عقد المجلس الوطني ضرورة لمواجهة التحديات ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

تكتسي دورة المجلس الوطني الفلسطيني المزمع عقدها، نهاية نيسان القادم أهمية بالغة القصوى، لمواجهة التحديات التي تتعرض إليها القضية الفلسطينية، الداخلية والخارجية، الإقليمية والدولية، والتي تُعدُّ الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، تلك التي لن تبقي أي عذر لأي فصيل أو إتجاه عن التقاعس في المشاركة فيها، من أجل صياغة البرامج والسياسات، وإتخاذ القرارات، وإختيار القيادات، وبناء وتفعيل المنظمات والمؤسسات، وتحديد الأدوات والوسائل والأساليب، القادرة على مواجهة هذه التحديات، وحماية القضية الفلسطينية من التصفية والذوبان في خضم الصراعات والمؤامرات التي تشهدها المنطقة، وحماية المكتسبات الوطنية وتطويرها، ومراكمة الإنجازات، وصولاً إلى تحقيق الغايات والأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني.

إن عبء المسؤولية الملقاة على النخب والطلائع الفلسطينية كبيرة وثقيلة، لا تحتمل التسويف والتلكؤ والتخويف، على جميع هذه النخب والقوى والفصائل والمنظمات، أن تتخلى عن مواقع التشكيك والتسويف والمماطلة، وأن تنتقل إلى مواقع الفعل والقرار الذي يؤدي إلى تمتين الحالة الوطنية الفلسطينية وإنهاء كافة أشكال التشرذم والإنقسام، الذي أوهن الشعب الفلسطيني، وأضعف قضيته، وخلق مناخات العبث السياسي، للقاصي والداني، حتى باتت القضية الفلسطينية في أضعف حالاتها، ما عرضها لأبشع المؤامرات، وأخطر السياسات، التي تستهدف تصفيتها دون خوف أو وجل، ودون مبالاة بمعاناة الشعب الفلسطيني، ودون إحترام لحقوقه المشروعة في وطنه، التاريخية والقانونية، وفي تحدٍ سافر للقانون الدولي، وللقرارات الدولية، وللإرادة الدولية مجتمعة، هذه التحديات والتجاوزات السافرة الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، والتي جرى التعبير عنها وبكل وقاحة من قبل إدارة الرئيس ترامب، بدءاً من قراراتها بشأن القدس، واللاجئين والإستيطان وصولاً إلى الحدود والأمن، بحيث لم يبقى أي عنصر من عناصر القضية الفلسطينية إلا وتم الإجهاز عليه، عبر سلسلة من المواقف والتي ستعقبها إجراءات من طرف واحد لصالح الكيان الصهيوني وتطلعاته التوسعية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في إطار ما سيعلن عنه من أفكار أو مبادرة لتصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها مشركاً قوى إقليمية ودولية تحت مسمى خادع ومراوغ (صفقة القرن) وكأنها صفقة تجارية تعتمد أسلوب الفهلوة والشطارة والإستغباء للطرف الآخر...

هذه التحديات الخطرة كان الرد عليها شعبياً ورسمياً بالرفض المطلق للتعامل مع هذه الأفكار والقرارات والإجراءات والمواقف، وإعتبار الولايات المتحدة طرفاً منحازاً وغير مؤهلاً لرعاية أي عملية تفاوضية بين الطرفين ورفض هذه الإنفرادية الأمريكية بتحديد مستقبل القضية الفلسطينية، ومستقبل التسوية والصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فكانت الإنتفاضة الشعبية التي تتوالى فصولها في القدس وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تتصاعد يوماً بعد يوم، وصمود وثبات موقف القيادة الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية في وجه هذه المواقف والإجراءات الأمريكية، والتحرك الذي قادته لمحاصرة وعزل وتعرية الموقف الأمريكي عربياً ودولياً، والذي أدى إلى إرباك الإدارة الأمريكية وتخبطها في التعاطي مع هذا الملف الشائك، مادعى إلى إعلان الخارجية الأمريكية أنه سوف يتأخر الإعلان عن صفقة القرن لعام أو عامين، على أمل إحداث تغييرات في الواقع الفلسطيني تؤدي إلى تسهيل قبولها والإلتزام بها فلسطينياً، هكذا تراهن أمريكا والكيان الصهيوني على إنهيار الموقف الفلسطيني الصلب، وإنجاب قيادة ضعيفة هزيلة تقبل بصفقة التصفية للقضية الفلسطينية ...!

