أبيب والبالغة 800 ألف دولار لمَن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه، وهي مكافأة تفوق ما رُصد لقادة كبار آخرين، بمَن فيهم عز الدين الحداد، وتساوي المكافأة التي رُصدت لمحمد السنوار.
































