في الذكرى الخمسين لمعركة الكرامة أستذكر روح الفداء والتصدي والتحدي والصمود ووحدة الصف التي تحلى بها مقاتلو الجيش العربي الأردني والفدائيين الفلسطينيين والتي صنعت بوحدة الصف في مقارعة جيش العدو المدجج بسلاح الطيران وبأعتى أسلحة الميدان إلى جانب استبسالهم في أرض المعركة والالتحام مع جيش العدو عند نقطة الصفر والإبداع القيادي في كيفية إدارة القتال ، عوامل مجتمعة صنعت النصر على عدو غاشم لطالما كان يعتقد أن معركته ستكون نزهة يحقق من خلالها أهدافه في اجتثاث روح المقاومة من الشعب العربي الأردني والفلسطيني خاصة والعربي عموماً، وفرض إرادته وإلى الأبد على أمتنا قاطبة ، فإذا بها النار والدمار والوبال والهزيمة والفشل على مخططاته وعلى أحلامه ، أجبرته ولأول مرة القهقرى من أرض المعركة بلا ترتيب ، تاركاً آلياته المحترقة بالجنود الذين كانوا بداخلها ، معترفاً بأن ما لحقه من خسائر فيها لم يكن يتوقعه وتفوق ما لحقه في حرب حزيران 1967 ذات الفعاليات العربية المعدومة ..
صحيح أنه في ست عشرة ساعة من القتال الضاري دمر ما في القرية من مبانٍ لكنه فشل فشلاً ذريعاً في هدم إرادة الصمود وأيقن أنه يواجه خصماً عنيداً لا يستكين ، فكانت الدرس والعبر والتي صنعت الأمل لمستقبل الصراع وكانت دافعاً للجيشين العربي المصري والسوري في حرب تشرين التحريكية 1973..
لقد كان من أهم نتائج معركة الكرامة :
- أردنياً فشل العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه على الأرض الأردنية وما كان يطمح إليه من وراء العملية وأعطته الجواب بأن الأردن سيبقى عصياً على العدو وأحلامه .
- فلسطينياً بروز المقاومة الفلسطينية كقوة فاعلة وسند قوي للجيوش النظامية العربية في مقارعة العدو الصهيوني وظهور الشعب الفلسطيني على مسرح الأحداث في المنطقة على خلاف ما تخطط له الصهيونية العالمية بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
- على الصعيد العربي كانت لها الأثر الكبير في استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها القوات المسلحة العربية في حزيران 1967.
- صهيونياً أخفق العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه العسكرية والاستراتيجية من وراء العملية التي كان يهدف منها التأكيد لمواطنيه من الصهاينة على قدرة جيشهم على فرض إرادته على كل العرب كونه الجيش الذي لا يقهر فهزم شر هزيمة فأفقدهم الأمل بالاستقرار ودب الرعب في قلوبهم .
وبإرادة الكرامة كانت هزائم الجيش الصهيوني تتوالى ، ما دفع بأمريكا لتضع بكل ثقلها لمنع انهيار الجيش الصهيوني أمام إرادة الصمود والتحدي العربية التي كان لروح الفداء التي تحلى بها رجال الجيش العربي الأردني والفلسطيني الأثر الكبير في ذلك ..
لقد كانت الكرامة بحق صانعة للعز والكرامة لكل العرب ومفتاح النصر والدرس والعبر لكل مقاتل عربي.
رحم الله شهداء الكرامة ولكل الرجال الذين خاضوا غمارها صانعي العز العربي لمستقبل سيبقى الشاهد الحي على تحديهم لعدو الأمس واليوم والمستقبل العدو الصهيوني وتضحياتهم وصنيعهم .
* عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
[email protected]