في الأيام وصمات سوداء لا تمحي

بقلم: طلال الشريف

"في الأيام" مصطلح حفيدي الأكبر محمد العتال ذو العشر سنوات عندما بدأ يعيد في سن الرابعة المحبب من الأطفال القصص التي تروي له فكان بدلا من القول في بداية السرد كما تعود الشرق بمجمله "في يوم من الأيام" كان وكان حتي نهاية السرد ووجدت أن مصطلح في الأيام يفيد علي الأقل في السرد لحدوث الحدث علي مر أيام وسنين وليس في يوم واحد كما كانت القصص تروي لنا.

ما وددت قوله هنا حدث ليس في يوم من الأيام بل حدث ويحدث منذ زمن وحتي الأن وتلكم السرد..

صديقي الممثل المعروف جاء يسألني عن الحل وتح لي عن أحزانه من مرحلة إمتدت لخمس سنوات وهو لازال يعاني من مضاعفاتها تكبر وتكبر مع مرور العمر فالأعمار ليس كغيرها من صفات تطور البشر فكلما تتقدم سنين العمر تضعف القدرة علي الأحمال نتيجة لضعف العضلات والهيكل العظمي وتضعف أجهزة الجسم وملحقاتها إلا الأثر النفسي والعبر والحكمة فهي تقوي وتنضج في تناسب عكسي مع القوة الجسدية وما نتحدث عنه بالذات ليس قوة الذاكرة بل الوعي بالأثر والحكمة والعظة وبعض الناس يسمونها صحوة الضمير في بعض الأحداث.

صديقي الممثل أو السياسي وكله تمثيل يكاد يغلب عليه مصطلح الفن الأسود إلا من قليل جدا رحمهم الله ووقاهم من العار الذي يحسب في شريط حياتهم مما يعاني صديقي الممثل المعروف وتلك مفاهيم تتباين لدي البني آدميين.

صديقي الممثل المعذب الآن مصاب بعقدة "الغروب" وهذا مصطلح من تسميتي أنا الخاصة طبيا أو نفسيا يقابله أيضا عقدة الشروق وبإختصار ليس مجاله الشرح الموسع هنا فالشروق هنا الصعود في الشهرة وعقده ومعاناته وثمنه وآثاره النفسية والغروب هو الهبوط في الشهرة وعقده ومعاناته وثمنه وآثاره النفسية وتعمدت القول هو مصطلح خاص بي حرصا من سراق الفكر والجهد المنتشر بإتساع في أيام الفضاء الإلكتروني والفضائيات فما أسرق من كاتب شاب إلا كاتب شايب ماتت أجياله.

نعود لصاحبنا الممثل أو السياسي المعروف وكله تمثيل كما قلنا لنفصح عما يعانيه هذا الممثل وتلك خكاية تكررت وتتكرر في الأيام فصديقنا يريد قطع جزء من تاريخ مسجل في شريط حياته يخجل منه الآن وكان فعله في الأيام الخوالي حين كان يصور فيلما به مشاهد ساخنة ولا تعجبه الآن ولا يرتاح لها حيث صورها في فيلم كان في حينها لا عيب فيها ولا حسابات والآن بمرور العمر وتغير الثقافة والمزاج يعتبرها وصمة سوداء في حياته يريد التخلص منها ولكن هيهات فاليوم ليس كالأمس في أفلام حسن الإمام ورمسيس نجيب ويوسف شاهين والقائد سمعان فالفارق كبير عن تلك الأيام حين كان ما يعتبره هذا الممثل والمجتمع اليوم وصمة سوداء محصورة في تسجيل واحد للفيلم يتنقلون بها للعرض من مكان إلي مكان ومن بلد إلي آخر وكان زمان مجرد الوصول للنسخة الوحيدة يمكن قطع المشاهد المطلوبة وإعادة الوصل أما عقدة ممثلنا اليوم فهي في التكنولوجيا فقد تكون ملايين وليست عشرات النسخ من فيلمه قد إنتشرت فكيف يستطيع إخفاء عيبه وهو عار في مشاهد ساخنة إلا قليلا في ذاك الفيلم.

صديقي الممثل المعروف يدفع الآن كما يتصور ويواصل الحديث ثمن تهوره وعدم وعيه في حينها أو لحاجته للشهرة في حقبة مضطربة من حياته أثناء صعوده للشهرة والآن يسعي جاهدا لمسح تلك المشاهد التي لا يحبها ويفيد بأنها لا تتوافق مع مكانته العلمية ونسبه الأصيل وفكره الأوسع لكنه إنجرف مع موضة ذاك الزمن والأدهي في معاناته تلك الحالة التي تعصف به أنه كان سباقا في التعري فنقل العدوي لآخرين ورسخت صورته كممثل ساخن أول في أذهان الجمهور .

حقيقة القول حين صارحني صديقي الممثل بمعاناته وحاله لم أجد حلا لهذا الفضاء الواسع من عالم التواصل والاتصال لوصف روشيتة شفاء لحالته ولكني بعد تفكير عميق قلت له ليس لديا حل لكل هذا الفضاء الإليكتروني لمسح ما تريد ولكن لديا نصيحة لك بأن توقف التمثيل لأن ما تتصوره اليوم عاديا سيأتي وقت قد يصبح في سياق تحول الثقافات والأمزجة جريمة تعري جديدة من نوع جديد أو علي الأقل لتقف أمام محاسبة ضميرية أقل ضررا مثلما أنت الآن تجري وراء مسح مشاهد التصوير ولم ولن تستطيع.

القصص والاحداث حافلة بصحوة الضمير فالقائد الذي كان يمعن القتل والتعذيب علي إعتبار أنه في مهمة وطنية يدافع عن الحق ربما يكتشف في مرحلة الغروب بأن ما فعله كان خطأ في حق البشر والانسان فيعترف وينشر مذكراته دون خوف من عقاب ليس لأنه يكفر عن جرائمه بل يريد غسل عاره وفي عقله الباطن هي دعوة للآخرين لكي يتعظوا ولا يقوموا في المستقبل بإرتكاب ما قام به من جرائم في الناس بعد صحوة الضمير.

في التمثيل والسياسة إنتبهوا من التعري فقد تصابون بعقدة الغروب وصحوة الضمير حيث فضاءات الدنيا الآن شاسعة قد لا تستطيعون مسحها.

بقلم/ د. طلال الشريف