النظام السياسي ... وثقافة جلد الذات !!!

بقلم: وفيق زنداح

لا زلنا بمرحلة التحرر الوطني ... ولا زلنا تحت الاحتلال ... حتى في ظل هياكل ادارية ومؤسساتية تقوم على خدمة الجمهور الفلسطيني ... أي اننا لدينا نظاما سياسيا ومؤسسات وطنية ... ومرجعيات عليا ... حتى في ظل مرحلة التحرر ... وواقع الاحتلال ... وهذا ما يصعب من العمل ... وما يفتح المجال متسعا لمن يريد ان ينتقد .. او يتصيد ... او يحاول ان يزيد من شعبيته بسياسة دغدغة العواطف ... والحديث بألام الناس واحتياجاتهم ... دون ان يقدم أدنى شيئ يمكن ان يخفف من الالام بصورة عملية وفعلية .

كلام بالهواء ... وتصريحات شبه يومية ... وسياسة لا يعرف لها أول من أخر ... هكذا يبدو المشهد السياسي الفصائلي الذي لا يتسم بأدنى مقومات التماسك ... وتعزيز الوحدة ... وزيادة مقومات الجبهة الداخلية .

كل يعمل بمنظوره الخاص ... وبرؤيته المحددة .. وعلى الاصح برؤية المتحدث وحالته النفسية .. وطبيعة السؤال ووسيلة الاعلام ... وما يريد البعض الاستماع اليه ... ولا مانع من ان تتغير التصريحات ما بين الصباح والمساء ... وما بين اليوم والغد ... فكل شيئ ممكن بعالم السياسة الفصائلية ... التي لا تستند الى الرؤية الشمولية والمتغيرات السريعه .. وكل ما يحكم مواقفها مصالحها الذاتية ... وتعبئتها التنظيمية لاعضاءها وللبعض الملتف من حولها .

أي اننا نمتلك حتى في ظل ظروف مرحلة التحرر مؤسسات وطنية ... ونظام سياسي ... ولكل منا تقديراته بحسب توجهاته السياسية ... ومنطلقاته الايدلوجية حول طبيعة وقوة النظام السياسي ... او حتى ضعفه .

الا اننا وللاسف الشديد لا نسأل انفسنا السؤال الهام حول قوة او ضعف النظام السياسي ... وطبيعة مرتكزاته ... والاسس القائمة عليه ... ومكوناته من الفصائل ... فاذا كانت الفصائل قوية ومتماسكة وديمقراطية كما نتحدث ... فهذا سينعكس بالايجاب على مجمل مؤسساتنا ونظامنا السياسي ... واذا كان العكس فان الامور واضحة ومعروفة .

لا يجوز ... ومن غير المسموح ... بل يحسب علينا .. ان نستمر باطلاق السهام والنقد السلبي .... للنظام السياسي الفلسطيني ... وكأنه نظاما ليس له علاقة بقوى سياسية فاعلة ... وبشخصيات وطنية معروفة ومشهود لها ... وان هذا النظام انعكاس طبيعي لحالة فصائلية قائمة ... ولواقع مجتمعي ... ونتيجة طبيعية لتفاعلات فكرية ... ثقافية ... مجتمعية .

أي ان النظام السياسي لم ينزل علينا من السماء ... ولم يتم صناعته في اليابان او الصين .. بل انه وليد صناعة فلسطينية بامتياز .. بحكم تجربة نضالية طويلة ... ومسيرة عطاء لا زالت متواصلة ... فيها من المؤيد ... كما فيها من المعارض .. وهذا شيئ طبيعي ... لكن من غير الطبيعي ان تكون المعارضة قذف .. وشتائم ... وتخوين ... ومحاولة اسقاط حالة افلاس سياسي وجماهيري لبعض الفصائل ... ومحاولتها باستعادة بعض ما فقدت من بوابة النقد والتجريح للنظام السياسي ... واستغلال احتياجات الناس وظروفهم ومجمل ازماتهم ومحاكاتها بما يحفظ لهم وجودا على الساحة الاعلامية ... التي تشهد خربشات لا اول لها من اخر ... ومقولات ما أنزل الله بها من سلطان .

ان يقول هذا الفصيل او ذاك ...رأيه حول قضية محددة او حول رؤيته الشاملة ... فهذا حق وواجب ... ويترك للجميع ان يتحدث بطريقته وبما يحلو له ... وبما يراه مناسبا .. لكن الشيئ الذي يجب ان يعرفه هذا الفصيل المتحدث او ذاك ... ان حرية القول والتصريح المطلقة ... سيأتي من بعدها محاسبة شعبية للرأي العام حول حقيقة ما استمع اليه ...وحول حقيقة ما تم انجازه ... فالفارق كبير وشاسع ... ما بين القول النظري والفعل العملي .... وهذه مشكلة كبرى ... وأزمة عميقة في الفكر السياسي الفصائلي بأغلبيته ... والتي لا نرى منها الا طحن الهواء والماء ولا نلمس انجازا ... ولا تغيرا ملموسا .

يتحدثون عن الديمقراطية وقياداتهم لها عقود طويلة ... يتحدثون عن الديمقراطية ... ولا يتحملون الرأي الاخر ... يتحدثون عن الديمقراطية ولا يعملون بها .... ولا يؤكدون عليها بمعظم مواقفهم .

وكما يقال بالمثل(خالف تعرف ) .

فمن يخالف الرأي وينتقد ... ويستخدم من العبارات والمفردات التي تصل الى حد التجريح والتشهير ... وكأنه يقوم بعمل بطولي ولا يقدر هذا المتحدث ان بأقواله قد هدم ولم يبني ... قد شتت ولم يوحد .. قد اساء لنفسه ولغيره .

صباح مساء ... نستمع عن انتقادات النظام السياسي والمؤسسات الشرعية ... السلطة لا تعجب البعض ... والمنظمة لا تعجب البعض الاخر ... والرئيس لا يعجب البعض ... والقرارات التي يمكن ان تصدر لا تعجب البعض ... والتحركات السياسية والدبلوماسية لا تعجب البعض .

وهنا يجب ان نفرق بين المعارضة الايجابية التي تأخذ دورها بطرح البدائل العملية والممكنة والمتاحة ... وما بين المعارضة العدمية التي تعارض دون طرح البديل... وبالاصح لا تمتلك

أي طرح بديل وعملي وممكن .

انتقادات من اجل الانتقاد ... لكل ما هو خارج الفصيل ... ولا انتقادات لما هو بداخل الفصيل ... وكأن السلبيات والثغرات خارج اطار هذا الفصيل او ذاك ... لكنها تتجمع بداخل النظام السياسي وخاصة بشخص الرئيس باعتباره رأس الهرم .

ثقافة فلسطينية .. واسلوب لجلد الذات ... تم ممارسته منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية ... وحتى ما قبلها ... وما بعدها ... والتي تأخذ منا وقتا طويلا ... وجدلا عقيما ... واخراجا سيئا ... ومشهدا بائسا ... يسمح للعديد من العواصم ان تتدخل بشؤوننا ... وان تتلاعب على ارضنا ... وان تحاول جر البعض منا ..... الى مواقفهم وحساباتهم السياسية ومصالحهم الاستيراتيجية ... مثل هذا الواقع لا يخدم قضيتنا ولا يخدم لشعبنا اهدافه الوطنية ... من هنا كان تمسكنا بالقرار الوطني المستقل ... وعدم السماح بالتدخل بشؤوننا الداخلية ... وهذا ما تم تكراره والحديث حوله بكافة مؤتمراتنا الوطنية .

نحن في فلسطين وفي ظل ثقافة قائمة ... وفي واقع جلد الذات ... ظلمنا العديد من القيادات ... حتى في ظل جماهريتها الواسعه .... ولا نعمل على انتقاء الالفاظ ... وتحديد المواقف ... والعمل بحسابات ومعايير وطنية حيادية لا تأخذنا يمينا ولا يسارا .

الرئيس الشهيد ياسر عرفات كم كانت مساحة المعارضة له ... وكم كان حجم الكلمات التي تقال بحقة ... وكم كانت مساحة المعارضة لسياسته .

قال البعض ... انه تنازل .... وفرط بالحقوق ... ولكن بعد بعض الوقت وفي ظل منعطفات واضحة وبارزة ... ثبت عكس ما كان يقال ... وما كان يتردد ... كما حدث في واي ريفر وطابا .. وما تم بنهاية المشهد من حصار الزعيم الشهيد ياسر عرفات بمقر المقاطعه واستشهاده رحمه الله ... ما بعد الاستشهاد الجميع يتغنى بياسر عرفات ... والجميع يتحدث عن تاريخه ... ونحتفل بذكرى استشهاده ... وبكل مناسبة وطنية نتحدث عنه وننشر الالاف من صوره ... ويحتفظ كل منا بصورته داخل مكتبة او منزله ... وهذا شيئ عظيم ... ووفاء كبير يستحقه الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات .. لكننا لم نحاسب انفسنا ... ولم نراجع مواقفنا حتى اننا لم نراجع تصريحاتنا ... وكأن ما فات قد مات ... وهذا درس يجب ان يكون ماثلا امامنا اليوم ...عندما قال الرئيس الشهيد ياسر عرفات ... (لا) لكلينتون ... و(لا) لكولن باول وزير الخارجية الامريكي الاسبق ... وهو محاصر لاكثر من ثلاث سنوات ... واليوم الرئيس محمود عباس قال (لا) للرئيس الامريكي ترامب ... وقال (لا) لكل من حاول اقناعه على غير قناعته وثوابته ... ويحاولون ممارسة الضغوط عليه في ظل معارضة داخلية لا حسابات لها الا مصالحها ... وفي ظل ضغوط خارجية لا حساب لها الا مصالحها .

واليوم يقف الرئيس محمود عباس موقفا شجاعا بطوليا تاريخيا سيحسب له ... وسيسجل بتاريخه .... كما تم التسجيل لياسر عرفات... وعندها سنقف جميعا لنعيد تكرار ما نقوله عن ياسر عرفات للرئيس محمود عباس أطال الله بعمره .

فلماذا لا نتعلم من تجاربنا ... ولماذا لا نستخلص العبر والدروس ... ولماذا لا نعمل على ثبات الموقف وتحديد مضمون الرسالة التي يجب ان يستمع اليها الجميع ؟!!!!!.

ثقافتنا ... واسلوب جلد الذات ... ومحاولة التشكيك والانتقاد لكل ما يقال وما يمكن ان ينجز ... محاولة بائسة ويائسة للبعض من الفاشلين المتربصين ... غير القادرين على الانجاز ... والذين يعيشون على التاريخ... والفارق شاسع ما بين التاريخ ... والواقع .

نحن بحاجة ماسة الى الحفاظ على نظامنا السياسي بكافة مكوناته ... وان نستنهض كافة طاقاتنا ... وان نحافظ على مصادر قوتنا ... وان لا نضيع المزيد من الوقت في مجادلة عقيمة ... ومعارضة عدمية ... وتصريحات لا طائل منها الا تشويه صورتنا .

المراجعه حق وواجب ... ولا يجوز لأحد ان يقنع نفسه انه يمتلك ناصية الحقيقة ... وانه لا يخطئ بمواقفه ... وان غيره هو من يخطئ ... هذه ثقافة واسلوب يتعارض مع الحقيقة الساطعة .... وحتى مع الواقع ان لم نقل مع التاريخ... وهذا ما يحتاج الى مراجعة كل منا .

بقلم/ وفيق زنداح