قبل أن يتحول الإحباط إلى مرض مزمن

بقلم: أسامه الفرا

مساحة الإحباط واليأس داخل المجتمع الفلسطيني وبالتحديد في قطاع غزة آخذة بالاتساع، ومؤكد أنها تقع تحت تأثير عوامل عدة، منها ما هو بصناعة فلسطينية خالصة، ومنها ما هو بفعل منظومة عمل تتداخل خيوطها الإقليمية والدولية لتلقي بظلالها السلبية على مستقبل القضية الفلسطينة والذي بدوره يغذي الشعور بفقدان الأمل، ومن الطبيعي أن يكرس الاحتلال قدراته في غرس ورعاية اليأس بمفرداته ومدلولاته ونتائجه المختلفة، وإن فعل غير ذلك يفقد صفته القائمة على سلب الاخر مادياً ومعنوياً، لا أحد منا على مدار سنوات الاحتلال الطويلة كان يحلم بأن يصحو من النوم ليجد جنود الاحتلال وقد ارتدوا ملابس بابا نويل ليستبدلوا رصاصهم المصوب تجاه أطفالنا بقطع من الحلوى يكفرون بها عن خطاياهم، ومن يحاول منا التنصل من المسؤولية ويلقي باللائمة على الاحتلال كمن يحاول أن يقنعنا بأن تعثره في الطريق جاء بفعل كروية الأرض.
على مدار سنوات الاحتلال الطويلة تحلى الشعب الفلسطيني بإرادة لا تفتر وعزيمة لا تلين، وسجل بصموده وتحديه لبطش وجبروت الاحتلال صورة مشرقة للباحثين عن الحرية والكرامة، حتى في تلك المراحل التي تشابكت فيها المتغيرات الإقليمية والدولية في غير صالح القضية الفلسطينية وبات معها حلم الحرية والاستقلال بعيد المنال حافظ الشعب الفلسطيني على شعلة الأمل، بل واستطاع أن ينتفض ليفرض القضية الفلسطينية على أجندة سياسات الدول الإقليمية والدولية، وبالتالي حالة الإحباط التي تسللت الينا في السنوات الأخيرة لا يمكن لنا أن نعزوها إلى الاحتلال وممارساته القمعية، وأيضاً لا يمكن لنا أن نلقي بمسؤوليتها على المتغيرات في العالم العربي التي صاحبت الخريف العربي رغم تأثيراتها الكارثية على القضية الفلسطينية، بات علينا أن نمتلك الجرأة الأدبية ونسمي الأشياء بمسمياتها دون أن نغلفها بعوامل خارجة عن ارادتنا، الحقيقة المجردة أن حالة الإحباط التي يعيشها المجتمع الفلسطيني هي بفعل أيدينا ونحن دون سوانا من يتحمل مسؤوليتها.
لو قدر لنا الاستعانة بمقياس تقني لرصد الإحباط لوجدنا انفسنا نسجل رقماً على مؤشره لم يسبق لنا أن اقتربنا منه، فسنوات الانقسام العجاف لم تلحق الضرر بمشروعنا الوطني فقط، بل أصاب فيروس الانقسام منظومة القيم التي تشكل جهاز المناعة الوطنية لدينا، لم نمتلك يوماً سلاحاً يمكن لنا أن نواجه به ترسانة الاحتلال العسكرية، لكن دوماً كانت لدينا الإرادة التي نواجه بها تغول الاحتلال علينا، وإن كانت لا تمكنا من الحاق الهزيمة به فعلى الأقل أنها كانت تمنعه من تسجيل نصر علينا، فما الذي فعله الانقسام بنا؟.
يشير تقرير مركز الميزان لحقوق الانسان بأن عام 2017 هو الأكثر سوءاً على قطاع غزة، ويكفي أن نقتبس من التقرير بأن عدد المرضى المترددين على مراكز الصحة النفسية الحكومية ارتفع بنسبة 69% مقارنة بعام 2016، واذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذه النسبة شهدت ارتفاعاً مضطرداً خلال سنوات الانقسام، فهذا يعطينا مؤشراً دقيقاً حول حجم الكارثة التي يعيشها القطاع، فما وصلنا إليه من الصعب على العقل استيعابه، حيث أنه إلى جانب الانحدار الخطير في مستوى الخدمات من صحة وتعليم وكهرباء ومياة، يضاف الى ذلك وصول البطالة إلى أرقام فلكية رافقها ارتفاع حاد في نسبة الفقر، لم يشعر المواطن أن القيادات الفلسطينية فعلت القليل لمعالجة هذه الهموم بل اكتفت على مدار سنوات الانقسام بتبادل الاتهامات، وتحولت المصالحة إلى مسرحية هزلية بمشاهدها المتكررة، والتي بدورها أوصلت المواطن لقناعة بأن القيادات العاجزة عن تحقيق المصالحة ليس بمقدورها انتزاع حرية شعبها من براثن الاحتلال.
إن الإخفاق الأكبر يتمثل في المسؤولية عن اتساع رقعة الإحباط واليأس لدى المواطن، إن الامل لا يصنعه وهم وأن مواجهة الحقيقة رغم مرارتها أفضل من تجاهلها؟، فهل تستفيق القيادات الفلسطينية وتتوقف عن التغني بإنجازاتها قبل أن يتحول الإحباط إلى مرض مزمن؟.

د. أسامه الفرا