نقول لإدارة الرئيس ترامب رهانكم في إحداث هذا التغيير سيكون خاسراً، لن يوجد القائد الفلسطيني الذي يفرط بالقدس، أو يتخلى عن قضية اللاجئين، أو يقبل بالإستيطان، الموقف الفلسطيني ثابت ومحدد وغير قابل للمساومة من هذه الأركان الأساسية لحقوقه، والتي حظيت بالدعم والتأييد من قبل المجتمع الدولي ممثلاً في قرارات الجمعية العامة وهي تمثل مطالب الحد الأدنى للقبول بأي تسوية سياسية واقعية للصراع بين الطرفين، وأن أية جهود سوف تبذل في هذا الشأن لن تزيد الوضع إلا مزيداً من التدهور والتعقيد، وتعميق أزمة الكيان الصهيوني ووجوده الإستعماري في المنطقة، كما أن الرهان على إستمرار حالة الوهن والضعف والإنهيار والتفكك للوضع العربي، أيضاً هو رهان خاسر، فالقدس وفلسطين كانت وستبقى قضية كل فلسطيني وكل عربي مسلم ومسيحي وكل أحرار وشرفاء العالم الذين يرفضون الظلم والفاشية والعنصرية التي يمثلها المشروع الصهيوني في المنطقة، وبالتالي فإن تسويق أفكار تصفية القرن للقضية الفلسطينية سوف تستمر مواجهتها فلسطينياً وعربياً ودولياً حتى تنكفء وتسقط تحت أقدام الشعب الفلسطيني.

أمام هذه التحديات الخطرة يأتي إنعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني نهاية نيسان القادم، لتمثل الرَّد الوطني الفلسطيني على هذه المؤامرات التصفوية، وبالتالي فإن تَعَلُلْ البعض بأي عِلَّةٍ كانت لرفض المشاركة وعدم تلبية الدعوة هي عِلَلٌ فاقدة لمبرراتها مهما كانت، فليحضر الجميع ويشارك الجميع في تحمل المسؤولية التاريخية، في هذه المواجهة المصيرية، وليطرح كلٌ ما يريد، وليجري النقاش الديمقراطي العميق، لإختيار السياسات والبرامج والقيادات القادرة على المواجهة وتحمل المسؤولية.

إن إتخاذ المواقف السلبية والتشكيكية من جدوى وقدرة المجلس الوطني على تحقيق الغاية من عقده في ظل الظروف القائمة، ماهي إلا إستمرار في التهرب من تحمل المسؤولية الوطنية في هذا المفصل التاريخي الهام الذي تمرّ فيه القضية الفلسطينية وتمرّ فيه منطقتنا العربية، إن الإكتفاء بمواقف التشكيك والقدح والردح، والإستظلال تحت خيمة المعارضة لإنعقاد المجلس، وإسطناع الذرائع المتعددة لتبرير هذه المواقف السلبية والتي هي أبعد ما تكون عن الموضوعية والغاية الوطنية، وإنما هي في حقيقتها تمليها دوافع حزبية وفصائلية وأيديولوجية، وتعبر عن خضوعها لتجاذبات سياسية إقليمية ودولية، قد ثبت ضررها في الماضي كما هو في الحاضر، وخطرها الآن على القضية الفلسطينية والوحدة الوطنية بالغ وملموس للقاصي والداني.

رغم كل المزاعم والمواقف السلبية، ستبقى منظمة التحرير الفلسطينية، وشرعيتها التاريخية والقانونية والسياسية والنضالية، أقوى وأصلب من أن تؤثر بها تلك المواقف السلبية، والواقع يكشف عن زيفها وعدم أحقيتها، وسيبقى المجلس الوطني مفتوحاً لمشاركة جميع القوى والتيارات وليس حكراً على لون أحادي كما يظن البعض، وسيبقى المُعَبِرْ الأمين عن وحدة الشعب الفلسطيني وتطلعاته في الحرية والإستقلال وسيبقى أعلى سلطة تشريعية للشعب الفلسطيني، رغم كل المواقف التشكيكية القديمة الجديدة، التي لا تخفى دوافعها على أحد منذ نشأة وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964م وإلى اليوم تلك المواقف السلبية والتشكيكية لازالت تراوح مكانها وتكرر نفسها، والقافلة تسير إلى أهدافها.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس